أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

يوم المرأة العالمي... يا نساء العُرب هيّا

الخميس 08 آذار , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,875 زائر

يوم المرأة العالمي... يا نساء العُرب هيّا

في رحلة البحث عن النساء المزارعات في الجنوب، توجهنا إلى السهل الساحلي الممتدّ من منطقة الزهراني حتى الناقورة، حيث تنتشر بساتين الحمضيات وحقول الخضر والموز ومروج الحبوب. انطلقنا باكراً لنلتقي بالفلاحات اللواتي لا تزال ملامحهن وهممهن القوية، تتردّد في حكايا الجدّات لدى استعراضهن لتجربة العمر. «تفتح البنت عينيها في منزل ذويها على العمل متعدد المهمّات»، تقول الحاجة أم محمود (75 عاماً).


منذ الصغر تصبح أماً و«ست بيت» بديلة تتولى رعاية إخوتها وتتدبر شؤون المنزل، في غياب أمها التي تكون قد غادرت مع حلول الفجر إلى الحقل. لكنها وقبل المداومة من الفجر إلى النجر، تكون قد أعدت الطعام لعائلتها قبل انبلاج الليل.

بعد انتظار طويل، لا تأتي الفلاحات القرويات، بل تتدفق رفوف من نساء تترواح أعمارهن بين مقتبل المراهقة ومقتبل الشيخوخة. تحرص الصبايا على إخفاء ملامحهن خجلاً، خلف وجوه تعبة وطبقات متعددة من الثياب المعفرة بالتراب. أمامهن يسير رجل يقودهن إلى نقطة عملهن لهذا اليوم. الراعي لبناني، لكن النساء عاملات سوريات من ضمن آلاف لحقن بأقاربهن الذين سبقوهن للعمل في قطاع الزراعة في لبنان. نسأله عن اللبنانيات. يجزم بأنهن «انقرضن» في المنطقة، إذ باتت الزراعة تعتمد على العمال والعاملات الأجانب ذوي الأجرة الأرخص والمحرومين من الضمان. بالنسبة إلى النساء، يلفت إلى أنهن «أقلعن عن أساليب العيش القديمة وتوجهن نحو العلم والوظائف أو (تستتن) في البيوت»، مقرّاً بأن سبب «السماح لهن بالخروج والعمل كان الحاجة إليهن قبل موضة استئجار العمال». والأهم أنها بذلك «لا تصنف عاملة بل تساعد عائلتها، أي تقوم بواجبها». نكمل جولتنا بحثاً عن المزارعات اللبنانيات. في سهول العباسية ودير قانون النهر لا يتبدل المشهد كثيراً. «اجتياح» العمال السوريين والفلسطينيين للحقول، يدفعنا إلى طلب المساعدة في العثور على اليد المحلية. واللافت أن من كانت سيدة مزارعة في شبابها، أصبحت الآن عجوزاً وفّر لها أبناؤها، في حال سمحت قدرتهم المادية، عاملة أجنبية تريحها في المنزل بعدما حلّ محلها في الحقل عمال آخرون. يدلنا رجل عجوز إلى جناتا ودبعال وبافليه وأرزون. قرى صغيرة الحجم، لكن سكانها القليلين متمسكون بزراعة التبغ التي لا تعير عمّالها إلى أي قطاع آخر. من هنا، تتوجه عجلتنا نحو صريفا حيث العدد الأكبر من «مزارعات التبغ».

الدخان الذي يستمر طوال أربعة عشر شهراً متواصلاً، يقوم على أكتاف النساء في صريفا بمراحله كافة. فاطمة بركات (49 عاماً) تعدّ من أكثر المزارعات إنتاجية. تنتج في كل موسم مئات الكيلوغرامات من التبغ بمساعدة زوجها. لكن هذا ليس كل شيء. فهي حالياً أم لستة أولاد وربة منزل حديث، انتقلت إليه منذ ثلاث سنوات بعد ورشة بناء استمرت عشر سنوات، أنفقت عليها من عرق جبينها مع زوجها. ورغم تبدل طرق العيش، فإن فاطمة لا تزال عالقة في حكايا الجدات. كان صعباً عليها أن تقلع عن عادة «زقّ» أدوات المطبخ والثياب للجلي والغسيل من منزل ذويها نحو العين و«زق» مياه الشرب في طريق العودة، منذ كانت في الثامنة من العمر. كانت تتولى شؤون المنزل وإخوتها عن والدتها المتنقلة بين الحقول وتقسم وقتها بين هذا وبين مدرستها التي ضحّت بها بعد عامين في صف الخامس الابتدائي. زواجها في سن العشرين لم «يستّتها»، بل زاد من وتيرة عملها. وفيما كانت تشتغل لصالح عائلتها، باتت تركض بين منزلي عائلتها وعائلة زوجها وحقول التبغ للطرفين.

يقاوم جسد فاطمة الانهيار إلى أن تضمن مستقبل أولادها الذين لا يزالون في كنفها. بحرقة، تقاطعها جارتها إلهام (56 عاماً) التي ولدت «شغيلة» بين منزل ذويها وحقلهم إلى أن ترمّلت وهي في الثانية والعشرين وأم لثلاثة أطفال. كبر الثلاثة واستقل كل منهم في حياته الخاصة. مع ذلك، فإن ركضها لكسب لقمة العيش لم ينته. لا تزال تقسم وقتها بين العمل في قسم التنظيفات في إحدى المدارس والمستوصفات وبين حقل التبغ. بعد انتهاء الدوام مع حلول الليل، لا تجد إلهام من يكرّمها كسيدة مناضلة. «شو صاير عليك» يقال لها. في إشارة إلى أن «النساء سابقاً كن يعملن بدافع الحاجة ولمساعدة عائلاتهن. وقطاع العمل المناسب الوحيد حينها كان الزراعة. وفي حال انتفت الحاجة المادية انتفت النساء المزارعات» تقول إلهام.


مُدْرجات في «سيداو»


تشكو كلّ من إلهام وفاطمة، عفوياً، عدم تقدير كفاحهما. إلا أن هذه الشكاوى لم تؤسس لتشكيل نقابة أو تعاونية لضمان الحقوق. زميلتهما علية نجدي قررت تكريم نساء صريفا المزارعات بترشيح إحداهن إلى المجلس البلدي قبل عامين. لكنها قوبلت بسؤال اعتراضي: «شو ما فش زلم بالضيعة؟». وبالنظر الى سجلات المزارعات الشخصية اللواتي يسلمن محاصيل التبغ في مستودع صريفا، أي أن الرخصة باسمهن، يتبين أنهن إما أرامل أو يتيمات ورثنها عن أهاليهن أو مطلقات أو قلّة من القادرات على فرض إرادتهن. فالرخصة ليست ورقة فحسب، بل هي تمكّن صاحبها دون غيره من تسليم المحصول وقبض سعره وبالتالي التصرف به. مع ذلك، فإن الرخص حكر على الرجال، إلا نادراً. لا تعلم المزارعات بأنهن كنساء ريفيات، ملحوظات في المادة الرابعة عشرة من اتفاقية القضاء على أشكال التمييز ضد المرأة، السيداو، «نظراً للأدوار الهامة التي تؤديها من أجل تأمين أسباب البقاء لأسرتها».


Script executed in 0.20471286773682