أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

صيدا القديمة في حاجة ماسة إلى... ترميم

الخميس 19 كانون الثاني , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,610 زائر

صيدا القديمة في حاجة ماسة إلى... ترميم

 قبل مدة انهار مبنى عائلة سلامة في حي الزويتيني داخل صيدا القديمة، ونجا أفراد العائلة بفضل العناية الإلهية. لكن «مش كل مرّة بتسلم الجرة» في مدينة يخيّم فيها شبح السقوط على منازل كثيرة. ففي صيدا القديمة الكثير من المباني المتصدّعة، وربما الآيلة إلى السقوط في أي لحظة على رؤوس سكان قرروا المغامرة بأرواحهم لعدم قدرتهم على استئجار منزل بديل. «يا بيتي يا بويتاتي يا مستّرلي عيوباتي فيك باكل وبشرب وفيك بخبي عيوباتي»، يغني الصيداوي محمود الرفاعي، مبرّراً صموده في منزل نالت منه التصدّعات.

يعرف أن العيش في داخله محفوف بنتائج قد تكون مفجعة إذا انهار على رؤوس عائلته المكوّنة من خمسة أفراد، لكن: «ليس لدينا بديل، اللي بيجي من الله يا محلاه». على العكس منه، قرّر آخرون المغادرة السريعة «كي لا نتجرّع من كأس موت محتم»، يقول محمد الجعفيل. وقد ساندته بمخاوفه هذه الحاجة مريم النعماني التي تركت منزلها الصغير في حي الكنان قبل عامين وأقامت عند شقيقها.
في أحياء المدينة القديمة منازل تراثية عتيقة، قد لا تكون مهدّدة بالانهيار، لكن يعاني معظمها من تشققات وتفسّخات في السقوف وداخل الغرف. مصطفى العقاد، مقيم في هذه الأحياء، يشكو من «برك مياه داخل منزله نتيجة تسرّب المطر من سقف المنزل، فغرقت غرفه».
يعترف عضو مجلس بلدية صيدا المهندس علي الدالي بلطة بوجود خطر انهيار منازل في صيدا القديمة، موضحاً لـ«الأخبار» أن «هناك حالات تستوجب إخلاء الأهالي لمنازلهم، لكونها آيلة إلى السقوط، لا سيما في حيّي الكنان والزويتيني». هو لم يحدد عدّد هذه البيوت، لكنه قال «مش بطّالة عددها منيح»، متحدّثاً عن تشققات وتفسّخات في معظم بيوت صيدا القديمة، وبالتالي «ضرورة الكشف على المباني القديمة التي تحتاج إلى كشف دوري كل عشر سنوات، وهو أمر لم يحصل»، نافياً وجود تقصير من البلديات المتعاقبة، «لأن ذلك بحاجة إلى هيئات حكومية لديها قدرات كبيرة». ولا يخفي الدالي بلطة قلقه: «لأن كلّ شيء معرّض للحدوث، والخوف على صيدا القديمة يكمن في حصول أي زلزال أو هزة تكون فوق خمس درجات، إذ إنه قد يعرّض المدينة القديمة للسقوط والانهيار»، مشيراً إلى أن «حجرها الرملي يتخلخل من أي شيء، عكس الباطون المسلح، والمشكلة تكمن في وجود تفسّخ في الجدران والسقوف وإضافات من دون خبرة، ونعم هناك سقوف وعقود وقناطر وجدران مشققة ومصدعة». وأوضح الدالي بلطة مسألة ازدياد التشققات والتصدعات قائلاً «صيدا القديمة بُنيت منذ عقود طويلة إبّان العهد المملوكي، وعمر منازلها قديم، ثم إنها مدينة تعرّضت لزلزال ضرب لبنان عام 56، فضلاً عن تعرّضها لأنواء بحرية، جميعها هزّت حجارة منازلها الرملية». أمور أخرى أمعنت في تشقّقات المنازل العتيقة، منها، بحسب الدالي بلطة، «التأثير السلبي لقصف الطائرات الإسرائيلية خلال اجتياح عام 82، فضلاً عن الإضافات العشوائة إلى البيوت، ومشروع الواجهة البحرية الذي نفّذ قبل سنوات، «والرجراجات الحاصلة» جرّاء استخدام تقنيات في الحفر، ومرور اتوستراد بحري».
داخل صيدا القديمة «نفضة» تأهيل تجري منذ سنوات، تأهيل منازل ومحال مع المحافظة على طابعها التراثي. التفاتة كهذه جاءت معظمها من مبادرات قامت بها مؤسسات وجمعيات أهلية محلية وعالمية، أو رمّمت على نفقة السوق الأوروبية المشتركة، ومنه ما تقوم به راهناً مؤسسة «الطوارئ الأولى» الفرنسية من أعمال معالجة تشققات في سقوف رملية وخشبية وتصدّعات في الجدران. باعتقاد الدالي بلطة أن «جهوداً مشكورة» كهذه تبقى قاصرة عن معالجة جوهر الأزمة التي هي أبعد من مجرد تأهيلات طفيفة، قائلاً «المشكلة داخل صيدا القديمة أن معظم بيوتها بحاجة إلى ترميم، وهو أمر غير حاصل حتى الآن»، موضحاً: «الإرث الثقافي رمّم الواجهات، كذلك فإن مبادرات المؤسسات الاجتماعية رمّمت محال، واقتصرت مبادرة فرق الطوارئ الأولى الفرنسية على ترميمات طفيفة»، لافتاً إلى أن «الترميم مكلف جداً، ويفوق طاقة البلدية بكثير، وهناك مشكلة المالك والمستأجر ومن يصلح المنازل، والناس ليس باستطاعتهم الخروج دون من توفير قروض ميسّرة لهم لتدبر أمرهم، كي يخرجوا من منازلهم كي نرممها».
خارج المدينة العتيقة ثمة مبان مخلاة وبحاجة إلى ترميم أو هدم، سكانها أخلوها طوعاً أو بموجب إنذارات وجّهت لهم. خلوّّها من السكن لا يعني إطلاقاً حلول «السلامة»، فأي انهيار لها، إن حصل، قد يصيب جيرانها.

Script executed in 0.20737099647522