«أحلى بيوت راس بيروت». درجت هذه المقولة كثيراً في وقتٍ سابق. لكن، هل ستبقى هذه البيوت هي «الأحلى»؟ لن يبقى الجواب «نعم»، فثمة بيوت أخرى ستصبح «أحلى»، على حد قول رجل الأعمال جينو نادر. الشاب الذي عاش جداه ذات يومٍ في حارة النصارى في صور القديمة يتهيأ اليوم لجعل بيوت تلك الحارة من أحلى المساكن، مدفوعاً بـ«الحنين» للمكان الذي يمثّل جزءاً من هويته.
لكن، لم يكن الحنين وحده هو ما دفعه إلى اتخاذ تلك المبادرة التي تقضي بترميم تلك البيوت الصالحة في الحارة القديمة، فثمة دافعان آخران كانا هاجسين للشاب وهما: تثبيت المسيحيين في مسقط رأسهم والعمل على «حماية البيوت من الهجر والإهمال وتحويلها من ملك متروك إلى مصدر للربح ينقذ أصحابه من مصير المغادرة ويؤمن لهم فرص العمل».
فبعد سنوات من الفراغ في حارة النصارى وبيوتها التي بات عدد كبير منها يقتصر على وجود الوالدين العجوزين، كأنهما «نواطير الديار»، قرر نادر التخفيف من وطأة ذلك السكون، فعمد قبل ثلاث سنوات الى تبني مشروع يتمثل بترميم بيتٍ واحدٍ في الحارة، وهو قصر المباركة أو بيت صالحة التراثي على نفقته الخاصة. هكذا، بدأ مشروعه ببيتٍ واحد، لكنه انتهى بمشروعٍ تجميلي لكل بيوت الحارة.
القصة بدأت مع قصة صالحة التراثي. كان نادر يريد شراءه لتحويله إلى مطعم وفندق. لكن الاتفاق مع أصحابه الأصليين قضى باستئجاره لمدة 30 عاماً وترميمه وتجهيزه ليصبح مسكناً خاصاً بنادر وحده.
طوال ثلاث سنوات من الورش الدائمة، تحوّل القصر من «خربة» مهجورة وآيلة إلى السقوط بسبب مرور الزمن وتعرضه للقصف الإسرائيلي، الى تحفة فنية من الداخل والخارج تشهد إقبالاً من الزوار والسياح لمعاينتها.
لاقى مشروع البيت ـــــ التحفة استحسان أهالي الحارة وفاعلياتها، الأمر الذي دفع بنادر، بالتعاون مع بعض المعنيين إلى تطوير المبادرة نحو مشروع تأهيلي وتجميلي عام على مستوى الحارة كلها. الخطة التي بدأت ملامحها الأولية بالظهور ميدانياً، تقوم على شراء أو استئجار البيوت «المهجورة»، ومن ثم العمل على عملية ترميم شاملة «من تدعيم الجدران والأسقف وتبليطها وطلائها وفرشها وتجهيزها بالأثاث وكل ما يلزم لتصبح جاهزة للسكن والاستخدام كفنادق»، يقول. وإلى جانب تلك البيوت ـــــ الفنادق، يعمل نادر على تشجيع الأهالي الذين يملكون غرفاً مستقلة في بيوتهم لكي يستثمروها على طريقة «BED AND BREAKFAST»... والهدف واحد «تأمين فرص عمل للمسيحيين لتثبيتهم في أرضهم»، يقول أحد المشرفين على المشروع، مشيراً إلى أن «الخطة تنص على تقسيم البيوت المرممة من الداخل إلى أجنحة مستقلة، يضمّ كل منها غرفة نوم أو أكثر وحماماً ومطبخاً، الأمر الذي يسمح بتأجير أكبر عدد من الزوار والسياح لقضاء ليلة واحدة أو أكثر، شرط أن يتولى الزائر تأمين وجبات طعامه إما بنفسه أو بالاعتماد على المطاعم القريبة».
أما بالنسبة إلى النظافة داخل البيوت وخارجها، فيتولاها فريق من العمال والعاملات. هؤلاء سيقبضون رواتبهم من صندوق مستحدث تحوّل إليه الأموال من بدلات الإيجار وتشرف عليه اللجنة المكوّنة من أهالي حارة النصارى، على أن تؤول الأرباح في نهاية المطاف إلى مشروع دعم العائلات الفقيرة والمحتاجة من أبناء الحارة.
وبالنسبة إلى تأمين فرص العمل، لحظ المشروع حاجة أبناء الحارة إلى العمل بدل الهجرة، فكان الهدف متمحوراً حول البيوت ـــــ الفنادق الكفيلة بتأمين دخل لصاحب البيت، إضافة الى «الأفكار الأخرى التي على الناس ابتداعها»، يقول المشرف. كيف؟ مثلاً حثّ الصيادين على تجهيز مراكبهم لاصطحاب الزوار في رحلات بحرية يتخللها وجبة طعام. كذلك جرى اقتراح تحسين المسامك وتعزيز نشاط الصيادين لكي يصبحوا جاهزين لاستيعاب متطلباتهم.
الخطوة الأولى في المشروع انطلقت في بيت مهجور مقابلٍ لبيت صالحة. من بعده، ستكرّ سبحة البيوت التي ستصبح أحلى مما كانت. وخلال هذا العمل، ستكثف اللجنة جهودها لإقناع أصحاب البيوت المهجورة للتعاون مع المشروع، من بينهم القصر شبه المهدم الملاصق لبيت صالحة، وهو القصر المملوك من آل شداد، والذي كان قد تعرض للقصف إبان الاجتياح الإسرائيلي. وإن وافق مالكوه على الخطوة، يأمل المشرفون على المشروع تحويله إلى حديقة عامة. وقد بدأوا تحركهم في هذا الإطار، باتجاه البلدية لكي تتدخل مع أصحابه ليسمحوا بهدمه.