عاد ملف تعويضات حرب تموز 2006 الى صدارة الاهتمامات، بعدما كاد يطمس في غياهب الملفات المتراكمة لأسباب عدة لعل أبرزها عدم توافر الإرادات السياسية، وليس الأموال الضرورية لذلك... على الرغم من أن الملف لم يدرج بعد في صدارة الأولويات الحكومية، الا أن مجرد الاتيان على ذكره خلال فترات متقاربة او متباعدة يبقي امل اصحاب الحقوق قائما بإمكان التعويض عليهم ذات يوم.
وعلى هذا الصعيد، تبرز الى الواجهة المطالبة المستمرة لتجار بنت جبيل بالبدء بدفع تعويضاتهم عن الاضرار التي أصابت مؤسساتهم وشركاتهم التجارية، لا سيما أن قسما كبيرا من هذه المؤسسات لم تعد الى الحياة بعد لعدم قدرة اصحابها على النهوض بها، فيما استطاع بعضهم انعاشها بجهود فردية، وبين الحالتين اختار بعض اخر العودة الى السوق بأحوال متواضعة مترافقة مع خطوات عرجاء.
ولعل هذه المشكلة تعتبر من المعوقات الاساسية لعودة الحياة الطبيعية الى سوق بنت جبيل، اكبر اسواق المنطقة، بشكل كامل وذلك بعد سنوات من انتهاء الحرب، التي الحقت دمارا شبه كلي بسوق البلدة ذائع الصيت بين القرى المجاورة، إن على صعيد البناء او لجهة القدرة التجارية لاصحاب هذه المؤسسات. وهؤلاء خسر قسم كبير منهم جنى عمره بفعل الحرب الوحشية، اضافة الى وقوعهم تحت عجز الديون التي تراكمت عليهم بعد ذلك.
بالأرقام، يشير رئيس نقابة اصحاب المؤسسات التجارية في بنت جبيل طارق بزي الى ان حوالى 500 مؤسسة تجارية بأحجام مختلفة تضررت من جراء عدوان تموز 2006، وتراوحت احجام هذه المؤسسات ما بين مؤسسات فردية صغيرة عبارة عن ماكينة خياطة او عدة تصليح لا تتعدى قيمتها مئات الدولارات، ومؤسسات كبيرة وصلت قيمتها الى مئات الاف الدولارات سويت بالارض بالكامل حيث لم يسلم منها حتى دفتر تحصيل الديون التي اذا ما اضيفت الى هذه الأرقام لتجاوزت الخسائر المليون دولار، كذلك وجدت عشرات الحالات التي خسر فيها تجار عدتهم الصناعية لتصنيع الاحذية رغم توقفهم عن هذه المهنة منذ فترات متفاوتة لاسباب مختلفة.
وقد تراوح حجم الأضرار بحسب مسوحات مختلفة ما بين ثمانية عشر وعشرين مليون دولار في بنت جبيل فقط، هذا من دون احتساب الخسائر الزراعية من مواشٍ ومنتجات، من دون حساب الديون الفائتة على التجار بل جرى احتساب الموجودات فقط.
وبعدما أنهت دولة قطر مهمة البناء العمراني للسوق الذي افتتح صيف العام الماضي بحضور امير الدولة ورؤساء البلد، فان التجار لايزالون ينتظرون التعويضات المتبقية حتى يتسنى لهم العودة الى حياتهم التجارية.
ويكشف بزي «اننا كتجار وكنقابة لم نترك بابا الا وطرقناه ولا صوتا الا واطلقناه من اجل تحريك هذا الملف وللأسف فاننا في بعض الحالات لم نسمع حتى جوابا فيما نلنا ما يكفينا من الوعود».
ويرى بزي ان التجار الذين دُمِّر جنى عمرهم كانوا اولى بالاموال التي دفعت من قبل الهيئة العليا للاغاثة خاصة وانها يمكن ان تحل مشكلة كبيرة لمئات التجار واصحاب المهن على مستوى لبنان وليس في بنت جبيل فقط. ويختم بالقول انهم اصيبوا بخيبة كبيرة عندما عرفوا من احد الوزراء بان الاجتماع الذي عقد في السرايا الحكومية منذ ايام للبحث بموضوع التعويضات مع رئيس الحكومة بحث تعويضات الاسكان حصرا ولم يتطرق الى تعويضات المؤسسات والاليات وهو ليس على طاولة البحث اصلا.
ويشير التاجر جعفر بوصي الذي كانت مؤسسته اول مؤسسة تجارية سويت بالارض في بنت جبيل وذلك في الليلة الثانية من الحرب، يقول «ما ان وضعت الحرب اوزارها حتى بادرنا مع عدد من تجار بنت جبيل الى رفع دعوة امام قاضي الامور المستعجلة في بنت جبيل من اجل تثبيت حجم الخسائر التي لحقت بنا وذلك للحفاظ على حقوقنا بالتعويض وذلك ظنا منا بان دولتنا ستكافئ اهالي هذه المنطقة على صمودهم فاذا بها تقابلهم بالتطنيش والاهمال».
وامام ملف الاضرار التي لحقت بمؤسسته والموقّع من خبير قانوني محلّف ومصدّق عليه من القاضي في بنت جبيل، يؤكد بوصي ان مجموع خسائره بلغت 832 الف دولار اضافة الى حوالى 250 الف دولار كديون ضائعة، ويؤكد ان جميع التجار بعد الحرب قد وجدوا انفسهم تحت الصفر، فهم من جهة عليهم اعادة افتتاح مؤسساتهم بما تيسر كما انهم ملزمون بتسديد جميع ديونهم السابقة للموردين.
ويشير التجار الى معلومات تفيد بحصول الحكومة اللبنانية على حوالى المليار دولار كهبات خارجية تلقتها للتعويض على اصحاب المؤسسات التجارية والصناعية والزراعية والسياحية في لبنان عقب عدوان تموز، وقد جرى صرف حوالى 300 مليون دولار من هذه الهبة على مشاريع غير ذي صلة بذلك، وبغير رضا الدول والمؤسسات الواهبة، فيما كدست الاموال المتبقية في خزائن المصارف لتلقى نفس مصير الخمسمئة مليون دولار، الهبة السعودية التي تم الاقتراض بضمانها».
وفيما يلفت بوصي الى أنه «وبنتيجة متابعتهم لهذا الملف منذ البداية كنا سمعنا في حينه على احدى التلفزيونات الموالية عن حصول الدولة على 180 مليون يورو من احدى الدول الاوروبية لهذه الغاية ايضا، ولكننا لم نستطع معرفة مصير هذه الاموال»، يناشد المسؤولين ضرورة الاسراع في بت هذا الملف ودفع الاموال لمستحقيها اليوم قبل الغد، خاصة ان ماكينة الخياطة او عدة التصليح التي دمرت تحت الركام كانت تشكل بالنسبة لمعظم الحالات مصدرا رئيسيا للدخل بحيث لم تستطع غالبية التجار تأمين بديل عما تدمر الى اليوم.