أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

«الجولة الخامسة» بين التبانة وجبل محسن انتهت... فهل ينتهي التحريض؟

الإثنين 13 شباط , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,750 زائر

«الجولة الخامسة» بين التبانة وجبل محسن انتهت... فهل ينتهي التحريض؟

 وهي مواجهات كانت وما زالت من دون أفق ولا عناوين ولا غالب ولا مغلوب، ليستمر الجرح نازفا في تلك المناطق، وتبقى دماء الفقراء تكتب الرسائل المتبادلة بين الأطراف السياسية محليا وإقليميا، والتي كلما دعت حاجتها استخدمت نفوذها لتسجيل نقاط هنا أو لإحداث ضغط هناك أو توازن هنالك.

وضعت المعركة أوزارها إذاً، وخلع المسلحون ثيابهم العسكرية ووضعوا أسلحتهم الخفيفة والمتوسطة جانبا، وانتشر الجيش اللبناني على جميع المحاور ليفصل بين المتقاتلين، لكن كل ذلك جرى على غير هدى، ومن دون أي قواعد ثابتة، فالشعارات نفسها ترددت في الاجتماعات واللقاءات «وقف العنف، نبذ الفتنة، منع الاقتتال، حماية المدينة»، والاتهامات نفسها أطلقت بين الطرفين حول التسبب بالمواجهات، من دون أن يعرف أي من أبناء طرابلس لماذا حصل كل ذلك، ومن فتح جولة العنف هذه، ومن أغلقها، ومتى ستكون الجولة السادسة وتحت أي شعار وهل ستكون لزج طرابلس أكثر فأكثر ومعها منطقة الشمال في اتون الأزمة السورية.

ومن دون أن يبادر أي من القيادات المعنية لا سيما تلك التي سارعت الى المطالبة بوقف إطلاق النار وتنفست الصعداء بانتشار الجيش في المناطق الساخنة، الى الدخول على عمق الأزمة القائمة بين التبانة وجبل محسن، ومعالجة ذيولها التاريخية، أو متابعة بنود المصالحة المزعومة التي جرت عام 2009 في منزل المفتي مالك الشعار بحضور كل القيادات السنية والعلوية آنذاك، وتوفير كل الوسائل لاتمامها حيث بقيت حبرا على ورق، بدلا من الحقد الذي يتنامى أكثر فأكثر بعد كل جولة عنف بفعل الخسائر البشرية وامتداد مساحة الدم المراق في الأحياء...

ثمة تساؤلات تجتاح الشارع الطرابلسي لجهة، الى متى ستبقى هذه المدينة «فشة خلق» لكل صاحب مشروع فتنوي، والى متى ستبقى جبهات التبانة والقبة وجبل محسن مفتوحة؟ وماذا يمنع أن تعود المواجهات في أي لحظة وتحت شعارات عدة يمكن ان تروج ضمن إطار ما يجري في سوريا وتضاعف من حدة الاحتقان؟ وهل وقف إطلاق النار اليوم سيترافق مع وقف حملات التحريض التي كانت سببا رئيسيا في إندلاع المواجهات المسلحة؟ وهل ما حصل هو مجرد «تنفيسة» للتحريض 

المتمادي منذ أشهر سواء في طرابلس أو في عكار؟ وهل هذا التحريض سيتواصل بوتيرة أكبر تمهيدا لجولة عنف سادسة؟ 

كيف سيكون تعاطي الجيش اللبناني مستقبلا، علما بأنه دفع الفاتورة الأغلى في هذه المواجهات (8 جرحى من عناصره) نتيجة إصراره على البقاء في محاور القتال والرد على مصادر النيران، ما ساهم في حصر المعارك وعدم امتدادها، كما عمل على استيعاب كوادر التبانة ووجهائها وفاعلياتها في التسوية التي كانت أساس وقف إطلاق النار وخرج فيها الاجتماع الذي عقد في منزل النائب محمد كبارة لجهة عدم ملاحقة أي من المسلحين الذين شاركوا في القتال على قاعدة «عفا الله عما سلف».

لكن الخوف الذي لا يزال يرخي بظلاله القاتمة على طرابلس بعد انتهاء جولة العنف، هو إمكان أن تتحول المدينة الى مكان لتفجير كل الاحتقان الناتج عن الأزمة السورية في لبنان، وأن تشهد مناطق التبانة والقبة وجبل محسن وغيرها في أوقات لاحقة توترات أمنية تبعا لتطور التجاذبات الاقليمية وبروز حاجة هذا أو ذاك لاستخدام الساحة اللبنانية، وتحديدا الطرابلسية، لتمرير الرسائل.

وقال مرجع لبناني كبير انه لا يمكن الفصل بين ما جرى في طرابلس ومحاولات التأثير الواضحة على قرار نشر الجيش في أقاصي منطقة عكار الحدودية، كأن هناك من يريد للجيش أن يشتت قواه وأن يمنعه من استكمال خطواته الأمنية في الشمال، خصوصا أن معلومات كثيرة تحدثت عن مسلحين ملثمين شاركوا في المعركة الأخيرة، الأمر الذي من شأنه أن يذهب بطرابلس الى أبعد من أن تكون صندوقة بريد لتبادل الرسائل النارية الى ساحة من ساحات التوازنات السياسية الموجودة في المنطقة.

وإذا كان المراقبون قد توقفوا عند توقيت جولة العنف الجديدة مع زيارة الرئيس نجيب ميقاتي لفرنسا، فإن ما ضاعف من ارتفاع منسوب المخاوف، هو الانفجار المدوي لمخزن الذخيرة في زيتون أبي سمراء الذي غطى دخانه على دخان المعارك وترك علامات استفهام حول الجهة التي تملكه، وانتماء الشبان الذين كانوا ينقلون الذخائر منه، والحال التي كانت آلت إليها المواجهات في حال وصلت هذه الكميات الى المقاتلين، وعما إذا كان هو المخزن الوحيد الموجود في المدينة، أم أنه واحد من كثير من المخازن ساهمت الصدفة فقط في افتضاح أمره، وهل وضع الأجهزة الأمنية يدها على ملف هذا المخزن سيؤدي الى كشف أماكن وجود مخازن أخرى؟ وهل ستعلن نتائج التحقيقات؟

أمام هذا الواقع، لم يعد يختلف الطرابلسيون على أن سياسة النأي بالنفس عن الأحداث الجارية في سوريا قد ساهمت في حماية لبنان وطرابلس على مدار 11 شهرا، وأن ثمة محاولات حثيثة تجري اليوم لزج المدينة في الصدامات الحاصلة هناك، لذلك يرى أكثرية الطرابلسيين أن من يريد الدفاع عن النظام السوري أو محاربة النظام السوري عليه أن يعرض عضلاته في المدن السورية، وليس في طرابلس ومناطقها الفقيرة. ولعل اللافتات المرفوعة من قبل حملة «طرابلس منزوعة السلاح» في مختلف أرجاء المدينة وتطالب بتحييد طرابلس عن كل الصراعات، هي أكبر دليل على توجهات أبناء المدينة.

ميدانياً

إذا، عاد الهدوء الى المناطق الساخنة في التبانة والقبة وجبل محسن بعد معارك ضارية، وانتشر الجيش اللبناني على كل المحاور ابتداء من ليل أمس الأول، وعاد النازحون الى منازلهم وبدأوا احصاء الأضرار، وذلك بعد التوصل الى اتفاق لوقف إطلاق النار بعد مساع سياسية وأمنية بذلت على أكثر من صعيد، وتوجت باجتماع عقد في منزل النائب محمد كبارة شارك فيه الوزير أحمد كرامي ممثلا الرئيس نجيب ميقاتي، أحمد الصفدي ممثلا وزير المالية محمد الصفدي، والنائبان سمير الجسر ومعين المرعبي، منسق تيار المستقبل في طرابلس الدكتور مصطفى علوش والمنسق الاسبق عبد الغني كبارة، وممثلون عن الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية، وعدد من المشايخ والعلماء، ونحو 24 شخصا من مخاتير ومشايخ ووجهاء وكوادر باب التبانة والقبة والحارة البرانية حيث جرى البحث في التطورات الأمنية على الأرض، وأبدى الجميع رغبتهم بوقف إطلاق النار. وقد أجرى الوزير كرامي اتصالا بقائد الجيش العماد جان قهوجي وأطلعه على النتائج الايجابية للاجتماع، في حين أبلغه النائب كبارة أن الجميع مستعد للتعاون مع الجيش في بسط الأمن والنظام في كل المناطق، طالبا إليه الاسراع في تعزيز انتشار الجيش على جميع المحاور.

كوادر التبانة في منزل كبارة

وبناء على ذلك عقد كوادر التبانة مؤتمرا صحافيا في منزل النائب كبارة تلا خلاله عضو مجلس بلدية طرابلس عربي عكاوي بيانا جاء فيه:

«اجتمعت فعاليات ومشايخ ووجهاء باب التبانة والمناطق المعنية بالاحداث الاخيرة في طرابلس كافة، واتفقوا على ما يلي:

أولا: نعلن استنكارنا اي تفجير امني يستهدف امن طرابلس ومصالح اهلها، ونؤكد قرار وقف اطلاق النار بشكل كامل وانهاء هذه القضية وتحميل من يخل بالامن مجددا المسؤولية الكاملة.

ثانيا: نعلن تأكيدنا قضية العيش المشترك والسلم الاهلي ونبذ الفتنة في هذا البلد.

ثالثا: نؤكد تحميل الاجهزة الامنية والجيش اللبناني مسؤولية الحفاظ على امن منطقتنا وكافة مناطق طرابلس، ونعلن تعاوننا الكامل في هذه القضية.

رابعا: نؤكد رفضنا ان يجرنا احد للدخول في مواجهة مع الجيش اللبناني او الاجهزة الامنية.

خامسا: ختاما وبناء عليه، نؤكد رفضنا اعتقال اي من الاخوة على خلفية الاحداث الاخيرة لعدم تواطئهم في افتعال الحدث وما قاموا به كان من منطلق الدفاع عن النفس». 

وعلى الفور، عزز الجيش اللبناني من انتشاره خلال فترات الليل التي لم تشهد أي خروقات، لتضاعف الوحدات العسكرية من انتشارها خلال الصباح ويعود الأهالي لتفقد الأضرار التي ألحقتها المواجهات في منازلهم ومحالهم التجارية وسياراتهم، بينما باشرت الورش التابعة لبلدية طرابلس والمؤسسات الأخرى إصلاح الخطوط الكهربائية والهاتفية وبعض البنى التحتية التي تضررت.

كما جرى تشييع القتيل الذين سقط خلال المواجهات وسط حال من الغضب والحزن الشديدين، وتخلل ذلك إطلاق نار كثيف.

ورأت مصادر في الحزب العربي الديموقراطي أن قيادة الحزب التزمت مع رئيس الجمهورية وقائد الجيش في ضبط النفس وترك معالجة الأمور للوحدات العسكرية، مشيرة إلى أن وقف إطلاق النار حصل في لقاء رعاه الجيش الللبناني ونواب المدينة وضم فاعليات التبانة وكوادرها، ولم يتحدث معنا أحد من أجل هذا الأمر، ما يؤكد أننا لسنا الجهة التي كانت تطلق النار، داعية الجيش اللبناني الى الضرب بيد من حديد، وعدم السماح بأي تجاوزات أمنية.

 

الجيش: التصدي الحاسم

للعابثين بالأمن

 

وأعلنت قيادة الجيش ـ مديرية التوجيه، في بيان امس الاول، انه إلحاقاً لبيانها السابق، واصلت قوى الجيش تعزيز إجراءاتها الأمنية في منطقة باب التبانة ـ جبل محسن، والقيام بعمليات دهم دقيقة لأماكن الذين شاركوا بالاشتباكات التي حصلت حيث تمكنت من توقيف عدد من المسلحين، وضبط كميات من الأسلحة والذخائر الموجودة بحوزتهم، فيما أصيب عدد من العسكريين بجروح مختلفة، أحدهم بحال الخطر، نتيجة تعرضهم لإطلاق نار وسقوط قذيفة انيرغا بالقرب من آلية عسكرية. وأكدت «قرارها الحاسم التصدي للعابثين بالأمن إلى أي جهة انتموا، ومتابعة ملاحقة جميع المتورطين في الأحداث حتى توقيفهم وتسليمهم إلى القضاء المختص»، مشددة على انها «تحمّل العناصر المسلحة ومن يقف خلفهم، مسؤولية أي خسائر جسدية ومادية تقع في صفوف المدنيين أو العسكريين». واشارت إلى أن «الأوضاع الدقيقة التي تمر بها البلاد، لن تشكل في أي حال من الأحوال غطاءً للمصطادين بالماء العكر، والمتطاولين على هيبة الدولة وأمن المواطنين واستقرارهم» .


Script executed in 0.18872213363647