وفي زمن تحولت فيه منازل بنت جبيل الى كتلا في غابة اسمنتية، تخلت اغلبها عن نمط البيت اللبناني وتخطت ثقافة البناء التراثي، تعود العشرات من هذه المنازل الحجرية المبنية حديثاً على الطريقة التراثية لتبرز من جديد بمبادرات فردية لتستعيد بناء مشرقاً ترتاح اليه العين حيث يحاكي فيه الحجر بعضه البعض و يتشابك كأصابع اليد الواحدة. هي عودة الى الاصالة و التراث اللبناني القديم و ثورة على الحداثة و الهجمة العمرانية الاسمنتية التي بدأت تجتاح الاخضر و اليابس.
وبقدر ما كان هذا البناء متواضعاً ويلبي ببساطته متطلبات العيش في أيام أجدادنا، فإنه بات يشكل قيمة تراثية كبيرة في وقتنا هذا للعشرات من ابناء مدينة بنت جبيل. يقول على حسين بزي و هو من المبادرين الى بناء بيت تراثي في البلدة " للبيت التراثي مسألة تتعلق بالتاريخ، وترك هذا التاريخ اثر لدي و انا من الذين تربوا و ترعرعوا تحت سقف البيت الحجري التراثي، وانا احببت احياء هذا التراث بمبادرة فردية، و لم تكن هذه المبادرة لولا عشقي و تأثري بالبيت التراثي القديم " ويستذكر بزي منزله القديم الذي ترعرع به و قد تم بناؤه سنة 1915 بالحجر نفسه الذي عشّق منزله الحديث به، و يحاول حسب تعبيره، ان يلملم اي جزء من هذه الذاكرة ولو كانت بسيطة.
تقول الدكتورة احلام بيضون و قد بنت مزلها في البلدة على طريقة البيت اللبناني العتيق، ان ايجابيات المنزل التراثي، "انه يلبي متطلبات الحداثة الى حد كبير ، فهو دافئ شتاءً لأن بنت جبيل بلدة باردة في فصل الشتاء، وانه يتغلب على العوامل المناخية في بلادنا. اما عن السلبيات التي واجهتها فاعتبرت ان هناك صعوبة الى حد ما في اعمار البيت التراثي و خاصة، في تأمين الابواب النوافذ التي حرصت على ان تكون قديمة و مستعملة ، بالاضافة الى طريقة البناء ومهارة الشخص الذي سيقوم بمهمة البناء، اذا انه يجب ان تكون لديه خلفية و بعد نظر و تجربة في بناء هذه البيوت التراثية. و تعتبر بيضون ان المنزل من الناحية الهندسية هو مشرع على بعضه امام الهواء الطلق في فصل الصيف كما اي منزل قديم.
و عن السبب في اعمار المنزل على الطريقة القديمة تشير بيضون" احب العمارة القديمة و التراث و الامور القديمة لأن لها علاقة بالمخيلة و رابط بالماضي، وكل شيئ قديم يوجد فيه اكثر فن و اكثر صلابة، و السبب الثالث و الاهم، ان بنت جبيل اريد لها ان تتهدم و تُمحى ذاكرتها العمرانية و التاريخية و هذا الشيئ تعمده العدو منذ سنة 1978 حيث كان يتقصد سياسة نسف المنازل القديمة. و لأنه عدو قائم على عنصر اساسي، وهو التاريخ فانه يريد ان يبين انه متجذر في هذه الارض اكثر من سكان هذه الارض الاصليين.
و تعتبر بيضون ان كان يفترض ان نحافظ على المنازل التراثية في لأن منازل بنت جبيل التراثية اصبحت في خبر كان باستثناء القليل القليل و من بادر الى بناء منزله على الطريقة القديمة.
اذاً، تستحق هذه البيوت ان تشمخ بعد ان بات ينطبق عليها الطابع المعماري للبيت اللبناني القديم وإن لم يكن بكافة تفاصيله فهناك من 5 الى 10% من الابنية المرممة والمستحدثة في بنت جبيل بنيت على نسق البناء القديم، ومنها ما بني بشكل متكامل حيث لا يمكن تمييزه عن الأبنية الاثرية، ومنها من طُعم له ببعض القديم وهذا ما بات يشكل نموذجا حضاريا يُظهر الوجه الحقيقي لبنت جبيل لترى الاجيال القادمة ان في هذه البلدة ثمة تاريخي عمراني آخر شمخ امام حداثة الاسمنت.