أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

سلفيو تونس ... ظاهرة تهددّ المكتسبات «الأصلية»؟

الأربعاء 14 آذار , 2012 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,254 زائر

سلفيو تونس ... ظاهرة تهددّ المكتسبات «الأصلية»؟

 لا يشغله اليوم بالتأكيد مطلب «بن علي Degage» (بن علي ارحل) بعد عام ونيّف على هروبه، بل تغرقه حالة من الانقسام الفكري والايديولوجي والسياسي الحاد، ليتجه البعض الى القول مجدداً «النهضة Degage»، مقابل بعض آخر بدأ ينادي بالخلافة الإسلامية. 

سجال الهوية واضح في تونس التي مضى على سيطرة حركة النهضة الإسلامية على السلطة فيها، حكومةً ورئاسةً ومجلساً، مباشرة او بالتحالف، حوالي 5 اشهر، من دون تلبية اي من مطالب «ثورة الياسمين». فـ«حرب» السياسة والمجتمع، القائمة حاليا، ليست كما يستسهل البعض توصيفها دوغمائياً، على انها بين يسار ليبرالي وتيار اسلامي استولى على مقاليد الحكم حديثا، بل تبدو «المعركة» اكثر راديكالية بين «من هم مع النهضة الاسلامية ومن هم ضدها»، على حدّ تعبير احد اساتذة الاعلام الجامعيين الناشطين سياسيا في تونس، في اشارة الى فئة من التونسيين الذين يعترفون بإسلامهم من جهة وبديموقراطيتهم من جهة اخرى، منتقدين على السواء، اليسار التونسي لتقصيره في كثير من المحطات السياسية، و«النهضة» التي «خطفت الثورة» بخطابها الديني. 

مؤشرات سوسيولوجية 

... استقبال الداعية الاسلامي المصري وجدي غنيم، في تونس ليدعو الى ختان الاناث معتليا المساجد ومنابر الاماكن العمومية .. دعوة رئيس حركة النهضة السابق الصادق شورو الى قطع أرجل وايدي المعتصمين الذين «يمثلون جيوب الردة التي تسعى في الارض فسادا».. الصمت على ما يقوم به سلفيون من ممارسات استرعت غضباً شعبياً كهجومهم على كلية آداب منّوبة، في العاصمة، للسماح للمنقبات بدخول الحصص الدراسية.. التساهل مع ما قام به احد السلفيين امام الكلية ذاتها، واضعا علما اسود (كتب عليه لا اله الا الله محمد رسول الله) محلّ علم تونس، قبل ان تتصدى له شابة جامعية وتتعرض للضرب.. كلها مؤشرات حسيّة عدّدها محام تونسي، معارض للاسلام السياسي، رفض الكشف عن اسمه في حديث لـ«السفير»، واصفا اياها بأنها «غير كافية لإخافة التونسيين والتونسيات، الا انها مؤشرات اكثر من كافية لفرض حالة من اليقظة لدينا جميعا لما يُعدّ للبلاد». 

كان من السهل على الشاهد على «حادثة العلم» في 7 آذار الماضي على سبيل المثال، ان يتحسّس هذه اليقظة اثر السخط الكبير الذي ارتسم على وجوه المعارضة التونسية، التي تشمل الى جانب اتحاد الشغل ـ رأس الحربة في المعركة المعيشية - الاقتصادية ضد «النهضة» ـ النخبة الجامعية والنقابية واليسارية والحزب الديموقراطي التقدمي. فالضجة الهائلة التي فرضها إنزال الشاب السلفي العلم التونسي امام الجميع في خطوة رأى فيها المعارضون «انتهاكا لكرامة البلاد واهانة للعلم الذي استشهد لاجله الالاف»، والتي عمّت كل ارجاء تونس فتناقلتها ألسنة آلاف الممتعضين، كانت كفيلة بإثبات جهوزية الشارع لرصد «اخطاء» السلطة الاسلامية على قاعدة «العيون عشرة عشرة». 

ومع ذلك، يعرب استاذ علم الاجتماع التونسي محسن بوعزيزي، قريب الشاب محمد بوعزيزي الذي اطلق شرارة «الياسمين»، عن قلقه ازاء «المسافة التي تفصل بين النخبة والمواطن العادي». ويعلّق لـ«السفير» قائلا ان الشارع التونسي «نخبوي اليوم، والمواطن العادي لا حضور فعليا له على الارض، واظن ان ذلك مرتبط بالصراع بين النخبة والشعب، اذ هناك مسافة فكرية وثقافية بين من نزل الى الشارع للاحتجاج على انزال العلم مثلا، وبين من له اهتمامات مغايرة واستطاعت حركة النهضة الاقتراب منه اكثر بخطابها وفكرها السياسي والديني». ويضيف بوعزيزي الذي شارك في 8 آذار الماضي في احتجاج النساء التونسيات دفاعا عن مكتسباتهن في يوم المرأة العالمي، «الغالبية الصامتة في تونس (80 في المئة) بعيدة عن هذا الجو النخبوي على قاعدة نخاف الله»، مشيرا الى ان النهضة وصلت اسرع الى قلب المواطن العادي «لانها ببساطة تتخذ من الدين مطية لممارسة السياسة وهي اسهل الطرق.. ترفع شعار لا اله الا الله من هنا وتحتكر الاسلام من هناك.. في وقت لم تبلور النخب حتى الان افكارها التقدمية لتلمس المواطن التونسي». 

الحراك السلفي 

قد تكون ظاهرة السلفيين الاكثر اثارة في تونس اليوم، لكل من الطرفين، الاسلامي وغير الاسلامي. فالاول يعتبرهم، كما قال زعيم «النهضة» راشد الغنوشي، «ابناء البلد ويحق لهم التعبير عن افكارهم بديموقراطية»، فيما يظهر على الثاني تخوّفه الكبير من تمددهم وتغييرهم وجه تونس وهويتها. السخونة التي يشعر بها الناشطون الليبراليون ازاء الصعود السلفي في البلاد بعد وصول «النهضة» الى السلطة، تقابلها برودة في التقييم تعلو نبرة وزراء الحكومة «النهضاوية» برئاسة حمادي الجبالي. 

يبدو وزير الثقافة التونسي مهدي مبروك متشددا في انتقاده حادثة جامعة منوبة معتبرا ان «ما جرى مشين ولا يليق بثورة. فالعلم هويتنا ورمز كرامة الوطن. وما حدث تحوّل خطير من ثقافة الاحتجاج السلمي»، قبل ان يستطرد قائلا «كنت عالم اجتماع ودرست الظاهرة السلفية. هناك تقاطع مع النهضة لكن لا يلتقي مشروع الأخيرة ابدا مع مشروع السلفيين.. قد يكون هناك تكتيكات انتخابية لكن هي لا تمدّ السلفيين بأي مشروعية، اذ ستكون النهضة أكثر المتضررين من هذه الممارسات.. كما ان لا اثبات على ذلك». 

ويضيف الوزير الذي ينزع عن نفسه صفة «النهضاوي» خلال حديثه لـ«السفير» مؤكدا انه «مستقل» (على خلاف ما يصفه المعارضون به)، «لا اعتقد ان النهضة ترى في ما يحدث امرا ايجابيا لها. فمن سيدفع ثمن الأعمال هذه هي النهضة، لان خصومها سيقولون ان الاسلام السياسي واحد ومن هذه الطينة». وعن تأثير ظاهرة التشدد الاسلامي على المرأة التونسية التي نزلت الى الشارع دفاعا عن مكتسباتها، قال مبروك «لكل الشرائح الحق في إبداء رأيها والتعبير عن تحفظاتها، لكنني ضد الفزاعات. لا اعتقد ان النهضة او الترويكا (رئيس الجمهورية منصف المرزوقي، وهو رئيس حزب المؤتمر من اجل الديموقراطية، رئيس الحكومة النهضاوي حمادي الجبالي، ورئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر وهو امين عام حزب التكتل) يريدون المس بمكتسبات المرأة»، خاتما بالقول «لا يمكنني سجن او كمّ أفواه الاصوات الشاذة.. لا يمكننا صون صورة المرأة بالقمع» في اشارة الى كلام الداعية غنيم عن ختان الاناث. 

واضح ان ما استفزّ المعارضين لم يستفز مبروك. وتقول المحامية والناشطة السياسية ديسم تريمش انها لا تطالب بكمّ افواه السلفيين بل «بالامان الذي بدأت المرأة التونسية تفتقده لدى خروجها من منزلها.. ما تبدّل هو اننا اصبحنا نأخذ بعين الاعتبار ما نلبسه كنساء تبعاً للجهة التي نتجه اليها.. وهذا غريب عن تونس ما قبل النهضة». وتضيف بالقول ان المثقفة التونسية كانت «تمشي على روحها» (بالتعبير التونسي) «وما ندافع عنه هو ما توفر للمرأة في السابق وتحصين حرياتها ومساواته مع الرجل.. طرح حقوق المرأة اليوم اشكالية بحد ذاتها. مجرد الحديث عنه أمر مقلق». 


Script executed in 0.19227409362793