أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

إنترنت بالليل

الثلاثاء 10 نيسان , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,748 زائر

إنترنت بالليل

«تعرفون يا دولة الرئيس أن العمل في بلادنا يقوم على الاتصالات، وتعون أيضاً تفاصيل المشكلة التي نعاني منها وسببها وحجم الخسائر التي يتكبّدها الاقتصاد ككلّ من جراء استمرارها». هكذا قدّمت مجموعة من «لوبيات الأعمال» شكواها إلى الرئيس نجيب ميقاتي أخيراً. شكوى تتعلّق مباشرة بأداء رئيس هيئة «أوجيرو» وامتناعه عن تسهيل الأعمال. والرد عليها كان وعداً بأنّ الدخان الأبيض سيظهر قريباً

الخبر الجيد: خلال أسبوعين تقريباً سيتمتّع المشتركون بالإنترنت عبر تقنية «DSL» بسعات غير محدودة من منتصف الليل حتّى الساعة السابعة صباحاً.

الخبر السيّئ: التنفيذ الفعلي لهذه العملية مرتبط بمدى استجابة رئيس هيئة «أوجيرو» ومديرها العام عبد المنعم يوسف، الذي يُسيطر على مختلف الصنابير التي تمدّ لبنان بسعاته، الخارجية والداخلية.

ليست هذه الازدواجية الخبرية مفاجئة لأحد، فقد اعتاد مشتركو الإنترنت (والاتصالات عموماً) طوال السنوات الأخيرة سلوكاً غير مفهوم من قبل عبد المنعم يوسف، إذ بحكم صلاحيّاته غير المعقولة (ثلاثة مناصب رسمية في آن واحد، منها منصب المدير العام للاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات أيضاً!) يستطيع أن يُسيّر ما يريد، يُعرقل ما لا يُعجبه، ويلعب على التوازن المذهبي في قطاع لا يحتمل ثانية من التأخير.

ورغم التبشير بصعود الدخان الأبيض قريباً ـــ من لقاءات عديدة بشأن هذه المشكلة عُقدت في السرايا الحكومية مع الرئيس نجيب ميقاتي ـــ بقيت الأمور على ما هي عليه: عبد المنعم يوسف يرفض تنفيذ تعليمات وزارة الاتصالات؛ فعل ذلك في عهد شربل نحاس، ويستمر بسلوكه مع نقولا صحناوي.

فقد التقى رئيس مجلس الوزراء قبل أسبوعين تقريباً وفداً ضمّ ممثلين عن جمعية المصارف، جمعية مطوّري البرامج، جمعية المعلوماتية، جمعية الاتصالات، غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان... وتبلّغ ممثّلو هذه الجمعيات أن الحل بات قريباً. وتقضي صيغة الحل ـــ كما أضحى متداولاً منذ فترة ـــ بتجريد عبد المنعم يوسف من أحد مناصبه الثلاثة (المدير العام لـ«أوجيرو»، رئيس مجلس إدارة «أوجيرو»، مدير الاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات)، بما يسمح بنزع قبضته المتحكمة في واحد من أهم القطاعات.

ويوضح أحد المشاركين في هذا الاجتماع أن الوفد شرح للرئيس ميقاتي كيف أنّ مشغّلي الإنترنت لا يستفيدون من السعات الوفيرة المتاحة، التي تضاعفت أخيراً. «قلنا صراحة إنّ عبد المنعم يوسف يعوق استفادتنا من هذه السعات، وبالتالي يفوّت على البلاد فرصة الاستفادة التكنولوجية، ويفوّت على الخزينة مبالغ كبيرة».

والسعات الدوليّة لاستخدام الإنترنت هي بمثابة الطحين لصناعة رغيف الخبز، من دونها العملية غير ممكنة وبتغييبها تتراجع السرعة وتنخفض القدرة على تصفّح الشبكة وتُهدر الأموال على أكثر من صعيد. ففي الجانب المباشر، يُضطرّ مزوّدو الإنترنت في القطاع الخاص إلى شراء السعات من مصادر أخرى تكون أكثر كلفة وأقلّ فعالية لتسهيل أعمال المشتركين. ويوضح أحد خبراء الاتصالات أنّه «منذ 6 أشهر لم تحصل شركات الإنترنت على سعات إضافية من «أوجيرو»، وتُضطرّ إلى شراء السعات المطلوبة عبر الأقمار الصناعيّة، وأعتقد أنّ هذا أحد الأسباب الرئيسيّة التي دفعت إلى اللقاء الأخير».

ووفقاً للحسابات التي حصلت عليها «الأخبار» من مصادر شركات الإنترنت (ISPs)، فإنّ الهوّة بين ما تحتاج إليه من السعات وبين ما يؤمّنه عبد المنعم يوسف لها كبيرة لدرجة أنّها تُضطرّ إلى شراء سعات بكلفة مليوني دولار شهرياً. «هذا مبلغ كبير ونُسدّده بتعرفة عالية، بينما يُمكننا في المقابل الحصول على السعات من وزارة الاتصالات بكلفة أقلّ لكن بكميات أكبر ونفيد الخزينة العامّة في آن واحد؛ إنّه وضع مضحك فعلاً!» يُعلّق مدير إحدى تلك الشركات.

ويصف هذا المدير وضع القطاع حالياً بأنّه «عاد إلى ما كان عليه» قبل أن يُضطرّ عبد المنعم يوسف إلى الإفراج عن بعض سعات الإنترنت في صيف عام 2011 بعدما حجزها لفترة طويلة. وحينها تحدّث المطّلعون عن خوف هذا الموظّف الرسمي من الدعاوى المرفوعة ضدّه التي لا تزال قائمة حتّى الآن. وللتذكير، فإنّ عبد المنعم يوسف لا يزال يمتنع عن تنفيذ الأوامر الرامية إلى تحرير المزيد من السعات التي يؤمّنها الكابل البحري «IMEWE» المنطلِق من الهند، والذي يصل إلى طرابلس. وقد أشارت الأمم المتّحدة أخيراً إلى هذه المشكلة، إذ تحدّث تقرير «الملامح الإقليمية لمجتمع المعلومات في غربي آسيا ـــ 2011» عن «تأخّر الاستفادة من هذا الكابل لأسباب سياسيّة» (راجع: الأمم المتحدة تشير إلى عرقلة سياسية للإنترنت في لبنان، http://www.al-akhbar.com/node/61606 ).

«في كلّ خزّان لسعات الإنترنت في لبنان هناك صنبور، ولعبد المنعم يوسف سيطرة كاملة على جميع الصنابير الموجودة، يفتحها ويغلقها ساعة يُريد. وفي معظم الأحيان يُفضّل إغلاقها!» يتابع مدير الشركة نفسه كلامه. «ولا تنحصر عرقلته في مجال السعات، فهو يؤخّر اشتراكات الـDSL كما يؤخّر تخليص البضائع التي نستخدمها لتيسير أعمالنا».

إذاً، المشتركون سيبقون محكومين لازدواجية الخبر: الجيّد والسيّئ. وهذا ينطبق على خطوة وزارة الاتصالات الأخيرة، الرامية إلى استغلال ساعات تراجع استخدام الإنترنت (Low Usage Hours) لخفض الكلفة على محتاجي كميات كبيرة من التنزيل (Download) والتحميل (Upload)، فهذه الخطوة مهمّة ولكن تحقّقها ليس مضموناً. فالاستخدام غير المحدود يحتاج إلى سعات كبيرة يُفترض أن تتمتع بها الشركات التي تؤمّن الاشتراكات لكي ترفع هامش القدرة. وبغياب السعات ستؤّثر سياسة الكميات غير المحدودة على السرعات المتوافرة، وقد تتراجع السرعات المتوافرة للبعض إلى 500Kb/s أو حتّى 300Kb/s، مع العلم بأنّ السرعة الأدنى وفقاً لجدول خطط اشتراكات الإنترنت هو 1Mb/s. وهكذا، عوضاً عن المضي قدماً صوب البلوغ التكنولوجي، يصرّ البعض على دفع القطاع إلى الخلف. وتماماً كالفيلم الشهير الذي منعته الرقابة السياسية، «بيروت بالليل» ـــ رغم أنّه نسخة درامية تعجّ بالواقع ـــ يبقى لبنان في ليل الإنترنت بانتظار أن يخرج الدخان الأبيض من داخون السياسة.

2

مستوى بلوغ لبنان على صعيد دور المعنيّين من القطاعين العام والخاص في بناء مجتمع العلومات وفقاً للأمم المتّحدة؛ والمستوى الأرفع هو 4

31%

معدّل اختراق الإنترنت بنهاية عام 2010 وفقاً للاتحاد الدولي للاتصالات، ما يجعل لبنان في المرتبة 9 بين 14 بلداً في غرب آسيا

4.7%

نسبة اختراق الإنترنت بتقنية الحزمة العريضة (Broadband) في لبنان في بداية العام الماضي بحسب الأمم المتّحدة، وهو معدّل منخفض جداً

إنّه يخالف التعليمات

يؤكّد وزير الاتصالات نقولا صحناوي لـ«الأخبار» أنّ إدارة «أوجيرو» مُجبرة على تنفيذ تعليمات وزارة الاتصالات في ما خصّ فتح السعات ليلاً لتكون مجانية. «يحتاج الأمر فقط إلى برمجة لإلغاء الفوترة في فترة السماح». غير أنّه يُشير في الوقت نفسه إلى أن عبد المنعم يوسف يخالف التعليمات لناحية توزيع السعات (خطوط E1). «يحرم الشركات السعات، وحتّى يمتنع عن زيادتها لشركتي تشغيل الهاتف الخلوي «Touch» و«Alfa»».

Script executed in 0.18971300125122