أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

النفاخية تلد المسيح بعد عام

الثلاثاء 27 كانون الأول , 2011 04:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,440 زائر

النفاخية تلد المسيح بعد عام

لم تكن كبيرة «غلّة» بابا نويل في عيد الميلاد لهذا العام في صور ومنطقتها. أقل من ربع أبناء الطوائف المسيحية صمدوا وأحيوا المناسبة في المدينة التي حضنت العدد الأكبر. لكن أصوات ضحكات الأطفال ورنين الأجراس، كانت تخفت تدريجاً كلما توجهنا صعوداً نحو قرى القضاء التي تنقل المراجع التاريخية أنها شهدت موطئ المسيح وتلامذته. الميلاد مرّ هادئاً كعادته في مغارة قانا، فيما كانت الريح والأمطار تهدران في أنحاء بلدة ديردغيا التي لم يبدد الميلاد الهدوء المطبق على أحيائها.

 

ما لم تستطع بلدات القضاء إنجازه استطاعت مزرعة النفاخية تحقيقه عبر استعادة الميلاد بمجمله إلى حضنها. فالقرية الصغيرة التي كانت تتبع رعية ديردغيا الكاثوليكية قبل أن يغادر جميع أبنائها وينقلوا نفوسهم وقيودهم إلى خارجها، قررت أن تنفض الغبار عن كنيستها تمهيداً لولادة المسيح بين يديها في عيد الميلاد، العام المقبل. ولادة تريد النفاخية أن ترتبط باسمها في العهد الجديد، وألا يبقى مقتصراً على المغارة الطبيعية التي اكتشفت في «أحشائها» قبل أشهر.

برج الجرس العتيق يقود إلى النفاخية من الطريق العام بدءاً من ديردغيا وصولاً إلى صريفا. كل الطرق الفرعية تقود إلى المزرعة المرتفعة فوق تلة نائية بنفسها عن التطور العمراني العشوائي، ما عدا القليل من الزفت الحديث الذي وصل إلى مدخلها متأخراً. نظرة سريعة من بعيد تؤكد أن النفاخية تصر على أن تبقى قرية: البيوت الصغيرة التي تتشابه بحجارتها وقناطرها وأبوابها ونوافذها الخشبية، وزرائب المواشي وحقول الخضر التي تجاورها. لكن المعلم الأكثر صموداً وتميزاً هو كنيسة القديس توما الرسول التي تتوسط القرية منذ أكثر من 150 عاماً، وتطل على ساحتها الرئيسية.

لكن الكنيسة التي تحدّت السنين وظلت تلد المسيح كل عام وتصلّي لأجله، اعتزلت في عام 1973، تاريخ آخر قداس أقيم فيها بعدما خطفت الهجرة عائلاتها بدءاً من عام 1958، إلى أن لم يبق أحد منهم الآن على لوائح الشطب فيها. اختار هؤلاء مغادرة مسقط رأسهم لأسباب مختلفة، رغم أن النفاخية بقيت مختارية يرأسها المختار السابق اسكندر طوبيا حتى الانتخابات البلدية الأخيرة حين اعتكف الأخير عن المشاركة بعدما كان قد نقل قيده الشخصي مع عائلته إلى منطقة أخرى.

حالياً، يسكن في النفاخية نحو 450 شخصاً من أهالي المالكية، إحدى القرى السبع الذين تهجروا إليها إثر نكبة العام 1948. ولئن كان سكانها الجدد ينتمون إلى الطائفة الشيعية، إلا أن محاولات حثيثة تبذل منهم لكي لا تفقد النفاحية مسيحيتها. فمنذ انتخابه مختاراً للنفاخية قبل عام ونصف العام، جهّز حاتم حسين ملفاً من ثلاثة مشاريع اعتبرها أولوية بالنسبة إليه: ترميم الكنيسة وإنشاء نادٍ ثقافي باسم ابن القرية الأديب جرجي زيدان، ومكتبة عامة باسم ابنها الآخر الوزير الراحل جوزيف مغيزل. وضمن تلك المشاريع، يروّج لمشروع ترميم القبو الذي ولد فيه زيدان، إذا نجحت الوساطات مع ورثته من آل عساف لاستملاكه من قبل المختارية.

بالصدفة، تلاقت نوايا المختار مع قرار مطران صور للروم الكاثوليك باستحداث مقر للكاهن في كنيسة النفاخية. على نفقتها الخاصة، لا تزال المطرانية تجهّز بيت الكاهن بمحاذاة الكنيسة بعدما انتدبت للغاية راعي ديرغيا السابق الأب وليم نخلة الذي سيستقر فيها فور إنجازها. حتى ذلك الحين، يعدّ الحاج حاتم، خادم الكنيسة، ليس لأنه يحتفظ بمفتاحها ويحافظ عليها، بل لأنه طرق أبواب الهيئات الدولية والمحلية لمساعدته في تمويل ترميمها. طلبه لاقى صدى لدى الكتيبة الإيطالية العاملة ضمن قوات اليونيفيل، التي تدرس حالياً كلفة تنفيذ دراسة الترميم، بعدما أجرى وفد منها كشفين ميدانيين عليها. وكان وفد صحافي إيطالي قد زار القرية قبل أشهر، ناقلاً نية مطران إيطالي زيارتها والمساهمة في ترميمها. يأمل المختار الذي وعد بالخير الإيطالي، أن تنطلق ورشة الترميم سريعاً، لكي تنجز قبل عيد الميلاد المقبل.


Script executed in 0.20445418357849