وسط تلك الفوضى والزحمة العارمتين حول الدوّار، يكاد شرطي السير الوحيد المنتدب لحفظ الأمن والنظام والسلم الأهلي، الذي قد يتزعزع أمام عواصف الشتائم التي يتقاذفها بعض السائقين في ما بينهم، لا يُرى. الألفاظ قد تتطور أحياناً لتصل إلى تضارب وطعن بالسكاكين، بسبب التزاحم على حجز موقف لتحميل الركاب، وعلى عدد «النقلات» التي حظي بها كل من السائقين.
من هنا، بات الموقف يمثّل وجهة غير مرغوب فيها للكثيرين، ولا سيما للفتيات اللواتي يضطررن إلى استخدام الموقف للوصول إلى جامعاتهن الكائنة خارج المنطقة. الأمر الذي يدفع ببعض أوليائهن إلى مرافقتهن حتى ينطلق الفان بعد أن يمتلئ بالركاب.
اللافت أن الموقف الذي تحوّل إلى «غابة، الغلبة فيها للأقوى»، يندرج ضمن سلطة البلدية، التي وظفت شخصين لتنظيم حركة الفانات بالدور، وتحصيل اشتراكات شهرية من أصحابها تذهب إلى الصندوق البلدي. فماذا قررت بهذا الشأن، وخصوصاً أن الدور «مخربط»، بحيث ينتزع البعض أربعة أدوار في اليوم الواحد، فيما لا يتحرك آخرون من أماكنهم ليومين؟
لا يتوانى مصدر بلدي عن التصريح بأن البلدية عجزت عن تنظيم الموقف الواقع ضمن الأملاك العامة، الذي يمثّل حاجة يومية لمئات المواطنين للتنقل. منطق البلطجة والمحسوبيات والسمسرة، فاق قدرة البلدية، التي تعرض بعض شرطتها للاعتداء أكثر من مرة في البص. من هنا، ارتأى المجلس البلدي أن «يقلع» من الموقف، عبر تلزيمه لأشخاص أو شركة متخصصة من ذوي الخبرة، بموجب آلية يعمل على وضعها. وعليه، يستلزم انتقال السلطة الاستعانة بطاقم عمل جديد من جهة، وتأهيل الموقف وتنظيم ركن الفانات من جهة ثانية. فهل سيكون «الإقلاع» حلاً أم استجلاباً لأزمات أخرى؟
إشارة إلى أنه منذ منتصف القرن الماضي، كانت ثلاث سيارات عمومية تعمل على خط صور ـــــ بيروت. تدريجياً، دخلت بعض شركات النقل على الخط بهدف الاستثمار وتعزيز قطاع نقل الركاب من أبناء المنطقة. أما حالياً، فقد تحوّل الدوّار إلى مواقف متنقلة «لصيد» الركاب المتنقلين من وإلى خارج صور. عدد قليل من السيارات العمومية يحاول مغالبة عشرات السيارات التي لا تملك ترخيصاً قانونياً للنقل، فيما الكثير من الباصات العمومية الكبيرة والصغيرة الحجم، تتسابق «لاحتلال» موقف لها على جانب الطريق الدولية الضيقة والمترهلة. بالنسبة إلى السيارات غير الشرعية، تقوم الأجهزة الأمنية بين الحين والآخر بحجزها وتوقيف أصحابها. تدبير لا يصل إلى خواتيمه في كثير من الأحيان، بعد تحايل هؤلاء وتأمين واسطة تعينهم على العودة مجدداً إلى الميدان.
معبر إلزامي
«معقول أن يكون دوار البص هو مدخل مدينة سياحية مثل صور؟». سؤال يتناقله الكثيرون من أبنائها منذ سنوات عدة، بالتزامن مع تنفيذ مشاريع تجميل وتطوير قلب المدينة، لكن، لسكان المنطقة وزوارها رأي في الدوّار، لأنه معبر إلزامي نحو بلدات قضاءي صور وبنت حبيل وصولاً حتى الحدود. الدوّار ليس تقاطعاً عابراً للسير عند مدخل صور، بل إن المساحة الدائرية التي كانت قبل خمسين عاماً، مروجاً وبساتين، أصبحت حالياً في معظم زواياه، تجمّعاً مكتظاً لعدد من المحال التجارية والصناعية، التي بني بعضها بطريقة عشوائية وغير شرعية.