أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

عندما رُفع بهاء على الأكتاف... فآلت الزعامة إلى سعد

السبت 11 شباط , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 9,770 زائر

عندما رُفع بهاء على الأكتاف... فآلت الزعامة إلى سعد

 

بين اليوم الاسود المشؤوم (14 شباط) ومساء العشرين من نيسان 2005، حسمت العائلة امرها. الزعامة لسعد النجل الثاني لـ«الشيخ» وليس لبهاء الابن الاكبر. حمل البيان توصية بتولي الوريث «القيادة لجميع الشؤون الوطنية والسياسية لمتابعة مسيرة البناء الوطني» على ان تتولى نازك الحريري الادارة والاشراف على جميع المؤسسات الخيرية والاجتماعية. 

كان على جمهور «الشهيد» ان يدرك لاحقا الفارق بين الشابين. في مسيرة التشييع الشعبية، كما في ايام العزاء الأولى، كانت تسلّطت الاضواء على بهاء. قد يكون الخليفة المحتمل لرفيق الحريري. هستيريا الوفود الزاحفة للمشاركة في التشييع وشدة التدافع ادتا الى وقوع بهاء ارضا. للتعويض يرفع الشاب على الاكتاف، فيخاطب الجموع الغاضبة عبر الميكروفون قائلا «يا قوم... يا قوم نريد ان نصلّي عليه، ابتعدوا عن قبره لا نريد الدقائق الاخيرة هكذا، اكراما للشهيد البطل». 

«يا قوم» مصطلح غريب على الاذن اللبنانية حتى تلك السكرى من كأس الشهادة. حتى رفيق الحريري نفسه، السعودي اللكنة، لم يلجأ يوما الى استخدام هذه المفردة. حسنا. هل المكتوب يُقرأ من «لهجته»؟ 

«حلالٌ جدا» طرح السؤال. فالحريري الاب، لبناني يحمل بأمر ملكي، الجنسية السعودية التي جيرّها لكل ابنائه. بهاء وسعد ولدا في المملكة وترعرعا فيها وعملا فيها. هما إذاً سعوديان من اصل لبناني... يلتبس الامر على العائلة وعلى الجمهور. من الاكثر كفاءة لاكمال مسيرة رفيق الحريري؟. البيان الحريري ترجم عمليا قرارا سعوديا وليس فقط «رغبات» العائلة. سعد متخرج من جامعة جورج تاون قضى وقتا اكثر في الرياض من بهاء المتخرج من جامعة بوسطن. الاخير اخذه عمله الخاص في عالم الاستثمارات والعقارات الى الاردن وجنيف واوروبا والولايات المتحدة من دون ان يقطع حبل السرّة مع شركة «سعودي اوجيه». 

علاقة سعد مع السعوديين من خلال «سعودي أوجيه» ارتدت عليه حظا. دخل من بوابة الوالد الى الديوان الملكي مسيرّا امور «اوجيه» ومستخدما مفاتيح النفوذ الذي اتاه على طبق من «حرير». وفي ميزان الحساسيات العائلية، كان سعد «المرن» اقرب الى نازك من بهاء صاحب الطباع الحادة والشخصية القاسية. طلاق الحريري من زوجته الاولى العراقية نضال بستاني فعل فعله السلبي بدرجة اكبر عند بهاء. واقع قاد نازك الى تزكية «الشيخ سعد» عند صديق العائلة الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك. 

في الاساس، بدا الاتجاه السعودي الاميركي الفرنسي ميالا الى تحميل النجل الثاني وزر مرحلة «ما بعد رفيق». أضف لذلك، أن ثمة واقعة غير منسية من زمن «الوصاية» مختومة بعبارة «سري جدا». «مشكلة» تطال بهاء، فيقرر والده ابعاده عن الواجهة اللبنانية نهائيا. في مطلق الاحوال، لرفيق الحريري نفسه رأيه الشخصي الذي ادلى به قبل نحو اربعة اشهر من استشهاده خلال جلسة حوارية مع زاهي وهبي قال فيها «انا لم اؤهل اولادي بعد للتعاطي بالشأن العام». 

في اول ظهور اعلامي له بعد الاغتيال، على محطة «سي ان ان» الاميركية قدّم سعد، ابن الشهيد، صورة راقية ومؤثرة عن الشاب الذي قرّر اكمال المسيرة والعمل على كشف حقيقة من اغتال والده. بالتأكيد بدا اقرب الى الجمهور من بهاء. لبس رداء التكليف الآتي على عجل ومشى. فعل الدم فعله، فتسلّق «الشيخ» بسرعة قياسية سلّم الزعامة. طوّب في شارعه وفي عواصم القرار «وريث الدم».

عند الخصوم، ثمة من كان يقلب الرزنامة بأعصاب باردة متوقعا انكفاء مدوّيا له تماما كدخوله المفاجئ الى الحلبة السياسية. لم يخطئ هؤلاء. لكن ايضا بعض اصحاب العقول البراغماتية في «تيار المستقبل» يقرّون اليوم بالزعامة الشعبية لسعد الحريري وليس الزعامة السياسية! 

يقول احد «المستقبليين» ممن تسنّى له رصد الخط البياني للصعود الزعاماتي لسعد الحريري «رفيق الحريري كان زعيما سياسيا وشعبيا. لا يمكن اسقاط هذه العباءة بسهولة على نجله. هذه هبة وليست موهبة. «اشتغل سعد كثيرا على نفسه». وقد سبق له ان اثبت حيثيته الخاصة لدى السعوديين بمعزل عن تزكية والده له في «الدواوين الملكية». و«الشيخ سعد»، يتمتع في الاساس، «بشخصية سلسة ومرنة اكثر بكثير من شقيقه الاكبر بهاء. يتمتع بروح النكتة ويقلّد السياسيين والمقربين بمهارة عالية».

في الفترة التي سبقت خروج «الشيخ سعد» من السرايا، واستقراره في قصور «المنفى» خضع لدورات تدريب على فن الالقاء والتفاعل مع الجمهور، يصفها المقربون منه بأنها «كانت قاسية». الزعيم الشاب اختبر آخر امتحان له في فن الخطابة «المودرن» على المنصة الآذارية قبل عام. بعدها فقط كان لـ «تويتر» الفضل في اعادة شحن خطوط التواصل الاجتماعي، وان عن بعد، مع جمهور يعايش خيبة غياب الزعيم وسحب «امتياز» امساكه بعصا «المال والسلطة». 

في 14 شباط 2012 سيحضر «الزعيم الشعبي» عبر شاشة عملاقة. «لايف» او عبر شريط مسجّل لا فرق. الاساس ان «الشيخ» للمرة الاولى منذ حادث الاغتيال لن يتوسط اقطاب «الثورة» ولن يمتحن قدراته الخطابية والتجييشية مباشرة عبر الـ«اوتو كيو». ليس هو فقط الغائب الاكبر. نازك الحريري واولاد الشهيد، على رأسهم، بهاء لن يكسروا «القاعدة». منذ العام 2006 آثروا البقاء خلف كواليس الذكرى الشباطية. 

المقرّبون من سعد الحريري يبررون غياب «الوالدة» بالقول «السيدة نازك اتخذت القرار منذ البداية بمعايشة الذكرى ببعدها الانساني غير المسيّس. اما اولاد رفيق الحريري فلا يحضرون لاسباب امنية، وسعد نفسه لا يشجعهم على ذلك». 

تفصيل «تقني» آخر على هامش الذكرى. ثمة من يتحدث في الكواليس الضيقة عن «حرب» صيانة القصور بين سعد ونازك الحريري. فبعد اغتيال رئيس الحكومة انتقلت ملكية القصور في لبنان واوروبا والرياض الى زوجته على ان تتولى «سعودي اوجيه» اعمال الصيانة السنوية التي تصل كلفتها الى ملايين الدولارات. ويبدو ان رئيس الحكومة السابق على خلفية أزمته المالية، قرر «تحميل مالكة هذه القصور الانفاق من جيبتها الخاص»، علما بأن نازك الحريري لم «تهضم» حتى الآن قضية حريق قصر قريطم!


 

Script executed in 0.18832111358643