ويأتي تكريم شرارة، رجل الدين الذي لم يتخطَّ العقد الرابع من عمره، للإضاءة على الدور والأثر لتاريخ المدرسة الدينية في بنت جبيل من جهة، ولنبش سيرة رجل استطاع خلال ست سنوات قضاها في المنطقة، أن يؤثر في العلم والأخلاق، ما لم يؤثره غيره في ستين سنة، بحسب قول ينقل عن السيد محسن الأمين. ومن سيرته، التي كتبها السيد رضا فضل الله المتوفى في العام 1917، أن شرارة «تمكن من حفظ القرآن الكريم في عامه الخامس خلال فترة لم تتجاوز الخمسة أشهر، قبل أن ينتقل إلى النجف الأشرف، حيث التحق بالمدرسة الدينية. وتتلمذ على أيدي أشهر العلماء والفقهاء في ذلك الزمن. وقد برع في العـــديد من العلوم. وله منظومة شعـــرية في الأصول تتألف من 1680 بيتاً، كما له منظومـــة في المــواريث، وكان قد كتب في الفقه أيام دراســـته على الشــيخ الكاظمي».
وأثناء وجوده في النجف، ألم به مرض نتج منه سعال شديد وبحة في صوته (يقال إنه السل)، فأشار عليه الأطباء بالمعالجة أو تغيير الهواء والعودة إلى جبل عامل، فعاد سنة 1298 هجرية. وبعد عودته، عمل على تدريس العلوم الشرعية، حيث أنشأ مدرسة دينية في بنت جبيل، انتقل إليها طلاب مدرسة حناويه، وبقي يدرِّس فيها ست سنين حتى وفاته. وعمل على محاربة بعض العادات والتقاليد. كما عمل على نشر وإقامة مجالس العزاء، مدخلاً بعض التحسينات، ومقتبسا من العادات العراقية، ومستفيدا من كتاب شارك في تأليفه مجموعة خطباء من العراق وهو «كتاب السفينة»، فنسخ طلابه منه نسخاً كثيرة، وتداولوها. كما عمل على تهذيب الأدب العاملي، ونشره من خلال إحياء المجالس الأدبية والشعرية.
اجتماعيا، أدخل إلى جبل عامل عادة شرب الشاي باستعمال إبريقين، (وفقاً لتقنية السماور الروسي)، التي كان قد أخذها من أوساط العلماء النجفيين. كما نجح في إرساء عادة إقامة الذكرى الأسبوعية للمتوفين، إضافة إلى مجالس الفاتحة عن أرواحهم. إلا إن أهم ما اضافه شرارة خلال حياته القصيرة، هو إسهامه إلى حد بعيد في تجديداته في جبل عامل، من الطرق والممارسات النجفية، بما يشبه قليلاً حالة تقليد أبناء المحافظات لما يجري في العاصمة. وكان هدفه تنظيم الحياة الدينية العاملية على صورة ما كان يقوم به كبار المجتهدين في المدن المقدسة. وتمكن شرارة من خلق تصوّر شامل للإصلاح الديني، وكان ينوي في الوقت نفسه تحسين الحياة الأدبية إلى جانب الممارسات الطقسية والتربية الدينية.
ولعل شهادة السيد محسن الامين به هي أبلغ تعبير عن الأثر الذي تركه شرارة في مختلف نواحي الحياة لدى أهالي جبل عامل وســـكانه. ويقول عن ذلك النائب حسن فضل الله: «إن المدرسة أدت دوراً نهضوياً على مستوى جبل عامل وبلاد الشام، على الرغم من قصر مدتها، ما بين تأسيــسها ووفاة صاحبها، إلا أن شهرتها عمّت وتجاوزت الأرجاء العاملية، فاستفاد منها معظم علماء تلك المرحلة. وقد أدخل اليها الشيخ منهجا جديدا في التدريس»، لافتاً إلى سعي شرارة إلى «تعزيز أواصر الوحـــدة الإسلامية في مرحلة تاريخية، كانت تشهد تحولات كبيرة مع تضعضع الدولة العثمانية، وتفتت أواصرها، وصولاً إلى استنهاض الحالة العامة من خلال صِلاته بعلماء عصره».