أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

مؤتمر "كلمة سواء" ال12 عن "التغيير عند الامام الصدر"

الجمعة 25 تشرين الثاني , 2011 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 5,779 زائر

مؤتمر "كلمة سواء" ال12 عن "التغيير عند الامام الصدر"

 حضر المؤتمر رئيس مجلس النواب نبيه بري ممثلا رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، وزير الإعلام وليد الداعوق ممثلا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الدكتور انطوان فاضل ممثلا الرئيس أمين الجميل، العميد موسى زهران ممثلا الرئيس إميل لحود، الرئيس حسين الحسيني، الدكتور حسن موسى ممثلا الرئيس سليم الحص، النائب عمار الحوري ممثلا الرئيس فؤاد السنيورة، النائب محمد قباني ممثلا الرئيس سعد الحريري، وزير الصحة علي حسن خليل، وزير الدولة محمد فنيش، السفير البابوي غبريالي كاتشيا، سفير المغرب علي أومليل، سفير الجمهورية الاسلامية الإيرانية غضنفر ركن أبادي، النواب: العماد ميشال عون ممثلا بجوزيف شهدا، نهاد المشنوق، علي عسيران، اميل رحمة، علي خريس، حكمت ديب، عبد المجيد صالح، ايلي عون، مروان فارس، علي فياض، قاسم هاشم، امين وهبي، محمد الحجار، باسم الشاب، حسين الموسوي، علي بزي، علي المقداد، عاطف مجدلاني، سامي الجميل ممثلا بفرنسوا الجردي، النائب محمد رعد ممثلا الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، الوزير علي قانصو ممثلا رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب اسعد حردان، حسن علوش ممثلا النائب انور محمد الخليل، ممثل عن قائد الجيش العماد جان قهوجي، العميد جمال فضل الله ممثلا المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، وزراء ونواب سابقون، مارون رزق الله ممثلا رئيس المجلس العام الماروني وديع الخازن، عادل حنين ممثلا رئيس حركة "التجدد" نسيب لحود، محافظ الجنوب نقولا ابو ضاهر، محافظ النبطية محمود المولى، قيصر الديراني ممثلا محافظ جبل لبنان والبقاع القاضي انطوان سليمان، قائمقام حاصبيا وليد الغفير، قائمقام كسروان جوزيف منصور، قائمقام صور حسين قبلان، رئيس المحاكم الشرعية الجعفرية الشيخ حسن عواد، حامد الحفاف ممثلا المرجع السيد علي السيستاني، الاب قسطنطين نصار ممثلا متروبوليت بيروت للروم الارثوذكس المطران الياس عودة، عائلة الإمام وأصدقاء ومحامون وباحثون.


رباب الصدر


بعد كلمة لعريف الاحتفال الشاعر حسين حمادة، ألقت رئيسة مؤسسات الإمام موسى الصدر رباب الصدر كلمة قالت فيها: "نلتقي اليوم عند حكاية نصف قرن على العمل في مؤسسات الإمام الصدر، والمؤتمر هذا بمناسبة دخولها السنة الخمسين من حكاية العمل، وكلما استعرضت مشاهد الحكاية يكبر عندي مفهوم اختراق الشائع والحياة النمطية الجامدة، وكيف يمكن تحويل الركود إلى حركة متسارعة نحو اليوم الأتي ليكون منه الوجود الحي".

اضافت: "مذ أطلقنا الإمام السيد موسى الصدر سنة 1962 من أقبيتنا النسائية إلى الفضاء الأرحب، أفرادا كنا، تلفنا جدران بيوتنا، وبيوتنا حياتنا الاجتماعية، ومنها نستقي حروفا معرفية، ونبذا من تراكم ثقافي. لم نكن على إمكان أن نستوعب ما حولنا، فضلا أن ندرك الحدث. رؤاه لمح، وعلينا أن نلتقط اللمحة، ومن يؤتى منها فاز، وما هو بالأمر الهين. وإذ تركنا قبل ثلاثة وثلاثين عاما ونيفا، ودهمنا المجهول، والمجهول قلق قاتل، كان قد أطال لنا أجنحة، وأنبت للقوادم ريشا، وأكسب عيوننا حدة، وعزائمنا مضاء، فاستطعنا أن نقف على الحد الذي يريدنا فيه من تعريفه للعمل بأنه: "قطعة من الإنسان ذابت فتحولت إلى عمل".

وتابعت: "لم تكن الهيئة النسوية مؤهلة لأي دور لتكون الجناح الآخر للمجتمع في صور، فكل كفاءة الزميلات أنهن من كريمات عائلات البلدة، ولم يكن من ثقافة ذلك الحين ما يرتبط بنشاط المرأة خارج المنزل. لم أكن مؤهلة كذلك، يوم أطلقني ريشة في مهب تطلعاته لليوم الآتي، لم أكن أكبر وأوعى من أية طالبة ثانوي من جيل الستينات. إلى جانب أنني أجهل البيئة التي انتقلت إليها دون حساب مسبق، وهي تختلف تماما عن البيئة التي أولدتني وأنشأتني، ولم أكن مؤهلة لإدارة صفين، منهما صف محو الأمية، وتعرفون ما يحتاج مثل هذا الصف من خبرات. هذه كانت حالنا، يوم طرح ببساطة عبارات آخر سنة 1961، طبعت مسارنا طوال نصف قرن، والآن أستعيدها بتصرف، منها ما كان لجمعية البر والإحسان ككل وهي أنها غير طائفية، تعمل لصالح الناس جميعا دون تمييز، وأنها غير سياسية محليا أو غير محلي، وأنها غير حزبية، وإنها تعمل من أجل الإنسان وخدمة عيال الله وبالذات المستضعفين منهم، وأن يكون العمل خالصا لوجه الله تعالى، وأن تكون العطاءات والهبات والتبرعات بقصد رضا الله، وكذلك المساعدات التطوعية".

واردفت: "أما بالنسبة للنشاط النسوي، فقد أشار إليه بأنه كان لتطير الجمعية بجناحيها، وأنه يستعد لتعليم الخياطة لإحدى عشرة فتاة، وأنه يتهيأ بعد حوالى شهرين للواجب الإنساني الكبير. وأن هذا العمل يوفر على العائلات، ولا سيما الضعيفة منها، ربع ميزانيتها الشهرية، وأن الصلات التعليمية مع عائلات البلد خطوة في سبيل الخدمات، ثم اختصر هذا كله بعبارة محاربة الجهل والفقر والمرض. لم تكن هذه الكلمات تعني شيئا حينها عندنا، ولكنه وقد أولاني إدارة العمل شعرت بأنها تعنى مهمتي بشكل أساسي، ولكن لا أدري كيف، وتشكل طبيعيا فريق عمل من الإمام الصدر فكرا وإرشادا وتمويلا، ومن تجارب وخبرات كانت بالتصرف تدريبا واستنهاض قابلية كامنة في الفتوة عندي، وبدأت شيئا فشيئا أستوعب مدلولات ما قال، واتخذتها نهجا وتوسعت بها بقدر ما يتوفر عندي الجهد تمددا أو تجذرا، وكان (بيت الفتاة) وهو اسم نشاطنا الأول قبل التغييب، وتحول إلى مؤسسات الإمام الصدر فيما بعد، فاستهدفت نقطة ارتكاز آفاتنا بإقامة أركان تغطي الخدمات التعليمية والمهنية والصحية والإرشاد الصحي والتمكين للفتاة باعتبار هذا بنية تحتية لمحاربة الجهل وبالتالي التغيير لاستفادة جميع الفئات العمرية. أما ما بعد النصف الأول من القرن فهو التفرغ للتطوير وتهيئة الجيل الذي سيكمل الطريق للنصف الثاني من القرن، وهذا نهجنا، ومن الله السداد في أن نكون نحن القائمون الآن، والآتون بعدنا ومن بعدهم من المذيبين منهم عملا ونهوضا وكرامة".

وختمت: "تلاحظون التركيز على العمل، وعلى مسارنا الذائب فيه، مع أني أدرك أنه من المنتظر أن أتكلم عن مسار قضية الإمام الصدر، وأرجو هنا التوضيح أنه وهو شخصية عامة، وقضيته لهذا قضية عامة، وما نحن سوى أفراد من العامة استهدفنا العمل متابعة لقضيته واستقصاء وجوده والقصاص لكل من له ضلع بالإيقاع، ونذوب فيه كما نذوب في تجسيد أفكاره. ومهما كانت الظروف، فسيكون هو والناس الذين من أجل قضاياهم، وقضايا يومياتهم وأحلامهم ومستقبل أجيالهم، سيكون خط العمل المتجه على الأرض نحو السماء.

وشكرت "الذين قدموا خدمات، وأولئك الموزعين على أركان المعمورة شرقا وغربا من إخواننا المهاجرين ومن المقيمين وهم القائمون الأساسيون على كل أعمالنا".


ممثل الراعي


ثم ألقى المونسنيور كميل مبارك ممثلا البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي كلمة قال فيها: "شرف وامتياز أن يكلفني صاحب الغبطة مار بشاره بطرس الراعي بطريرك انطاكية وسائر المشرق، لأعرب باسمه عن شكره العميق على الدعوة التي خص بها، كما خص كرام كثيرون للمشاركة في هذا المؤتمر الذي تنظمه مؤسسات الإمام الصدر، تحت عنوان التغيير الاجتماعي والسياسي عند الإمام الصدر. ونحن إذ نكبر فيكم الوفاء لهذا المناضل فكريا وعمليا، ننظر إلى العناوين التي تضيء فكرة المؤتمر بإعجاب واهتمام، عنيت الرؤية والنهج والرسالة. ولعل في تراتيبة هذه الكلمات، تناغما مع وقوف كل عاقل أمام أي صعوبة، يحاول الخروج منها بحلول منطقية هادفة وقابلة للتحقيق، مجيبة عن التساؤلات الثلاثة: ماذا يجب أن أفعل وكيف ولماذا؟ كل ذلك عبر إشراك الفكر الديني الذي ينير طريق الفكرين الإجتماعي والسياسي في عملية التغيير التي تهدف نحو الأفضل مع احترام خالص لكرامة الإنسان والخير العام".


أضاف: "في وحدة الطبع البشري، كل رؤية تغييرية تنطلق من ثوابت راسخة، يكتب لها النجاح إذا ما قيض لها الله أصحاب الإرادات الحسنة والنوايا الطيبة إلى أي دين انتموا، ليعملوا معا على التكامل والنمو في إحساس الإنسان، فردا وجماعات، بعزة خالقه ومجده، إذ منه تأتي كل كرامة ويأتي كل حق ويتحقق كل خير، يتردد في الأرض فرحا وبشرا، ويصل إلى السماء ابتهالا وشكرا. ونحن نؤمن بوحدة الطبع البشري الذي وهب العقل والحكمة والنطق وحسن التدبير، ومن هذه الوحدة تأتي إمكانية التفاهم بين الناس، على تحسين واقعهم وجمال مستقبلهم. وإذا ما وجدت هذه الإمكانية وتحققت مفاعيلها العملية، انتفت الخصومة وزال الإقتتال وارتفع الطمع، وتوحدت الرؤية بالخير، وإن اختلفت بأساليب تحقيق هذا الخير، شرط ألا يصل الإختلاف إلى الخلاف الذي يتنافى مع وحدة الطبع، ويتعارض مع كل ما يجعل الإنسان أكثر إنسانية، والمؤمن أصلب إيمانا، والمحب لإخوته من الناس أخلص حبا".


وتابع: "نؤمن أيها السادة بفرادة الشخص البشري، وهذه الفرادة هي أساس التعدد والتنوع وكثرة السبل في المناهج التفكيرية ووقعنتها على إيقاع الحاجات الإجتماعية، والضرورات التدبيرية لكل جماعة وكل وطن وكل أمة، بحسب ما تقتضيه ظروف هذه وذاك وتلك. وهذا التنوع إذا ما قرأ قراءة بناءة، يكون مصدر غنى وسببا للتضامن بين القوى العديدة الفاعلة، من أجل الوصول إلى ما تصبو إليه البشرية في أمورها الزمنية، لكي تسعى بفرح، نحوغايتها القصوى في عالم السعادة التي لا تنتهي".


وقال: "نؤمن أيها السادة بكرامة الإنسان الذي خلقه الله نافخا فيه من روحه، العزة والكرامة والهيبة وجميع الهبات التي أعطيناها، لنكون سادة الكون المخلوق وعابدين بالحب والطاعة لخالق كل ما يرى وما لا يرى في العالمين المنظور والخفي. ونحن إذا ما آمنا بالكرامة الآتية من الله نعبر بها عن المساواة التي أرادها الله بين أبناء الجنس البشري. ومن دون هذه المساواة العادلة تمام العدل، لا مساواة ابتدعها الإنسان على الأرض، إلا وفيها بعض الإهتزاز في ميزان العدل، إذا ما نظرنا إليها معممة على أفراد بني آدم ومجموعاتهم. كما نجد أن ما من نظرية ابتدعها العقل البشري بمعزل عن الوحي، تشبع أحلام الإنسان وتطلعاته نحو الكمال الذي دعي إليه".


وختم: "لو وضعنا هذه القناعات التي نؤمن بها تحت مجهر الفكر الصدري، ووضعنا فكر الإمام المغيب في الإصلاح الاجتماعي والتغيير نحو الأفضل رؤية ومنهجا ورسالة تحت مجهر قناعاتنا، لوجدنا أننا نعمل معا من دون أن نبرمج هذا العمل، وأننا نسعى نحو أهداف مباركة تصل بالبشرية، إذا ما فعلت القناعات هذه وثمرتها في سلوكيات الحياة العملية والأخلاقية، إلى حضارة المحبة التي بشر بها وعلم سبلها قداسة البابا يوحنا بولس الثاني".


ممثل قباني


والقى الشيخ وفيق حجازي كلمة مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، فقال: "يسعدني باسم صاحب السماحة مفتي الجمهورية اللبنانية فضيلة الشيخ الدكتور محمد رشيد راغب قباني، أن أقدم لحضراتكم التحية والتقدير، راجيا من الله تعالى أن يكلِّل هذا المؤتمر بالنجاح لما فيه خدمة الوطن والمواطنين، وأن تعم الفرحة قلوبنا بإعادة المغيبين والمفقودين إلى ربوع هذا الوطن سالمين محفوظين بإذن الله تعالى ربِّ العالمين". 


اضاف: "إن هذا المؤتمر الموسوم بكلمة سواء، يذكرنا بقول الله تعالى "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون".

إن أهم عامل لبناء هذه الأمة، هو أن تجتمع كلمتنا على أمر سواء، يقطع الطريق على كل من يسعى لتمزيق هذه الوحدة، وتشتيت شمل الأمة وتقزيمها إلى دويلات، ومن ثم لقيمات بحيث يسهل ابتلاعها وازدرادها، الأمر الذي يؤدي للهلاك والبوار. وهذا مسعى الأعداء والمستعمرين من خلال سعيهم الدؤوب لبث صفوف الفرقة، وفنون الشقاق والنزاع بين أبناء الوطن الواحد، وهو يعلم تماما بأنه لن يكون له موطئ قدم، إذا كانت كلمتنا سواء بما يخدم قضايا أمتنا، لأننا بذلك نحفظ أوطاننا ونحصن أبناءنا ونرضي ضمائرنا وقبل كل شيء خالقنا سبحانه وتعالى".


تابع: "إن المجتمعات الإنسانية بعد أن ذاقت بؤس الظلم وكبت الحريات، ها هي تسعى لفك طوق الحصار عن أعناقها لتشم نسيم الحرية في حياتها وشؤونها كلها، وعلى أرضها وفي سمائها ومائها، وإن كل الحلول والمقترحات البعيدة عن منهج الحق لم تجلب سعادة، ولم تحقق رغد عيش، بل ولم تؤمن لها طيب حياة، وأهمها حرية القول كما حرية المعتقد". 


وقال: "إن هذه المجتمعات تريد العودة لأصالتها من خلال إلغاء الأفكار، التي سعت ولا تزال، لتخريب الأنفس والمشاعر والعقول والحياة، وهي أفكار دخيلة على تقاليدنا، ومستوردة، لا صلاحية لها في أمتنا ذات العراقة والآصالة الحقة. لذلك فقد بدأت تتقهقر عروش الظلم وبقايا الاستعمار البغيض الذي جثم على صدور أمتنا، ليعود للأمة مجدها، وتعلو رايتها، وتتوحد كلمتها، ولتتحرر الأرض بما فيها ومن فيها ويحفظ العرض وترتفع راية الحرية على كل ذرة من ذرات هذه الأمة".


اضاف حجازي: "لكي يكون الاستقلال استقلالا لا استغلالا، وحقيقة لا وهما، وواقعا لا خيالا، فلا بد من أن تكون الكلمة كلمتنا والراية رايتنا نابعة من مصلحة الوطن العليا، ويكون المواطنون سواء في الحقوق والواجبات بما يحفظ مصالحهم ويدفع ويرفع الخطر المحدق بهذا الوطن العزيز، ولكي يتحقق ذلك ويكون كذلك فقد قيل: "من كان طعامه من فأسه كان كلامه من رأسه"، ليتم التغيير الإيجابي لمصلحة الوطن والأمة العليا، فلا بد أن نملك مقومات الحياة ووسائل القوة، الأمر الذي يمكننا من السيادة الحقة على الأرض والاستقلال الحقيقي في كل شؤوننا مما يمكننا حينئذ من رفع الصراعات والأحقاد والنزعات، وتحقيق المساواة، والقضاء على الفقر والقهر والعوز، وتتحرر بذلك كلمتنا ونحفظ وطننا وأمتنا".


تابع: "وأخيرا، أشكر القائمين على هذا المؤتمر والمشاركين فيه راجيا من الله تعالى أن نلتقي في مؤتمر مقبل وقد تحرر المعتقلون، وكشف اللثام عن قضية الإمام موسى الصدر ويعود سالما ورفاقه إلى هذا الوطن العزيز. عشتم وعاش لبنان وعاشت كلمتنا سواء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".


ممثل هزيم


والقى المطران غطاس هزيم كلمة بطريرك الروم الارثوذكس أغناطيوس الرابع هزيم عن "التغيير الاجتماعي والسياسي عند الإمام الصدر"، وقال فيها: "لا شك في أن الإمام السيد موسى الصدر هو من كبار الأئمة المجددين الذين انخرطوا في العمل من أجل الإنسان وخيره ومن أجل إعمار الأرض. فلم يكتف بالتنظيرات والكلام المجرد بل نزل إلى أرض الواقع وخاض في مشاكل الناس وسعى إلى ترجمة الرسالة الدينية إلى الحياة. لذلك جاهد الإمام من أجل الفقراء والمحرومين والمستضعفين، ومن أجل إحقاق الحق وإعادة الكلمة إلى الإنسان أشرف مخلوقات الله".


أضاف: "لقد انطلق الإمام الصدر من ثوابت آمن بها ودعا إليها في خطبه وكتاباته، وهي:

"أ- الإيمان المشترك المسيحي - الإسلامي بالله الواحد. ولو تعددت التعبيرات عن الله، فالله واحد لا يحده تعبير واحد.

ب- الدين واحد ولو تعددت الديانات.

ج- إن الديانتين المسيحية والإسلامية جعلتا لخدمة الإنسان وصون كرامته وحقه في الحياة الفضلى والسلام والمحبة والوئام، وجعلتا أيضا لإعمار الأرض والنهوض بها.

د- تدعو الديانتان إلى قيم روحية ومبادىء خلقية مشتركة، وتدعو إلى التقارب بين المسلمين والمسيحيين والاستفادة المتبادلة من العبر والعظات والنظم التي تنطوي عليها كل من الديانتين".


وتابع: "هذه الثوابت الأربع شكلت جوهر رسالة الإمام موسى الصدر. وهو لم يتوان يوما في خطبه وتصريحاته ومحاضراته عن الاستمرار في التأكيد وإعادة التأكيد عليها. فها هو في كنيسة الكبوشيين، قبيل اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، يعلن أن "الأديان كانت واحدة، لأن المبدأ الذي هو الله واحد. والهدف الذي هو الإنسان واحد". وعندما نسينا الهدف وابتعدنا عن خدمة الإنسان، نبذنا الله وابتعد عنا فأصبحنا فرقا وطرائق قددا، وألقى بأسنا بيننا فاختلفنا ووزعنا الكون الواحد، وخدمنا المصالح الخاصة، وعبدنا آلهة من دون الله، وسحقنا الإنسان فتمزق".


وقال: "بالنسبة إلى الإمام الصدر، اللقاء لخدمة الإنسان يؤدي إلى اللقاء في الله. ففي المحاضرة عينها، يدعو إلى العودة إلى الطريق السوية، متوجها إلى المسلمين والمسيحيين بالكلام: "اجتمعنا من أجل الإنسان الذي كانت من أجله الأديان، وكانت واحدة آنذاك (...) نلتقي لخدمة الإنسان المستضعف المسحوق والممزق لكي نلتقي في كل شيء، ولكي نلتقي في الله فتكون الأديان واحدة". وبالنسبة إليه أيضا، "كانت الأديان واحدة حيث كانت في خدمة الهدف الواحد: دعوة إلى الله وخدمة للانسان، وهما وجهان لحقيقة واحدة". هذا يعني أن الإيمان بالله لا يكون حقيقيا إلا إذا سبقه الإيمان بأن الدين جعل لخدمة الإنسان، لا الإنسان لخدمة الدين، وبأن الدين الذي لا يرفع من شأن الإنسان وكرامته ليس دينا إلهيا، والله بريء منه إلى يوم الدين".


أضاف: "يبدو الإمام السيد موسى الصدر في أقواله عن المسيحية عارفا بها وملما بكتابها المقدس وبحياة السيد المسيح وتعاليمه. وهذه خطوة لا بد منها للحوار أن يعرف المرء دين غيره في مصادره الأساسية لا من مصادره الذاتية، لكي إذا ما خاض في الحوار أن يحاور في ما هو الدين الآخر لا انطلاقا من إيمانه هو بل كما يقدم الدين الآخر نفسه. كما يتبين أن فكر الإمام الصدر ما زال آنيا ومفيدا لنا اليوم، حيث تسود ثقافة العولمة والأحادية الثقافية. فالإمام يدعو إلى احترام التعددية الدينية والثقافية والحفاظ على الخصوصيات الدينية. أما في موضوع الإنسان فيبدو الإمام ثائرا على الفكر الديني الجامد في المسيحية وفي الإسلام، داعيا إلى إعادة الدور الأساسي الذي خلق الإنسان من أجله، أي إعمار الأرض والعمل من أجل خير الإنسان إلى أي دين أو قوم انتمى. وتبقى نظرة الإمام إلى الأديان كافة قابلة للتحقيق، من حيث ان الأديان وجدت لخدمة الإنسان وكرامته. لهذا ينبغي العمل معا من أجل إعادة الأديان إلى الهدف الذي من أجله وجدت، أي من أجل الإنسان".


ممثل حسن


والقى الشيخ غسان الحلبي كلمة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن وقال فيها: "إنه لمن الصواب المثمر أن يصار إلى مقاربة مسألة مفهوم التغيير عند الإمام الصدر من حيث هو كلي الحضور في حركة وجود الإنسان ذاتها، وليس من حيث هو مدرك يتم تبنيه كنشاط حيوي. هذا يعني أن الإمام كان عاصفة في إيمانه وفكره، في قلبه وفي عقله، أي في أنفاسه وحركاته من المبادرة في الحياة إلى الحياة وحتى غاية القصد. إنسان لا يعي فقط ذاته في اللحظة المضيئة للوجود، وإنما أيضا هو يعي مغزاه في هذا المعطى الإلهي العظيم، ويعي أهميتها القصوى في محيطها، وناسه في محل الروح فيه. يدرك أن الإنسان بطبيعته متحرك نحو الكمال، وهذه الحركة إن لم تكن مستنارة بالهدي الرباني في معناه الصادق في نفسه فهي تحت خطر الإنزلاق إلى حركة الإنحدار في المسالك المسترذلة وعواقبها الوخيمة البغيضة في عين الحق".


اضاف: "لذلك، لم يحدد الإمام أفق الرؤية، بل رآه في بصيرته، في فطرته الإنسانية الحقيقية، وهي الإيمان بالله، مميزا بين المعنى الحقيقي لالتزامات هذا الإيمان الروحية والاجتماعية والوجودية من ناحية، وبين المفهوم التجريدي من ناحية أخرى كما قال، يعني أن تعبد الله كأنك لا تراه، هذا إن لم يكن لك طيفا من الأطياف. الحال الأول يفرض الحركة في الحق لتحقيق دلالاته، والثاني يضع الفرد في شبه غيبوبة عن ذات نفسه".


وتابع: "الحركة عنده إذا ليست من الواجبات التكليفية، بل هي عين سلوك الإيمان في الزمن الراهن. روح هذه الحركة هي الوعي الذي عبر عنه الإمام بهذه الكلمة الجامعة: "نعيش حالة ضيم"، ولافت أن ننتبه إلى أن هذا التعبير صاعد من ألم الناس ولسان قلبها، وليس من منسوخ الكتب الذي يستعمل عادة كلمة "الظلم" (والضيم هو الظلم). إن الخروج من هذه الحالة التي يأباها الله تعالى لخلقه هو في حركة السعي من أجل رفعها عنه "وأن ليس للانسان إلا ما سعى".(النجم 39)".


واردف: "ولقد نبه الإمام إلى أن هذه الإندفاعة نحو التغيير يجب أن تبدأ من داخل الإنسان قبل الوثوب إلى الخارج على جهل من حقيقتنا داخل الصدور. "مشكلاتنا تبدأ من عند أنفسنا" يقول، والقصد أن تبدأ الحركة بك، في عملك وفي لسانك وفي قلبك وفي سيرتك. تضع مرآة الحق أمامك متسائلا: "أهناك شبه بيني وبينه؟"، فإن لم يكن شبه، فإنه لا ينفعك الاتكال على الحق، وإن صار شبه، فتلك هي البداية. هذا بدوره يضع "المناقبية والسلوكية" في مستوى الضرورة، بحيث إن الاستهتار بهما هو نقض لاحترام المرء لنفسه، وانزلاق في الآن عينه إلى نقيض المنطلق الإيماني عمليا، وهذا في حقيقته هدم للأساس، "فالممارسة العملية هي المقياس، كما ينبه الإمام، وليس الشكليات والمظاهر، لأن قيمة الشيء بحقيقته وجوهره، لا بظاهره وشكله".


وقال: "أراد الإمام هذه الرؤية، بضوابطها التي تمد جذورها في المثل الإيمانية، رسالة ترقى إلى مستوى "الدعوة العالمية"، لأنها إنسانية، على النقيض تماما من الوقوع فريسة العصبية الطائفية التي يأباها الإمام بلا هوادة. ويؤكد بوضوح ساطع الإنفتاح على جميع الشعوب، وهو بهذا لا يقطع في الدين مع سياق التطور، لأن "الفكر الديني المتطور هو القادر على نزع الصبغة الطائفية التعصبية عن الدين"، ويرى الإمام بنافذ بصيرته الحاجة إلى ما يسميه "ثورة تجريدية في عالم الأديان"، أي، وفقا لرؤياه الإلتزام بالمثل وبالمبادىء الموحدة فوق كل انحياز ضيق الأفق إلى حزبية الطوائف والمذاهب. ويجب علينا هنا أن نلتقط الإشارة بأن قلب الإمام، هنا أكثر من أي مكان آخر، كان، كما يقال، "على لبنان"، بل كان اللبناني في الصميم، وفي القيمة الموضوعية لهذا الإلتزام، أراه يرقى فوق الميثاق الوطني ذاته، لأنه بمقام الروح فيه، فما ينفع الإنسان إذا ربح الميثاق وخسر وطنه نتيجة التحصن خلف أسوار الطوائف والعصبيات المذهبية؟".


وقال: "هل أدت ديناميات الحركة عند الإمام الصدر إلى استنفار مذهبي؟ على العكس تماما من ذلك، أدت إلى استنهاض فكري عبر عنه بيان المثقفين آنذاك (1974) لاستدراك المستقبل تحت عنوان لبناني في الصميم: حركة الإمام إنما هي حركة شعبية لبنانية ذات أبعاد وطنية عامة. سارع المثقفون إلى طرح الأفكار الجامعة التي تشكل نواة التفاعل الوطني البناء، ومن جهته، تلقى الإمام الطرح بعقله النير، ووضع السياق فوق عجلة لبنان الأفضل. لكن الحرب كانت بالمرصاد، ويد الطغاة البائدة كانت تتربص شرا. طبعا، كانت فلسطين في عمق الضمير، لم يقفز الإمام إليها قفزا، رآها ببصيرة المؤمن وفراسة البصيرة، معركة حضارية طويلة الأمد، ذات بعد كياني ومصيري، لهذا، فمن المنطق القول بأن هذا الغضب الرشيد الكامن في دينامية حركته كان استشعارا عميقا لهول مأساة فلسطين والألم الجنوبي الذي كان مثل توأم لها آنذاك".


وختم: "أراني مندفعا إلى القول بأن الإمام على وشك أن يقول لكل اللبنانيين اليوم: عودوا إلى الوراء كأنكم تتقدمون إلى أمام، ومن يقرأ "نداء التغيير" الذي تمت صياغته عام 1972، ومن ثم "ورقة العمل" عام 1977 التي تضمنت ملاحظات أساسية في بناء لبنان الجديد، لفقه هذا القول ومعناه. واسمحوا لي أن أقول بأن تلك النصوص تنحو المنحى الصادق في سياق التفاعل في رؤية وطنية متكاملة، لا على قياس تحالفات، ولا على وزن أوضاع سائدة، وإنما هي الرؤية التي تريد أن تتشبث بصخر الخلاص لا أقول خشبته. والرجاء أن يتفاعل المؤتمر في بحوثه في عمق هذه الرؤية ليظل الصوت عاليا لمن له أذنان ولمن ألقى السمع وهو شهيد".


ممثل لحام


وقال المطران كيرللس بسترس ممثلا بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام: "أحييكم باسم صاحب الغبطة البطريرك غريغوريوس الثالث لحام بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين الكاثوليك، وأتمنى لهذا المؤتمر النجاح من أجل تعزيز الوحدة الوطنية بين أبناء وطننا الحبيب لبنان الذي أراده لنا الله سبحانه تعالى مقر أمان ورسالة محبة ونموذجا للعيش المشترك بين مختلف طوائفه ومكوناته".


وأضاف: "إننا إذ نحيي في هذا المؤتمر ذكرى الإمام المغيب موسى الصدر ونستعيد أفكاره وتطلعاته من أجل ازدهار لبنان وسائر البلدان العربية وإنماء كل إنسان فيها من أي دين كان وإلى أي طائفة انتمى، نتوجه إلى جميع المواطنين مسلمين ومسيحيين مرددين قول القرآن الكريم: "تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم". وهذه الكمة السواء هي أولا أن نعبد الله نؤمن كلنا، مسيحيين ومسلمين، بأنه إله واحد، لا إله سواه، مهما تعددت التعابير التي من خلالها نعبر عن وحدانيته، ومهما تنوعت الطرق للوصول إليه. هذه العلاقة بالله هي التي تحدد معنى الإنسان وتضع الأساس الثابت للعيش بسلام. وهذه الكلمة السواء هي ثانيا محبة القريب الذي خلقه الله على صورته ومثاله، تلك المحبة التي هي البرهان الوحيد على أننا نحب حقا الله ونتقيه، كما قال القديس يوحنا الإنجيلي في رسالته الأولى: "الله محبة: فمن ثبت في المحبة ثبت في الله، وثبت الله فيه (16:4)".


وتابع: "من قال: "إني أحب الله"، وهو يبغض أخاه، فهو كاذب. لأن من لا يحب أخاه الذي يراه لا يستطيع أن يحب الله الذي لا يراه" (20:4).

يطلب القرآن الكريم من المسلمين ألا يفرقوا بين الأنبياء (راجع البقرة 136:2). ألا يجدر بنا نحن أيضا أن لا نفرق بين أتباع الأنبياء الذين أرسلهم الله هدى للناس ورحمة للعالمين؟ وعن أتباع هؤلاء الديانات ورد أيضا في القرآن الكريم: "إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى، من آمن بالله اليوم الآخِر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون" (المائدة 69:5؛ راجع أيضا سورة البقرة 62:2). فإذا كان أتباع هذه الديانات الأربع، الإسلام واليهودية والصابئة والمسيحية، سوف يخلصون في الآخرة ويدخلون فردوس الله، ألا يجدر بهم منذ الآن أن يحب بعضهم بعضا ويحترم بعضهم بعضا؟ وإذا كان الله سبحانه تعالى قد سمح بهذا الاختلاف في الأديان (راجع المائدة 48:5)، كيف يجرؤ البعض على أن يكفر البعض الآخر، لا لسبب إلا لأن هذا الآخر مختلف عنه؟ قال السيد المسيح: "لا تدينوا لئلا تدانوا". وقال بولس الرسول: " من أنت يا من يدين عبد غيره؟ إنه لمولاه يسقط أو يخلص. ولكنه سوف يخلص، لأن الله قادر أن يخلصه". فلنترك دينونة الناس لله الذي، في اليوم الآخر، سوف يدين كل واحد بحسب أعماله. ولنركز اهتمامنا على التعاون من أجل ازدهار الوطن وخدمة جميع المواطنين من أي دين كانوا وإلى أي طائفة انتموا".


وقال: "أيها المسلمون والمسيحيون في الشرق العربي، "تعالوا إلى كلمة سواء" في ما بيننا، ألا ينظر بعضنا إلى بعض من وجهة نظر اختلافنا الديني، ولا من وجهة نظر الأكثرية والأقلية، بل من حيث إننا جميعا مؤمنون بالله الواحد ومواطنون في الوطن الواحد، متساوون في الحقوق والواجبات، مهما كان عدد أبناء طوائفنا. لا ينبغي للأقليات أن تبحث عن الحماية الخارجية بل عن المساواة، لأن الحماية الخارجية تفصل المواطنين بعضهم عن بعض. أما المساواة فهي السبيل الوحيد لربط جميع المواطنين بعضهم ببعض. الملحدون يركزون العيش المشترك على المساواة بين البشر. غير أن هذا لا يكفي لأنه يفتح الباب واسعا أمام الخصومات والنزاعات والبغض والحسد والكراهية، التي تصدر كلها عن القلب. وما لم يتطهر القلب بواسطة الإيمان، فلن يحصل السلام على الأرض، ويبقى الناس معرضين لسيطرة البعض على البعض الآخر واستعباد البعض للبعض الآخر. لذلك نحن المؤمنين بالله الواحد من مسيحيين ومسلمين، إلى جانب المواطنة وقبل المواطنة، نركز عيشنا المشترك أولا على الإيمان بالله الواحد، كما جاء في قول الإمام علي بن أبي طالب للأشتر: " الناس صنفان: إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق". فكرامة الناس والمساواة بينهم والمطالبة بحقوقهم لا يستجدونها من أحد، لا من دين ولا من طائفة ولا من حزب سياسي أو أي تجمع بشري، بل هي متأصلة فيهم منذ ولادتهم، لأن الله الواحد هو الذي خلقهم. ولأن الله الواحد خلق جميع الناس، ينتج من ذلك أن جميع الناس هم"أبناء الله"، بحسب التعبير المسيحي، و"عيال الله" بحسب التعبير الإسلامي، على ما ورد في الحديث الشريف:" الناس كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله". ولكونهم جميعا أبناء الله وعيال الله هم إخوة بعضهم لبعض. الإيمان بالله والمواطنة هما إذا الركنان الأساسيان لبناء مجتمع مدني يحترم كل الأديان ويتساوى فيه جميع المواطنين ويعيشون معا في سلام وأمان. الشرق منبت الأديان، ولا تزال مجتمعاتنا مؤمنة، ونرجو أن تبقى كذلك. لكن الإيمان غير التدين. فرب متدين لم يدخلِ الإيمان في قلبه، كما ورد في سورة الحجرات: "قالت الأعراب آمنا. قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخلِ الإيمان في قلوبكم" (14:49). إن خطر الإنقسام بين المواطنين لا يكمن في الإيمان بل في التعصب الديني. لذلك فإن بناء الدول المعاصرة على أساس شرائع أحد الأديان في وطن متعدد الأديان هو سبب أساسي للتعصب والتزمت والتفرقة بين المواطنين، ومصدر دائم للنزاع والخصام فيما بينهم".


وأضاف: "هذا ما آمن به الإمام موسى الصدر، رائد التعايش المسيحي الإسلامي وأول إمام مسلم يخطب في الكنائس وفي معاهد اللاهوت المسيحية. وما كان ذلك إلا رغبة منه في تأكيد ضرورة العيش معا بل التعاون بين المسلمين والمسيحيين في وطن أراده موحدا ينعم فيه جميع مواطنيه، على تنوع طوائفهم، بالحرية والكرامة على أساس العدالة والمساواة والإنماء المتوازن بين جميع المناطق اللبنانية ورفع الحرمان عن جميع المحتاجين. وعندما كنا نحن المسيحيين ندعوه إلى التكلم في كنائسنا ومعاهدنا، كنا نعبر بذلك نحن أيضا عن رغبتنا في توطيد أواصر العيش المشترك والتعاون بين جميع اللبنانيين".


وختم: "أود أن أقرأ عليكم بعض ما جاء في النداء الذي ختمنا به سينودس الأساقفة الخاص بالشرق الأوسط في روما في تشرين الأول من العام الماضي. يقول النص:"منذ ظهور الإسلام في الشرق الأوسط في القرن السابع وإلى اليوم نعيش معا ونتعاون في بناء حضارتنا المشتركة. لقد حصل في الماضي، وقد يحصل اليوم أيضا، بعض الخلل في العلاقات بيننا. فعلينا، بالحوار، أن نزيل كل سوء فهم أو خلل. والحوار، كما يقول قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر، ليس بيننا أمرا عابرا، بل هو ضرورة حيوية يتعلق بها مستقبلنا. فمن واجبنا تربية مؤمنينا على الحوار الديني وعلى قبول التعددية الدينية وعلى الاحترام والتقدير والمتبادلين". ثم يضيف: "نقول لمواطنينا المسلمين: إننا إخوة، والله يريدنا أن نحيا معا، متحدين في الإيمان بالله الواحد ووصية محبة الله ومحبة القريب. معا سنعمل على بناء مجتمعات مدنية مبنية على المواطنة والحرية الدينية وحرية المعتقد. معا سنتعاون على تعزيز العدل والسلام وحقوق الإنسان وقيم الحياة والعائلة. إن مسؤوليتنا مشتركة في بناء أوطاننا. نريد أن نقدم للشرق والغرب نموذجا للعيش المشترك بين أديان متعددة وللتعاون البناء بين حضارات متنوعة لخير أوطاننا وخير البشرية جمعاء (رقم 9)".


ممثل قبلان


وتحدث ممثل نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الامير قبلان المفتي الجعفري الممتاز الشيخ احمد قبلان فقال: "لأن القلة من الرجال هم الذين يفككون روح الحرف الرباني، ليتراكم غيثا تحيا به الذوات والأوطان، فإن الإمام الصدر أعاده الله تعالى، وهو يحج مطافات الإنسان، أرخ لهذا النحو بشرح عميق حول بناء الوثيقة الاجتماعية السياسية في مدار مصالح الإنسان التي تتقاطع مع فقه الوجود، فعند قوله تعالى: "وهو الذي جعلكم خلائف الأرض"، قرر الإمام أن لسان هذه الآية أعلن رئاسة الإنسان في الأرض وزعامته عما فيها من إمكانات وموارد وطاقات، وهو مما لا شك فيه مقام شريف خصه الله به، إلا أنه يعني بذلك اشتباك المصالح بين أفراد نوعه وأطره، وعلى رأس هذه الخلافة موضوع السلطة والثروة كمحور للشراكة البشرية وطريقة للنفع العام. وهذا ما أكده الله تعالى بقوله: "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا". ولازم هذا المعنى أن الاستبداد السلطوي بالثروة وأنماط وكيفيات الحكم هو كفر بالأخلاقية الوجودية، وعدوان صارخ على الله والإنسان. وقد أرخ الإمام هذا المعنى كمبدأ في قول الله تعالى لنبيه داود (ع) "يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى"، وللامام الصدر طيلة مطالباته الجذرية بتكريس قيمة الإنسان كلمات في غاية الأهمية فهو كرر أن يد الكون والطبيعة تدين تكريس الطبقية كمركز للاحتكار السياسي والافقار الاجتماعي".

أضاف: "وزمن فتنة الدم اللبناني، طالب الإمام مرارا، بتكريس المواطنة وهي الاسم الآخر للأنسنة عند الإمام كمحور لخدمات السلطة التداولية وبرامجها، مصرا على ضرورة التداول الجبري لمركز القرار كطريقة تمنع الإثرة السلطوية، وتحد من مقولة البيوتات كسقف للعمل السياسي، مكررا الحديث النبوي "إن الملك يدوم مع الكفر لكنه لا يدوم مع الظلم". وفي الحوارات الداخلية كان الإمام الصدر يكرر ان احتكار السلطة هو السرطان الذي يقتل صاحبه ويفك عنه ألف حصن من الجيوش، بمعنى أن هذه الجيوش تتحول عليه لتقتله بسيف حقها وفقرها. وللامام في المجالس الخاصة أفكار مدهشة حول العدالة الاجتماعية، فهو طالما كرر أن الطبقة الفقيرة هي رأس محنة الميزان الاجتماعي، مؤكدا أن الفقر هو أكبر عدو للسلطان، وأنه القاتل الذي يخترق الحصون ويسحق الأنظمة، وأن الوطن الذي يجوع شعبه ويشبع سلطانه هو أوهن من بيت العنكبوت، وأن الأمة التي تسكت عن جلادها لا حق لها بالحياة، وأن الزعامة التي تعيش على سرقة مال الشعب وتجيير المصالح واحتكارات العائلة ترتكب أكبر خيانة بحق شعبها وأمتها، مذيلا أن من يواكبها ويقويها ويدافع عنها هو قاتل خائن بحق أطفاله وشعبه ووطنه. وعن مشهورة الإمام علي (ع) "عجبت لمن بات جائعا كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه" علق الإمام الصدر أن جوع الفقير وعسف الحاكم يتلف ألف نظام وسلطان".

وتابع: "أيها الإخوة الأعزاء، ولأننا اليوم أمام تقاطع زلزالي عنيف تطال فوالقه الحاطمة قلب المنطقة وأطرافها، فقد أسفر الصبح عن معسكرين اثنين: معسكر الغرب وعربه وأتراكه قبالة الشعوب التي بذلت الدم والتضحيات والتي تشكل اليوم معسكر الممانعة والمقاومة. كل ذلك وسط عاصفة يشيب لها الطفل وترى الناس فيها سكارى وما هم بسكارى، مما يعني أيها الإخوة ضرورة التأكيد على الأمور التالية:

أولا: إن أي تهور أطلسي أو تركي أو خيانة عربية في ما خص عصب محور الممانعة وأعني بذلك سوريا، يعني انتحارا حربيا لن تكون كل المنطقة بمنأى عنه.

ثانيا: نكرر لمن لم يقرأ التاريخ جيدا فنقول: أطفئوا نار الشام، قبل أن تلتهم نارها كل بيوت العرب، لأن سوريا مركز التقاطع الاستراتيجي بين معسكرين شرسين، كلاهما يضع يده على الزناد، وأي خطأ وازن سيعني حربا أكبر من إقليمية، ونقول للجامعة العربية إن من يركب فرسا لا يدين له يقع، ومن يتفرس الأمركة تتخذه ترسا على أبواب جحيمها، فعودوا من غربتكم إلى ضمائركم، وكونوا أحرارا إن كنتم عربا كما تزعمون.

ثالثا: لبنان بلد إمام المقاومة الإمام الصدر، ومهد الليوث التي تعوي حرابها لنصر سيغير وجه المنطقة هو مدين لسوريا التي وقفت معه في كل جولاته وصولاته في حربه مع الإسرائيلي، سيكون مطالبا بتسديد دينه في أي محنة تطال سوريا، وهذا أقل واجب سياسي وأخلاقي وقومي وتاريخي يجب أن يشكل محور موقف لبنان حال انزلاق الأزمة.

وتذكروا جيدا أن لبنان هو طين الإمام الصدر، وعمته، وبندقيته، وثأره الإلهي على أعتاب التاريخ، وأن الصدر هو من نسج حروف سلاحه بدم الشهداء ودموع الثكالى ليضع لبنان على سكة أعظم مقاومة عرفها التاريخ المعاصر".


وختم: "من هنا، إننا نطالب الحكومة الليبية الجديدة بضرورة العمل على تحرير الإمام الصدر والشيخ محمد يعقوب والصحافي مصطفى بدر الدين، وإعطاء هذه القضية الأولوية اللازمة لأن قامة بحجم هؤلاء العظام تحيا بها الأمة وتغاث بها الأوطان، وهذا الواجب آكد وأوثق بحق حكومتنا اللبنانية. ويكفي الإمام الصدر أنه من الأمة التي تأتي يوم القيامة والناس جاثون على الركب فتقول افسحوا لنا فإننا قد بذلنا كل ذواتنا في سبيل الله فيقام لهم منبر من نور تحت العرش فيجلسون عليه لا يجدون غم الموت ولا يقيمون في البرزخ ولا تفزعهم الصيحة ولا يهمهم الحساب ولا الميزان ولا الصراط ولا يسألون شيئا إلا أعطوه ولا يشفعون في شيء إلا شفعوا فيه ويتبوأون من الجنة حيث شاؤوا".


كلمة الصدر


وكانت الكلمة الأخيرة للامام الصدر، حيث جرى بث مقتطفات من إحدى محاضراته عن التغيير، قال فيها: "في الواقع، إن إنساننا الطامح، عندما ينظر في الأفق، فيرى أن وضعه وحياته ومجتمعه لا يرضي طموحه، يتطلع إلى الأفق ويعزم على التغيير. هذا الإنسان الذي يقول عنه الحديث الشريف: أكثر الناس بلاء الأنبياء، ثم الأولياء، ثم الأمثل فالأمثل، تعبيرا عن معاناة الذين يريدون أن يغيروا مجتمعهم، ولا يكفيهم ما هم فيه من الوضع المهترىء، فيعانون من المستفيدين من المجتمع أكثر وأكثر بنسبة طموحهم، وببعد تطلعهم البعيد،الناس فئات: فئة تستسلم للوضع الحاضر، تذوب فيه، تسايره، تجامله، تفلسفه، تتعاون معه. هؤلاء الضعاف لسنا منهم، ولا يشرفنا أن نلتقي معهم. فئة أخرى، تفوق الفئة الأولى، لا تقبل بما يجري في المجتمع، ولكنها تهرب من المواجهة، تهاجر، تسافر، تختار مجتمعا آخر، تختار أميركا، أوروبا، آسيا، هنا وهناك. تفتش هذه الفئة عن الملجأ، عن المهجر. هؤلاء أقوى من الفئة الأولى، ولكننا لا نقبل سيرتهم، ولا نكتفي بموقفهم. وهناك فئة ثالثة، ترى أجواء بلدتها، ومنطقتها، وبيتها لا ترضيها، فتفتش عن التغيير. هناك فئة من الراغبين في التغيير، من الساعين إلى التغيير، من الذين لا يستسلمون إلى الوضع الحاضر، فئة منهم تواجه فتغير. ولكنها تستعمل سلاح الغير. تختار الأحزاب، بعض الأحزاب التي لا علاقة لها بأرضنا. هذه الفئة التي نفضلها على الفئة الأولى والثانية. فالذي يسعى في سبيل التغيير، ولكن يختار خطا غير متفق عليه، يكون كما يقول الإمام (ع): "ليس الذي طلب الحق فأخطأ، كمن طلب الباطل فأصاب".


أضاف: "نحن هنا، وجدنا أن أفقنا لا يرضينا، مجتمعنا الداخلي، عالمنا العربي، موقعنا في العالم الثالث لا يرضي طموحنا، لا ينسجم مع إيماننا، لا يتفق مع أبدى وأول مظاهر إيماننا، الإيمان بالله اللامتناهي. فطموحنا لامتناه، وإيماننا بالحق والعدل. إذا، مهما عظمت المصاعب في الداخل والخارج، لا يمكننا أن نقبل. نحن نشاهد عالمنا العربي، ويعز علي أن أقول، أن عالمنا العربي، وما نشاهده في الأجواء، أمر لا يشرفنا. فنحن نشعر بالذل والهوان عندما تتحكم فئة إرهابية في حياتنا، وفي حياة منطقتنا. عندما يريد أن يتحكم إرهابي فيحول إرهابه إلى قضية، ويحول القضية المقدسة إلى الإرهاب، فيجد في العالم مسامع تسمع، وقلوبا تقتنع، نحن نشعر بالألم. فنرفض هذا الواقع بكل قوة. ولا يمكن أن نقبل بهذا الواقع، حالا ومستقبلا، تمكنا من التغيير فورا أو لم نتمكن، المهم أن نضع الخطوة الأولى، وفي طريق الألف ميل للتغيير. إذا، الجو العربي لا يرضينا، ولا ينسجم مع طموحاتنا وتضحياتنا وتاريخنا، فنريد التغيير".


وتابع: "لذلك نفتش في الأفق، لكي نجد ثورة أصيلة، ثورة من طبيعة أرضنا وسمائنا، ثورة فكرية ترتبط بقلوبنا، وتراثنا وإيماننا. (...) ليست مستوردة ولا مقتبسة ولا محاكاة. ثورة من صميم هذه الأرض، ومن وحي هذه السماء، من هذه المنطقة المباركة. ثورة هي في الصراط المستقيم، "غير المغضوب عليهم ولا الضالين"الفاتحة، 7. هذا ما نقر ونعتز، ولذلك بها نتمسك، ولذلك نقف ونحترم ونعتز. (...) وها نحن نجتمع لنكرم هذا الفكر الأصيل. لنكرم الفئة الرابعة غير المستسلمة، ولا المهاجرة، ولا المقتبسة، بل أصحاب الثورة الأصيلة، الذين يريدون أن يغيروا مجتمعهم".


الجلسات


بعد الجلسة الافتتاحية، كانت هناك ثلاث جلسات مسائية استندت بمجملها إلى مفردات المشروع الذي أطلقه الإمام الصدر، قولا وممارسة. ففي الثانية بعد الظهر، افتتح المحور الاول من المؤتمر بجلسة بعنوان "التغيير من منطلق الفكر الديني"، ترأسها الامين العام للجنة الوطنية الاسلامية - المسيحية للحوار الدكتور محمد السماك، وشارك فيها: مدير المعهد الالماني للابحاث الشرقية الدكتور ستيفان ليدر وسفير المغرب علي أومليل والدكتور محمد شقير.


وتطرق المحور الثاني الى التغيير الاجتماعي، وترأس الجلسة الوزير السابق سليم الصايغ، وشارك فيها: الوزير السابق دميانوس قطار، أمين السر العام ل"مؤسسات أمل التربوية" الدكتور خليل حمدان والنائب الاول لحاكم مصرف لبنان رائد شرف الدين.


وتناول المحور الثالث التغيير السياسي، وترأس الجلسة الرئيس حسين الحسيني، وشارك فيها: القاضي الشيخ عباس الحلبي، الدكتور بسام الهاشم والنائب علي فياض.

Script executed in 0.18257784843445