أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

إسرائيل تبحث عن إنجاز: «نصر الله.. نصر الله.. اقتلوه كي نستريح»

الخميس 19 كانون الثاني , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,860 زائر

إسرائيل تبحث عن إنجاز: «نصر الله.. نصر الله.. اقتلوه كي نستريح»

في الحلقة الثالثة عشرة من كتاب «أسرى في لبنان الحقيقة عن حرب لبنان الثانية» للمعلّقين السياسيين الإسرائيليين عوفر شلح ويوءاف ليمور، يطرح القادة الاسرائيليون فكرتين من شأنهما تغيير الصورة: الأولى، تدمير 500 بيت في بنت جبيل والثانية، اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله كي «ترتاح» إسرائيل. 

 

بعد ظهر الأربعاء في 26 تموز، وفي الوقت الذي كانت فيه الكتيبة (51) تقوم بإجلاء الجرحى من بنت جبيل، اجتمعت قيادة الجيش الإسرائيلي في مكتب وزير الدفاع عمير بيرتس، للبحث في ما يجب عمله. وكان سبق اللقاء الذي عقد في مكتب بيرتس نقاش عاصف شارك فيه كبار ضباط قادة الجيش، كما أعرب فيه عدد من المشاركين عن رأي قاطع ومؤيد لتنفيذ عملية عسكرية برية. 

وقد توجه قائد سلاح الجو الجنرال عيدو نحوشتان الى رئيس هيئة الأركان دان حالوتس بالقول: «من دون القيام بعملية عسكرية بريّة، لن يكون بإمكاننا إزالة تهديد «الكاتيوشا». وإذا لم تصادق الحكومة على هذه العملية، فينبغي لنا عندها القول بضرورة وقف العملية منذ الآن. وإذ كان يمكن وصف نتيجة الحرب بين الجيش الاسرائيلي و«حزب الله» بالتعادل، فإننا نقول التالي إن التعادل من ناحيتنا يعني الخسارة، ولا يجور لنا أن نخسر». 

وقال كل من رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية عاموس يادلين ورئيس دائرة البحث يوسي بايديتس: «لن يكون هناك خيار سوى الوصول الى خطوة برية تؤدي الى إنزال ضربة جوهرية بـ«حزب الله». 

عارض حالوتس ذلك مدعوماً من رئيس شعبة العمليات غادي ايزنكوت الذي قال إن «الأرض اللبنانية عبء». ثم عاود رئيس هيئة الأركان حديثه عن الخيار الذي أراده طول الوقت أي قصف البنى التحتية اللبنانية، موضحاً رأيه بالقول: «في نيتي وضع هذا الخيار من جديد على الطاولة. وما اقوله هو انه قبل تحريك الوحدات العسكرية، الأوّلي والزهراني والليطاني ليسوا الأهم... علينا ان نوصل لبنان الى وضع آخر». 

عند كل أزمة، كان حالوتس يستذكر خيار قصف البنى التحتية بنوع من الحنين تقريباً. مثلما فعل طوال 34 يوماً. ومهما يكن من أمر فإنه كان واضحاً لحالوتس أيضاً أنه بعد بنت جبيل، فإن فترة عدم الحسم انتهت. 

بهذا المزاج النفسي وصلت القيادة العسكرية الى وزير الدفاع، وقام رئيس شعبة العمليات ايزنكوت بعرض خطة الجيش على بيرتس، التي كانت مغايرة تماما. إذ قال ايزنكوت «إننا نقترح القيام بهجوم جوي ضد 500 هدف في مدينة بنت جبيل، وعدد من هذه الأهداف عبارة عن بيوت في الحي القديم من البلدة». وهنا قال بيرتس وقد أصابه الذهول «اين ستجدون 500 هدف؟». 

بدأ رجال الجيش وبحضور وزير الدفاع، يتجادلون بشأن ماهية الاهداف: كيف يمكن إحرازها، وكيف يمكن تصنيفها لغرض الهجوم. وأعاد بيرتس مسألة المدنيين، فقال حالوتس: «لا يوجد أي مدني في مدينة بنت جبيل». 

لكن بيرتس سأل: «هل تعني انه لا يوجد ولا حتى مدني واحد»؟ فأجابه حالتوس بثقة: «لا يوجد احد، فالجميع غادر بمن في ذلك الذين في المستشفى». هنا علّق بيرتس قائلا: «اقترح عليك ألاّ تقول هذا الكلام، إذ قد نجد هناك فجأة جثث أطفال». 

في نهاية النقاش، سأل بيرتس: «إذا كان الجميع قد غادر، فما الذي يدعونا للدخول الى هناك؟ ولماذا لم تهاجموا هذا الموقع من الجو قبل ذلك، وقبل ان يلقى الجنود مصرعهم هناك»؟ فرد يادلين باللغة الانكليزية: «هذا سؤال جيد»، إلا ان بيرتس مضى في تساؤله مضيفاً: «ما الذي ستستفيدون منه إذا ما قمتم بهدم هذه البيوت. ان هذا العمل سيكون مجرد ردة فعل غاضبة». وهنا رد حالوتس: نحن نعرف كيف نوجه الضربات الى من هو بحاجة اليها». 

وختم بيرتس النقاش بقوله: «ما الذي سنستفيد إذاً من كل هذا؟ وتوجه بعد ذلك الى رئيس هيئة الأركان قائلاً: اطرحوا هذه الأفكار بصورة مرتبة على شكل اقتراح». وهنا أصبح واضحاً لرجال الجيش أن النقاش انتهى إذ لم يكن احد منهم راغباً في توقيع اقتراح موجّه الى الحكومة يتضمن عبارة شطب مدينة بنت جبيل من الخريطة. 

واستمر النقاش في جو كئيب، ومع قرب انتهائه طرح بيرتس الموضوع الذي عارضه حالوتس بصورة قاطعة للغاية منذ اول ايام القتال، وهو الموضوع الذي سار بيرتس وراءه بقلب كامل آنذاك. وقال: «أؤيد القيام بعملية عسكرية برية». فرد حالوتس بالقول:«يجب فقط تجنيد الاحتياط إذ اننا لا ننوي دخول مثل هذه العملية قبل الأسبوع المقبل على الأقل». وهنا قال بيرتس إن الجهد المتمثل في اعمال القصف الجوي انتهى والحديث الآن عن قوة دولية، ولكن هذه القوة لن تدخل أي منطقة لا نكون موجودين فيها، ولذا علينا السيطرة على مناطق الجنوب اللبناني». 

بدا واضحاً أن معركة بنت جبيل أثرت تأثيراً شديداً في القيادتين السياسية والعسكرية، ذلك أنها لم تؤد سوى الى زيادة حدة الإحساس بالضعف وانعدام القوة، فضلاً عن تصاعد المطالبة بضرورة القيام بعمل آخر من شأنه تغيير الصورة. 

كان حالوتس يحاول رؤية النصف الملآن من الكأس، إذ قال في ذلك اليوم إن أغلبية الأهداف الاستراتيجية للعملية أُحرزت في الأيام العشرة الأولى من هذه الحملة، «وعلينا الآن تركيز الجهود من اجل منع تآكل هذه الإنجازات من خلال الفشل في الأحداث التكتيكية التي تمس قدرة إسرائيل على الردع». وبكلمات أُخرى حققنا من الجو كل ما استطعنا تحقيقه، أما على الأرض فلن تحدث إلا الأمور السيئة. 

اما بيرتس، الذي تحدث في تلك الأيام امام حزب العمل، فكان لديه حل، إذ قال لأعضاء كتلته: هناك شيء واحد ممتاز في الحروب، هو أنها تنتهي في نهاية الامر»، فرد الرئيس السابق لجهاز الامن العام (الشاباك) عامي ايالون عليه قائلا: «إن الحروب لا تنتهي إلا إذا قمت انت بالتخطيط لوضع نهاية لها. والجنرالات القدماء سيقولون لك إنه من المستحيل الانتصار في هذه الحرب من دون قوات كبيرة وإدخال للمدرعات. أما أنا فأقول لك: بادر الى إنهاء الحرب الآن، إذ ما عاد هناك ما تربحه منها». 

وفي اليوم نفسه عقدت مجموعة الوزراء السبعة المصغرة جلسة جديدة في المساء برئاسة إيهود اولمرت، وقد واصل معظم الحاضرين التطرق الى الوضع كما لو ان الأمر الوحيد الذي يزعج إسرائيل هو الوقت الآخذ بالنفاد. وأراد وزير المواصلات شاؤول موفاز التحذير من ان الوقت الموجود لدى إسرائيل ليس مفتوحاً. وذلك ليس لأن الانجازات الممكنة انتهت او لأن الجبهة الداخلية مستمرة في تلقي المئات من صواريخ الكاتيوشا في اليوم الواحد، وإنما بسبب الجدول الزمني المهدّد. فقال «هناك اربعة اسابيع تفصلنا عن بدء العام الدراسي، وعن تغير الحالة الجوية، وإذا ما قمنا بعملية عسكرية برية، فعلينا السير حتى النهاية. ولذا فإنني أوصي بعدم خوضها». 

بالمقابل دعا موفاز للتركيز على صورة الانتصار المثلى وقال: «نصر الله.. نصر الله.. نصر الله.. إن اغتياله سيكسر حالة التوازن بأسرع شكل، وسيكون أكثر فعالية». 

وافقت وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، على كلامه ويبدو انها تذكرت انه قبل أسبوع بالضبط من ذلك الوقت أي في 19 تموز حين قامت نحو 20 طائرة حربية بمهاجمة استحكامات في مخيم برج البراجنة في بيروت قيل إن نصر الله يختبئ فيها، لكن زعيم «حزب الله»، وكبار أعضاء الحزب الآخرين لم يصابوا في هذا الهجوم. إلا ان موفاز لم يتنازل عن موقفه إذ قال: يجب ملاحقة نصر الله ولو تسببنا بإيقاع الأذى بالمدنيين. 

اما بيرتس، الذي كان واقعاً تحت انطباع اقتراح الجيش الداعي الى تدمير 500 بيت في بنت جبيل ومحوها عن الأرض فأحس بالممل، وبدأ حديثه قائلاً» إذا كنا نريد القيام بعمليات قصف جوي فهذا أمر جيد، لكنها يجب أن تنتهي خلال عشرة أيام»، فعلّق موفاز قائلا «يجب ان تبقى هذه العمليات مستمرة كي نجعل العالم كله يصرخ».... 

قال بيرتس: «الأميركيون ليسوا هم المشكلة وإنما شلل المرافق الاقتصادية عندنا. على العملية الجوية أن تؤدي الى إجبار «حزب الله» على إعادة الجنديين المختطفين، والى ان يصبح بحاجة ماسة الى وقف إطلاق النار مثل حاجته الى الهواء كي يتنفس، لكن هذا الأمر سيكون على الأرض أكثر تعقيداً، إذ أننا سنضطر الى الصمود (في الميدان) شهراً او شهرين او ثلاثة، ومن غير الممكن إبقاء الجبهة الداخلية في هذا الوضع مدة طويلة، ولا يوجد أي سبب يدعونا الى البدء بالاستعداد لعملية برية واسعة. يجب إيجاد جهة ثالثة تؤدي بطريقة محترمة الى وقف إطلاق النار». 

في هذه الأثناء، أصبح الحضور في وضع يجعل من الصعب عليهم فهم ما يريده وزير الدفاع بالضبط، فمع ان اقواله لامست النقاط الصحيحة، إلا انها ناقضت بعضها بعضاً. وقد توجه وزير الامن الداخلي آفي ديختر اليه قائلا «رئيس الحكومة طلب عدم التقدم بتوصيات»، وقصد بهذا القول ان الهدف من النقاش هو توضيح الوضع وليس حتماً اتخاذ قرارت بناء على اقتراحات مُعدة سلفاً. هنا ختم اولمرت حديثه بالقول «ان مدلول ما قلته هو عدم القيام بعملية برية». وكعادته انهى النقاش عند نقطة مريحة، لكن موفاز لم يتنازل عن موقفه إذ قال ان رئيس جهاز «الموساد» مئير داغان ليس موجوداً هنا، مُلمحاً الى ان الهدف الرئيسي ربما كان يتطلب طرق عمل أخرى»، مضيفاً ان القضاء على حسن نصر الله لا يتم عن طريق الجو فقط، فعلّق حالوتس بالقول: «داغان يعرف ذلك وهناك فريق لهذه المهمة». فختم موفاز الحديث بيأس قائلا: «فليقم (الفريق) بهذه المهمة فوراً كي نستريح». 

الفريق الذي دار الحديث عنه كان شكّله الجيش الاسرائيلي بعد مرور بضعة ايام على بدء القتال، وكُلًف مهمة العثور على نصر الله، وكذلك صوغ طرق للتعرض له. وترأس هذا الطاقم الكولونيل (أ) الضابط في سلاح الجو، وضم ممثلين عن «الموساد» وشعبة الاستخبارات العسكرية. وفي 7 آب وصل أولمرت سراً الى مقر هيئة الاركان في تل ابيب.واجتمع بأفراد الطاقم داخل بئر شعبة العمليات، وهناك قُدمت له المعلومات التي جُمعت وطرق العمل المخطط لها. وبعد نحو ساعة خرج من هناك بعد ان أصبح واضحا له تماما انه لا يوجد أي فرصة لإحراز النتيجة المرجوة. 

في الحلقة المقبلة: ما هي العملية «التي ستغير وجه التاريخ»؟


Script executed in 0.17289018630981