أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

"الحطة و العقال".. رحلت مع رجالها

الأحد 11 آذار , 2012 03:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 17,416 زائر

"الحطة و العقال".. رحلت مع رجالها

الحطة والعقال من عناوين تلك الأيام والرداء الوحيد الثابت على الرؤوس. ولم يكن العقال مجرد رداء يوضع على الرأس كي لا يبدو »اقرع« كما كان يقال، بل لوضعه اصول وفنون ابتداء بالشكل وليس انتهاء بالمضمون. 
من حيث الشكل فإن الحطة عبارة عن قطعة قماش بيضاء رقيقة توضع على الرأس فيما يرفع جنباها ويتم تثبيتها بعقال اسود. ولا تعود بدايات ارتداء هذا الزي الى تاريخ محدد او شريحة معينة من الناس، كما انها غير محصورة بمنطقة دون اخرى، بل »هي وليدة الحاجة لدى اهالي تلك الحقبات« كما يقول الحاج محمد عيسى، »فهي بتشبيه معاصر كانت في الكثير من الاحيان تقوم مكان قبعة زمننا او مكان الطربوش عند شريحة معينة، وذلك لحماية الرأس من الشمس حيث كانت جميع الاشغال تنجز في الفلاة. ويلفت إلى أن ارتدائه كان »يشير الى اكتمال عود الشاب واستحقاقه بأن يطلق عليه لقب الرجل«. 
ومع انعدام الحاجة ودخول الموضة العصرية الى لباس الاهالي لا سيما زيادة الاختلاط المدني تحول هذا اللباس الى عادة لدى كبار السن وراح يختفي مع الوقت عن رؤوس الشباب حتى اصبح في ايامنا مجرد تراث يلفت الانظار. 
ويشير الحاج رائف فياض إلى انه كان لارتداء الحطة والعقال تقاليد واصول، فقد »كانت تنكس الى الاكتاف في حالات الحزن، وتربط على الرأس للاشارة الى ان مرتدي الحطة مستعد للمشكل عند احتدام النزاعات بين الاشخاص او العائلات، فيما كان العقال يستعمل للضرب كالكرباج. أما رفع العقال عن الرأس ورميه على الارض من قبل صاحبه فإن ذلك يدل على ان الامور وصلت الى حد لا يطاق، ام نزعه من قبل شخص آخر امام الناس فتلك اهانة لا تغتفر، وعند وقوع النزاع فإن غنم حطة شخص ما فتعتبر غنيمة ثمينة. ويحكي الحاج فياض انه وبعد هزيمة العرب بفلسطين، انقلب لون الحطة من الأبيض إلى الأسود عند البعض تعبيراً عن الحزن والهزيمة. 
وللحطة والعقال أصولهما في الأفراح أيضا، فكان العقال يستعمل بدل السبحة خلال الدبكة والاستعراضات وزف العريس، كما ان للحطة اصولا وطرقا في طيها وترتيبها، بحيث يتم كيها بشكل دقيق جدا لتظهر كسراتها وتوضع بعناية وتنسيق على الرأس فيما يحرص مرتديها على ان تكون بشكل مسنن على مقدمة الرأس تماما وطبعاً ناصعة البياض. 
اما نوعية القماش فهي بصورة عامة تحاك من القطن الطبيعي وقلة من الاشخاص كانت تستعمل الحرير للتدليل على يسر الحال، واما العقال فهو عبارة عن خيطان سوداء سميكة مجدولة بطريقة معينة مع شرابة طويلة من الخلف. وكانت مبادرة الاب الى إهداء حطته لابنه موضع فخر واعتزاز لدى الابناء ودليلا على ثقة الاب بهم ونقله مسؤولية البيت اليه من بعده. 
اليوم، ومع مرور الزمن، تفتقد بنت جبيل وكل القرى اولئك الرجال، ففي زمن العصرنة، تخلّى رجالها عن بعض من تراثهم وتقاليدهم وعاداتهم!! فافتقد سوق الخميس حلته البيضاء التي كست ساحته يوما، وسهرات الدبكة واهزوجة العتابة والميجانا. 
اليوم تستذكر بنت جبيل العشرات الذين ما زالوا في ذاكرة من عاصروهم واحتفظوا بحطاتهم حتى آخر ايامهم، داوود الحاج سليمان بزي، محمود اسماعيل سعد، الحاج عقيل بيضون، محمد علي سعيد بزي، محمد علي أسعد بيضون (ابو شفيق) المختار، نعمة هيدوس، حسيب سعد. والكثير الكثير من رجال بنت جبيل الذين طوى الموت صفحات حياتهم. 

Script executed in 0.18936395645142