أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

عكار: انكفاء المستقبل تعوّضه الجماعة وميقاتي يتقدّم بخجل

الخميس 09 شباط , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,826 زائر

عكار: انكفاء المستقبل تعوّضه الجماعة وميقاتي يتقدّم بخجل

دُفع هذا التساؤل إلى واجهة المناقشات في الشمال وعكار بعد زيارة قام بها عشرات من رؤساء البلديات من عكار إلى السرايا الحكومية قبل نحو أسبوعين. وهي خطوة غير معزولة عن سياق تململ قاعدة تيار المستقبل في المنطقة إثر تراجع حجم تقديماته الاجتماعية المترافق مع خروج الرئيس سعد الحريري من رئاسة الحكومة. وإذ تعددت المظاهر العامة لهذا التململ، ظهرت ذروته في المعركة التي كادت تتخطى إطار الكلام النابي بين النائب معين المرعبي ورئيس بلدية مشحا زكريا الزعبي لمناسبة اللقاء الداعم لتطوير شعبة العلوم في الجامعة اللبنانية. تباين تقدير عدد رؤساء البلديات المشاركة في لقاء السرايا كما تباينت التفسيرات على وقع الاتجاهات السياسية القائمة واستشراف خريطة أحجامها القادمة.

فرئيس بلدية برج العرب عارف شخيدم الذي عدّ نفسه مكلفاً توجيه دعوات المشاركة، بناءً على علاقة قديمة تربطه بالرئيس ميقاتي، أكد أن 73 رئيس بلدية شاركوا في اللقاء من أصل مئة بلدية عكارية. وقال إن بلديات أخرى شاركت من خلال نائب الرئيس، بعد اعتذار لائق من رئيس البلدية. أما بلديات الجرد التي قارب عدد غير المشاركين منها عشرين بلدية، فقد تغيبت لأن رئيس اتحاد بلديات الجرد عبد الإله زكريا، الذي حضر اللقاء، فاته تبليغها. ويضيف شخيدم أنه منذ تأليف حكومة الرئيس ميقاتي، زاره وفد مؤلف من 49 رئيس بلدية. وخلال تلك الزيارة حصل رؤساء البلديات على وعد مبدئي بتأسيس مكتب «رسمي» لمعالجة شؤون عكار الإنمائية.
غير أن رئيس بلدية خريبة الجندي، منسق تيار المستقبل في الدريب خالد طه قلل من أهمية الزيارة، ووضعها في خانة السلوك الإداري الذي يتعامل من خلاله «رئيس البلدية مع أي وزير أو إدارة رسمية لمتابعة شؤون بلدته». وقال إن عدد البلديات التي شاركت في الزيارة بلغ 51 بلدية فقط «بما فيها البلديات المؤيدة أصلاً لقوى الثامن من آذار». ورغم تأكيده أن خدمات تيار المستقبل لم تتراجع، يكشف بعض زملائه في التيار الأزرق كيف تعاني تلك الخدمات عيوباً بنيوية تتعلق بعشوائية توزيعها. فمستوصف أكروم، على سبيل المثال، الذي يعود الفضل بتجهيزه الى تيار المستقبل على حد قول رئيس بلدية قنية (أكروم) غازي حسن الخالد، لم «يقلّع» منذ تأسيسه. وعزا الخالد الأمر إلى كثافة الموظفين في أكروم، وخصوصاً في عداد القوى الأمنية، وإمكان استفادتهم من الصناديق الضامنة، الأمر الذي أضعف جدوى المستوصف الطبية. كذلك تدنت مداخيله إلى ما دون القدرة على توفير رواتب جهازه الطبي والإداري. لذلك، فالمستوصف بحكم المتوقف عن العمل.
في السياق، تدخل القوى الإسلامية بحذر، وخاصة الجماعة الإسلامية، على خط تراجع حضور المستقبل، من خلال عدم ممانعة التمدد الميقاتي في عكار، فتحاول الإمساك بخيوط ثلاثة. الأول يتمثل بإصرارها على «رفض الانقلاب على الرئيس سعد الحريري» بحسب تعبير رئيس بلدية ببنين، كفاح الكسار، وهو ما يجعل الجماعة الوريث الشرعي للبيئة السنّية في لبنان التي «تستحق كما باقي الطوائف اختصاص تسمية ممثليها في السلطة». الخيط الثاني، هو قبول الدخول الميقاتي إلى الخزان السني الأكبر في لبنان، ما دام «دولة رئيس حكومة لبنان أصر على إقرار تمويل المحكمة الدولية، ونجح بذلك»، بالإضافة إلى نجاحه بـ«امتياز في شغل منصب رئاسة الحكومة، كما في مراعاته الحساسيات القائمة وإبعاد الوطن عن الفتنة». أما الخيط الثالث الذي لم يصرح به رئيس بلدية ببنين، فهو أثر الأحداث السورية في بلدته وسائر البلدات السنية العكارية، وهو ما عبرت عنه الجماعة الإسلامية في عكار صراحة أكثر من مرة، وخاصة في الأسبوعين الأخيرين، مع تصدرها التحركات المناهضة للنظام السوري في «الساحة السنية». وفي هذا السياق، تتندر أوساط إسلامية بالحديث عن حادثة كسر رجل الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري «سائحاً في جبال الألب»، بعيداً من مسرح الأحداث الدامية في سوريا، وخصوصاً مع اقتراب شظاياها من الحدود اللبنانية في وادي خالد والعريضة.
أما قوى الثامن من آذار (السنّية) فتعبّر عن أزمة مزدوجة. فهي محسوبة على السلطة التي توزع خدماتها وفق التقسيمات الطائفية القائمة من ناحية، وهي من ناحية أخرى محشورة بالجو الطائفي المعادي للنظام السوري في عكار. ومع ذلك تستفيد هذه القوى من التمدد الميقاتي، وبالأحرى من خروج تيار المستقبل من السلطة، مستعيدة بعض الحيوية التي حجبها هذا الأخير عبر توظيف حيثيتها السياسية لتوفير بعض الخدمات في إدارات الدولة.
تتفاقم الأوضاع المعيشية في عكار، وخاصة مع إقفال المعابر الحدودية (غير الشرعية) التي كانت تمثّل شرياناً حيوياً يتخطى القرى والبلدات الحدودية. ويشكو كبار المزارعين في عكار كساد المواسم بسبب الأحداث في سوريا.
لذلك، تصبح آمال العكاريين معلقة على إدارات الدولة، وبخاصة في الوزارات الخدماتية، ومعلقة بالتالي على ما يسمى «هيئة إنماء عكار» التي تأسست بالتفاهم مع رئيس الحكومة من رؤساء اتحادات بلديات عكار الستة، والتي تقرر أن تعقد اجتماعاتها الدورية كل أسبوعين، على أن ترفع تقاريرها بحاجات عكار الإنمائية إلى رئاسة الحكومة. فهل ينجح الرئيس ميقاتي في التصدي لحاجات عكار عبر مؤسسات الدولة التي بسبب غيابها صارت عكار مرتعاً للمال السياسي؟
الوقت لا يزال مبكراً للحديث عن حجم الانتشار الميقاتي في عكار، إذ إن جمعية العزم والسعادة التي تواكب خدماتياً نشاط رئيس الحكومة في طرابلس، لم توسع أنشطتها باتجاه عكار. ولا يزال الحضور الميقاتي مقتصراً على موقعه في رئاسة الحكومة، ولم تتظهَّر بعد صيغة تنظيمية أخرى إلى جانب هيئة إنماء عكار. وبناءً على ذلك، وإلى أن يظهر المنافس الجدي، سيبقى تيار المستقبل الحزب «القائد للدولة والمجتمع» في عكار وسائر الشمال.


Script executed in 0.19816493988037