أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

«الغرافيك ديزاين»: مهنة تنتشر بفوضى فنيّة وانقسام نقابي

الثلاثاء 21 شباط , 2012 04:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,832 زائر

«الغرافيك ديزاين»: مهنة تنتشر بفوضى فنيّة وانقسام نقابي

يشهد لبنان نوعاً من «الهرطقة الغرافيكية»، وفق رئيس قسم التصميم الفني والإعلانات في «جامعة الروح القدس ـ الكسليك»، مارون قصيفي. أين المشكلة، في متطلبات سوق العمل، أو في الثقافة السائدة أو في المناهج الجامعية؟ يلفت قصيفي إلى أن «هناك مشكلة أساسية في السوق، لا سيما الدكاكين الصغيرة من المكتبات والمطابع التي تنجز تصاميم سريعة أشبه بقص ولزق وسرقة من تصاميم أخرى جاهزة ومنتشرة عبر الانترنت والبرامج الالكترونية». ويعتبر أن «من يعمل بهذه الطريقة، تنقصه المهنية والخبرة اللازمة ولا يملك أي المام بأبعاد التصميم الفني وعمقه». 

هل يعني هذا أن كل مصمم فني من المفترض أن يكون موهوباً فنياً؟ يرى قصيفي أن «هذا الاختصاص له شق فني، إنما في الوقت عينه له شق علمي لا يمكن لمن يدرسه أن يستثنيه، فلا بد للطالب من أن يدرس الخطوط العربية واللاتينية والألوان وأنواع الورق والطباعة وكيفية إنتاج الفكرة وتطبيقها». ويؤكد أنه «لا يمكن اكتساب مهارات هذا الاختصاص من خلال دورة في أشهر معدودة كما بتنا نرى في بعض المعاهد، لهذا تقوم «جامعة الروح القدس» بتدريسه لخمس سنوات، ويتم العمل على تطبيق منهج «LMD» في السنوات المقبلة. 

من المعروف أن التطور التكنولوجي خدم هذا المجال، إنما في الوقت عينه شكل، وفق قصيفي، «تحدياً لكل عامل في الاختصاص، إذ بات عليه متابعة التطورات على صعيد البرامج والأجهزة والطباعة والتطبيقات، وهو ما حتم أيضاً إجراء تحديثات دورية على المناهج الدراسية». 

أما رئيس قسم التصميم الفني في جامعة AUST حليم شويري، فيعتبر ان «التحدي الأساسي أمام من يتخصص في «غرافيك ديزاين» هو استخدام التكونولجيا والبرامج للخروج بمنتج مبتكر». بهذا المعنى، يرى شويري أن «المصمم الفني، يتلقى ملخص العمل المطلوب منه، يحلله ويفهمه، ثم يجري بحثه ويكوّن مفهومه ورؤيته الخاصة، وأخيرا تأتي مرحلة التنفيذ وترجمة هذه العملية في عمل بصري». من هنا، يؤكد أن «التصميم» لا يقتصر على عمل بصري باهت، بل هو مرتبط بمحيط ما وله تأثيرات في مختلف جوانب الحياة، والسوق، والاقتصاد والقضايا الاجتماعية والحقوقية والإنسانية. وقد باتت حكومات في معظم البلدان الراقية تفتتح أقسام «تصميم وابتكار» لوضع استراتجيات وتطبيقات وتصميمات للقضايا التي تعمل عليها، لإيمانها بقدرتها على تدعيمها وقدرتها على التغيير». 

كيف يمكن أن نقيس الواقع في لبنان انطلاقاً من هذه المروحة الواسعة لهذا الاختصاص؟ يجيب شويري بأن هناك معاهد تقدم دورات سريعة تعلم الراغبين «قشور» الاختصاص، وأكثر ما تعلمهم هو نقل الرسوم من دون أن يتعلموا عملية استخلاص الفكرة أو ترجمتها بصرياً. في المقابل، نحن نعلم طلابنا أنهم بشكل ما مسؤولون عن «تصميم حياة الناس» وتقديم فنون راقية وحضارية تحيط بهم كيفما التفتوا من الكتب إلى الاعلانات إلى المجلات، وهو أمر لا يحق لنا الاستخفاف به». إنما شويري يعود ليوضح أن «السوق اللبنانية، تحتمل الحس الفني للمتخرجين والمصممين لكنها في الوقت عينه غارقة في التصاميم التجارية الباهرة من دون مضمون يُذكر، ونحن نحضّر طلابنا ونقول لهم إنهم في يوم من الأيام سيأتي إليهم زبون حاملاً رسماً جاهزاً مردداً جملة واحدة: «بدي متل هيدي». وهذا إعلان واضح وصريح لعدم اكتراثهم باللمسات الفنيّة للمصمم أو بإضافة نوعية منه». 

عملية «خلق» 

هذا ما واجه المصممة الفنية مايا الشامي في بداية خروجها إلى سوق العمل، إذ كان الزبون يطلب منها نقل تصميم آخر سبق أن نُشر في مجلة ما، وكان يتدخل ويدقق في الأشكال والألوان من دون أدنى اعتبار لرؤيتها وبحثها ومفهومها لعمل المنتج - العمل، وهو ما تغير بعدما طورت الشامي عملها من جهة، وفرضته متكاملاً على الزبون الذي باتت تختاره بشكل انتقائي بشكل يحترم ما تضيفه على التصميم. وتقول الشامي إن «الأغلبية لا تقدر معنى صناعة الصورة، ومعنى إيجاد هوية متكاملة لشركة أو مجلة أو متجر أو مسرح أو مطعم». ولا تنفي أن «من يعمل في هذا المجال لا يشعر بالامان، ويشعر بأن عمله هش أو معرض للسرقة أو النقل، فلا قوانين تحمي الملكيّة الفكريّة ولا أخلاق مهنة تمنع التطاول على تصميمه. والمتخرجون من مستويات مختلفة وبعضهم يرضى بالعمل في القص واللصق في مقابل بدل زهيد، وبالتالي هم يؤثرون في مستوى المهنة من جهة، ومن جهة أخرى يدفعون إلى «تسعيرة» متواضعة تؤثر في المقابل المادي الذي يستحقه العمل الفني المحترم». وتوضح الشامي أن «لا أحد يمكن أن يطغى على الآخر، وكل من يعمل في هذا المجال يحدد سوقه ومجال عمله بنفسه، إنما لا بد من التمييز بين المنفذين والمصممين الفنيين». 

نظرة إلى «السوق» 

تقول سمر شيباني، التي تعمل في مجال التصميم الفني، وهي طالبة ماجستير «تصميم فني وتواصل بصري» في كلية الفنون في الجامعة اللبنانية، ان شمولية الاختصاص هي التي تساعد الطلاب على الإلمام بمجالهم، وتقدير جوانبه وميزاته الفنية». شيباني التي سبق أن حصلت على شهادة الليسانس من جامعة خاصة، وهي عضو في نقابة «مخرجي الصحافة ومصممي الغرافيك» تلفت إلى أن المناهج الموسعة في الجامعة اللبنانية جعلت الطلاب على تماس مع كثير من التطورات التي تطرأ على هذا العالم، فطالب الماستر على سبيل المثال يدرس إضافة الى المواد المتعلقة بشكل مباشر بتقنيات التصميم الفني، مواد إخراج، تصوير فوتوغرافي وسينمائي، إعلان، كيفية إيجاد ماركة خاصة، وخلق هوية بصرية وتصميم مواقع الكترونية، إضافة إلى تصميم بأبعاد ثنائية أبعاد ثلاثية». 

يبقى توصيف واقع التعليم والمناهج نظرياً، إذا لم يراقب المرء عمل طلاب هذا الاختصاص، ومدى قدرتهم على تنفيذ ما درسوه في الجامعة. الامتحان الأساسي يكون في مشاريع تخرجهم التي تلزمهم إنتاج هوية لشركة والعمل على تحليلها، وإبداعها وتنفيذها وتطبيقها من الألف إلى الياء، بما في ذلك رسم اللوغو، واختيار شكل التصميم، ونوع الورق، والألوان وتدرّجاتها، إضافة إلى كيفية تركيب التصميم أو طوي المنشورات، وما إلى ذلك. هذا ما يمكن مراقبته في عدد من المكتبات والمطابع التي تزدحم بالطلاب بين فصلي الخريف والربيع الدراسيين. 

في واحدة من هذه المطابع في البقاع، يتزاحم الطلاب منهمكين بإنهاء مشاريع تخرجهم قبل المدة المحددة للتقديم. بين هؤلاء من أنجز فكرته وتصميمه وينتظر أن تتم طباعة عمله ليعود و«يطبقه». لكن تبقى الأغلبية هي التي تجلس على المقاعد في صدر المطبعة تنتظر دورها.. لتستلم عملها «كاملاً مكملاً». فجنى المصممة الرئيسية في المطبعة سبق أن تخرجت بدرجة أولى وبدلاً من أن تقوم بتصاميم فنية، يطلب منها الطلاب الزملاء أن تنجز فروضهم! وبدوره يقوم مالك المطبعة، بترتيب التصاميم بعد طباعتها، مصدوماً بالمستوى الرديء للطلاب!». 

المشهد هذا، يتكرر في كثير من المطابع والشركات، بحيث ازدهرت «مهنة» التصميم «الاكسبرس» تماماً «كمهنة» تصوير المستندات.


Script executed in 0.1923189163208