أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

طرابلس عاصمة الأبنية المتصدعة... وإذا كرّت السبّحة فلن توفر أحدا

السبت 21 كانون الثاني , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,268 زائر

طرابلس عاصمة الأبنية المتصدعة... وإذا كرّت السبّحة فلن توفر أحدا

ولعل الانهيار الذي حصل في الجدار الملاصق لجامع «سيدي عبد الواحد» في حيّ المهاترة في الأسواق القديمة، بالتزامن مع كارثة الأشرفية، قد أعطى نموذجا للواقع المأساوي الذي تعيشه طرابلس، وإن كانت البلدية قد سارعت الى القيام بأعمال التأهيل والترميم، فإنها غير قادرة على ترميم كل المباني المهددة بالسقوط على رؤوس قاطنيها، كما أنها لا تمتلك الإمكانيات والجهاز البشري للقيام بالكشف على مئات المباني وإعداد الدراسات عن وضعها الانشائي، بل ينحصر دورها بمراقبة المباني التي تصلها شكاوى عنها أو تدور علامات استفهام حول وضعها، فتسارع إلى الكشف عليها وإنذار قاطنيها وإبلاغ محافظ الشمال عنها. 

هناك المئات من العائلات في طرابلس ترفض الإفصاح عن التشققات والتصدعات في منازلها، خشية الكشف البلدي وتوجيه الإنذارات لها بضرورة الترميم أو الإخلاء. والخياران أحلاهما مرّ في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تعيشها العاصمة الثانية، الأمر الذي يدفع بتلك العائلات إلى البقاء مرغمة في منازلها رغم الخطر الشديد المحيط بها، حيث يعتبر بعض أفرادها أن «العيش بكرامة تحت الخطر أو الموت تحت الأنقاض يبقى أفضل بكثير من التشرد أو الاقامة عند الأهل والأقارب، حيث لم يعد أحد اليوم قادرا على استضافة أحد حتى ولو كان أعز الناس إليه». 

لذلك فإن بلدية طرابلس، وبعد الشكاوى التي وردتها منذ العام 2009 أحصت مئة مبنى متصدع وآيل للسقوط وذلك على الشكل التالي: 16 في التل، 13 في الحدادين، 12 في القبة، 11 في التبانة، 10 في النوري، 7 في السويقة، 6 في الحديد، 6 في بساتين طرابلس، 6 في زيتون طرابلس، 5 في الزاهرية، 4 في الرمانة، و4 في المهاترة. وتتنوع الأضرار اللاحقة بتلك المباني، بين حصول انهيارات حزئية، وتداعي العوارض، وتشقق وتصدع أسقف، وظهور الحديد، وتساقط قطع من الباطون المسلح، وانتفاخ في الجدران الخارجية، ومنها ما يعتبر السكن فيه مغامرة من العيار الثقيل كمن يضع حياته على كفه. 

لكن هل تلك هي فقط الأبنية المتصدعة في طرابلس؟ 

تشير مصادر هندسية متابعة لـ «السفير» إلى أن «طرابلس هي ليست فقط العاصمة الثانية، بل هي عاصمة الأبنية المتصدعة»، لافتة إلى «وجود نحو ألف بناء متصدع وآيل للسقوط في المدينة، وأن أحدا غير قادر على إجراء المسح الكامل أو الإحصاء بسبب التكتم الشديد الذي يتحصن فيه قاطنوها»، مؤكدة أنه «إذا كرّت سبّحة الانهيارات فانها لن توفر أحدا». وتتوزع تلك الأبنية كالتالي: 

أولا: أكثر من 60 مبنى في التبانة تستقر المياه الآسنة في ملاجئها منذ سنوات عديدة ما يعرض أعمدتها الأساسية الى التصدع، وقد كانت التبانة تعوم بكاملها على بحيرة من المياه الآسنة نتيجة اهتراء شبكات المجارير، فقامت مؤسسة النائب السابق أحمد حبوس في التسعينيات بسحب المياه وإصلاح الكثير من الشبكات، ليتقلص عددها الى ما هي عليه اليوم. 

ثانيا: الأبنية التي تعرضت لقصف صاروخي خلال الأحداث التي عصفت بطرابلس وخصوصا في التبانة والقبة وجبل محسن ومناطق حارة السيدة والشعراني والبقار، وبعل الدراويش، وبعل الدقور، والحارة البرانية وصولا إلى السويقة. 

ثالثا: الأبنية غير المأهولة التي تعرضت لدمار شبه كامل وما تزال قائمة ومطلة على أسواق عديدة وفي مقدمتها سوق الخضار في التبانة وفي شارع سوريا وسوق القمح. 

رابعا: أبنية بعض المدارس الرسمية المنشأة منذ أكثر من خمسين عاما من دون قيام المسؤولين المعنيين بأي صيانة لها، وفي مقدمتها «مدرسة الأمير فخر الدين»، حيث تقدم صاحبها بأكثر من إنذار الى إدارتها والى البلدية لرفع المسؤولية عنه. 

خامسا: أكثر من 200 معلم أثري مهمل في المدينة القديمة تعود إلى حقبات متنوعة صليبية، ومملوكية، وعثمانية، وجميعها في عهدة المديرية العامة للآثار. 

سادسا: الأبنية القديمة التي تعاني من تصدعات جزئية غير خطرة المتوزعة في أسواق البازركان، والعطارين، والكندرجية، والدباغة، والملاحة، وساحة الدفتردار وباب الرمل. 

سابعا: التعديات التي حصلت مؤخرا على عدد كبير من الأبنية، لاسيما في التبانة وجبل محسن والقبة، وحي النزهة في أبي سمراء، لجهة إضافة طوابق على أسطحها، وتلك الأبنية متداعية أساسا، فكيف باضافة طابق أو طابقين فوقها؟ حيث تشير الإحصاءات إلى أن تلك المناطق شهدت خلال ثلاثة أشهر بناء أكثر من 600 شقة سكنية جديدة، وأن مصير الأبنية التي شملتها هذه التعديات التي حصلت من دون حسيب بلدي أو رقيب أمني لا يبشر بالخير. 

والاشكالية الحاصلة حول كل تلك المباني أنها إذا كانت مملوكة فان أصحابها غير قادرين على ترميمها إلا فيما ندر، وأما إذا كانت مستأجرة فان ما يتقاضاه أصحابها من إيجارات لا يكفي لدفع رسوم شقة واحدة، فكيف بالترميم والتأهيل الذي يكلف مبالغ ضخمة، حيث يشير عدد من أصحاب الأبنية الى أن إيجارات عدة منازل في مبنى واحد لا تتعدى الألفي دولار أميركي في العام، بينما ترميم المبنى يحتاج بالحد الأدنى إلى 200 ألف دولار. 

كما لا يخفي قاطنو تلك الأبنية خشيتهم الكبيرة من أنهم إذا أمسوا قد لا يصبحوا وبالعكس، لافتين إلى الخطورة اللاحقة بسلامتهم، وسلامة أولادهم، وتشير حنان (تقطن في التبانة) إلى أنها عند العواصف تشعر بأن منزلها يهتز، فتجمع أولادها في غرفة واحدة خوفا من حصول أي إنهيار مفاجئ، لافتة إلى «أننا لم نعد ننام الليل بعد كارثة الأشرفية». 

ويؤكد محمود المصري (من أسواق طرابلس) أن «طرابلس منسية في هذا الجانب، ولم يرصد لها أي أموال لاجراء مسح شامل للأبنية الآيلة للسقوط»، متسائلا «هل لو أن الانهيار الذي حصل في الأشرفية كان في طرابلس لتحركت الدولة على هذا النحو ولصرفت التعويضات على الشكل من حيث المبالغ والسرعة؟»، لافتا إلى «أن السكن في منزله يعتبر مغامرة قد لا يعلم أحد متى تنتهي تحت الانقاض فإما أن نموت بكرامتنا، أو يكتب لنا مزيد من الكآبة في هذه الحياة». 

أمام ذلك الواقع أعادت بلدية طرابلس تنشيط «مكتب الشكاوى» الذي تلقى خلال الساعات الـ 48 التي تلت كارثة الأشرفية 12 طلبا جديدا للكشف على مبان يقول أهلها إنها متصدعة، وقد كلف رئيس البلدية الدكتور نادر غزال «مصلحة الهندسة»، بالتعاون مع «ورشة الطوارئ»، و«دائرة التنفيذ»، بتشكيل فريقي عمل في فترتي قبل الظهر وبعده، لإجراء مسح على ما امكن من المباني في الأسواق القديمة والمناطق الشعبية وإعداد تقارير بشأنها، ليصار إلى إبلاغ «الهيئة العليا للاغاثة»، و«مجلس الإنماء والاعمار» لإجراء المقتضى. ويقترح غزال «إنشاء صندوق بلدي طرابلسي يموله كل من هو قادر على التبرع والدعم من متمولي وأثرياء المدينة، يهدف إلى حفظ إرث طرابلس وتاريخها، وحماية أرواح أبنائها»، داعياً المواطنين إلى «أن يشعروا بمسؤولياتهم تجاه أنفسهم بالدرجة الأولى، وأن يبلغوا عن أي شيء يجدونه غير سليم في منازلهم»، مؤكدا أن البلدية ستعمل وفق إمكانياتها وطاقتها وعلى الدولة أيضا أن تكون حاضرة وأن تقوم بواجباتها حيال هذه القضية البالغة الأهمية والخطورة». 

ويشير عضو مجلس بلدية طرابلس الدكتور محمد شمسين إلى أنه «تقرر إنشاء غرفة للكوارث على مستوى بلدية طرابلس وإتحاد بلديات الفيحاء، في مبنى إطفائية طرابلس، تضم الجيش اللبناني، قوى الأمن الداخلي، الشرطة البلدية، الدفاع المدني والصليب الأحمر»، لافتاً إلى أنه زار إيطاليا لذلك الغرض «حيث أعدت دراسة متكاملة من قبل جهات إيطالية غير حكومية بمبلغ نصف مليون يورو، وقد حصلت طرابلس على الموافقة في إنشاء تلك الغرفة الأولى من نوعها بين المدن العربية»، حيث حضر السفير الايطالي وأشرف على تسليم إطفائية طرابلس آليات للعمل والمساندة، فضلا عن تجهيز الغرفة بوسائل الاتصال، «وما زلنا ننتظر الحصول على «داتا» المعلومات المتعلقة بمدن الفيحاء، لتتمكن إدارة الغرفة عبر الانترنت من تنسيق عمليات الاتصال بين فرق الإنقاذ وتوجيهها بشكل صحيح للحؤول دون تداخل الصلاحيات»، مشددا على «ضرورة أن يصار إلى تذليل كل العقبات أمام تلك الغرفة، لتتمكن من ممارسة دورها في حماية المدينة وجوارها من أي كارثة قد تقع». 

من جهته يؤكد نقيب المهندسين في الشمال الدكتور بشير ذوق لـ «السفير»، أن «النقابة مستعدة لتقديم كل التعاون والدعم في عمليات المسح التي ستطال الأبنية في المناطق الشعبية، وأن تطلب من عدد كبير من المهندسين التطوع ضمن حملة كشف مكامن الخلل في الأبنية التي يشعر أهلها بخطورة العيش فيها»، لافتا إلى أن «الأمر أيضا يتطلب تعاون الجهات الرسمية المعنية، لأن الكشف عن التصدعات اللاحقة بالمباني وإعداد التقارير حول ذلك دون إيجاد السبل الكفيلة للمعالجة والأموال التي تساعد على الترميم والتأهيل سيكون مضيعة للوقت، وسيضاعف من حال الخوف لدى الاهالي».


Script executed in 0.20559287071228