الشيء الوحيد الذي يمكن حسمه إلى اليوم، في ما يتعلق بالتفجيرات الثلاثة التي استهدفت مطاعم ومحال للمشروبات الروحية في مدينة صور خلال الشهرين الحالي والفائت، هو أن الجهة المنفذة "المجهولة" واحدة ولها رأس واحد. التفجيرات، التي تحصل للمرة الأولى في عمق مدينة صور، المعروف عن غالبية مطاعمها وفنادقها تقديم المشروبات الروحية، وإقامة السهرات الغنائية، وخاصة في الآونة الاخيرة، يبدو أن وراءها عقل فاعل ومخطط وأجندة معينة، تعمل بوتيرة هادئة، وبراحة تامة، لاسيما أن آخر تلك التفجيرات أمس الأول، استهدف مطعم "تيروس"، قد نفذ بتوقيت صباحي مماثل لتفجيري الشهر الماضي. وهو توقيت خارج دوام العمل لتلك المطاعم، ومحال المشروبات الروحية المتخصصة، ما يعني معرفة المنفذين بطبيعة المنطقة عن كثب.
في القراءات الأمنية والسياسية، التي بدأت منذ التفجيرين الأولين، اللذين استهدفا "كوين اليسا" و"محل يوسف كتورة لبيع المشروبات الروحية"، في السادس عشر من تشرين الثاني الماضي، تحليلات متباينة أحيانا ومتقاربة أحيانا أخرى. لكن ما تجمّع بين الأطراف الباحثة عن خيوط فعلية للجهة المنفذة، لم تظهر إلى الآن أن الفاعلين المحترفين، ينتمون إلى خيارات دينية متشددة، بل يصيبون من خلال أعمالهم، التي بدأت تنعكس فعليا على النشاط السياحي، أكثر من عصفور بحجر واحد. فهم من خلال عملهم التخريبي يتمكنون من فرض قناعاتهم بالقوة من جهة، وإبعاد المدينة عن تميزها وانفتاحها وتطلعاتها من جهة ثانية.
وفي وسط تلك التقديرات، يبدو أصحاب المؤسسات السياحية الكبيرة، التي نبتت كالفطر في صور خلال السنوات العشر الأخيرة، وبمواصفات عالية، قد اصبحو في حيرة من أمرهم جراء التفجيرات، التي دفعت بالعديد منهم في المرحلة التي تلت التفجيرين الأولين، إلى التوقف عن تقديم المشروبات الروحية. وذلك ما يفقد تلك المؤسسات، بحسب العديد من أصحابها عددا كبير من الزبائن المحليين، والسيّاح الأجانب، وأفراد من قوات "اليونيفيل" العاملة في المنطقة.
وبرأي بعض أصحاب المؤسسات، الذين لا يرغبون في استفزاز المنفذين المتربصين، من خلال التحفظ على ذكر أسمائهم، فإن التفجيرات عطّلت قسما من النشاط السياحي في الوقت الحاضر، لكن تطلعاتهم تبقى مشدودة إلى الموسم السياحي الفعلي في الصيف المقبل، في ظل الضبابية القائمة، وعدم تبيان أو القبض على المنفذين ومن وراءهم، وأيضا غياب السند والمساعدة للمتضررين، الذين لحقت بهم خسائر مادية كبيرة ولم يتم التعويض عليهم.
في المقابل يسعى العديد من هؤلاء إضافة إلى بعض المنتديات الفكرية والثقافية، إلى عدم الخضوع أو التسليم بالترهيب الذي يمارسه المنفذون للتفجيرات، ولتلك الغاية يعقد عند الرابعة من عصر اليوم لقاء تضامني في "مطعم تيروس" الذي نفض غبار الاعتداء، استعدادا لحفلة رأس السنة، حيث يشارك فيها ممثلون عن المجتمع المدني وبلدية صور وفعاليات.
من جهته، دان مفتي صور وجبل عامل القاضي الشيخ حسن عبد الله، خلال لقاء علمائي عقده في "دار الإفتاء الجعفري" في صور أمس، "الاستهدافات الأمنية في صور ومنطقتها خصوصا وفي لبنان عموما". وقال: "إن الذي حصل في صور من استهدافات أمنية يتخذ اشكالا متعددة، حيث إننا نربط ذلك كله بخانة العبث بالأمن، ونرفض أن تتخذ تلك الخروقات غطاء دينيا وشرعيا، فالخمر والطرب والمجون حرام في الشرع الإسلامي، ولكن من الذي نصبه الباري تعالى لكي يزهق الأرواح البريئة ويعرض منطقة برمتها الى القلق والخوف ويقوم بهذا العمل التخريبي ويغطيه بلباس ديني". واعتبر المفتي عبد الله أن "الأيادي العابثة تريد فرض واقع جديد في منطقة صور لا بل في جنوب الليطاني. وهذا الواقع إنما يؤثر على العيش المشترك والامن والاستقرار في لبنان كله ويحمي الكيان الصهيوني الغاصب ويضعف قوة المقاومة والجيش معا". وأضاف: "سنتدارس في لقاء روحي وسياسي السبل الناجحه من أجل التأكيد على العيش المشترك لأن صور لها طابعها الاسلامي والمسيحي وسنحافظ على العيش المشترك".
ودان أياد الخليل في بيان له في صور أمس، "التفجير الإرهابي التخريبي الذي يستهدف أمن واستقرار واقتصاد المدينة"، مهيباً بـ "الأجهزة الأمنية الرسمية وممثليها السياسيين التحرك بشكل جدي وفعال لإيقاف هذه الظاهرة، عبر تعزيز وضع الأجهزة في مدينة صور". وناشد الخليل "المجتمع المدني والأهلي، والمقامات الدينية والروحية والأحزاب والقوى السياسية اتخاذ موقف موحد وحازم من القضية".