أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

حرب "إسرائيل" عام 2006... تمنع الحرب المقبلة ضد لبنان

الخميس 10 أيار , 2012 06:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 4,851 زائر

حرب "إسرائيل" عام 2006... تمنع الحرب المقبلة ضد لبنان

 

 لا يغيب عن معظم التقارير الاسرائيلية، المبثوثة او المكتوبة، والمتعلقة بقدرات الجيش الاسرائيلي، وأساليب قتاله وكيفية بناء وتشغيل القوة لديه، وبالتالي افهام الاعداء والحلفاء، وايضا الاسرائيلي، بأن الفشل في الحرب الماضية لن يتكرر في المستقبل. لا يمر اسبوع، من دون تصريح او موقف او تقرير اعلامي، او حديث لاحد المسؤولين العسكريين، وحتى السياسيين، دون ذكر الحرب وعبرها، والتأكيد على تجاوزها، لكن كل هذه المواقف وهذه التصاريح، تؤكد، من جديد، على ان حرب عام 2006، والفشل الذي مني به الجيش الاسرائيلي في حينه، بات محفورا عميقا في الوعي الاسرائيلي، من دون قدرة على محوه او احتوائه.

التدريبات، والمناورات، والوسائل القتالية المختلفة، التكتيكات واستراتيجيات الحرب، اضافة الى الدفاع السلبي وبناء الملاجئ وتحصين المنشآت، وبما يرتبط ايضا بتقارير خيالية تهدف الى رفع المعنويات والحرب النفسية، كلها تبنى وتنشأ، بناءً على عبر الحرب الماضية، ومحاولة التأكيد، على ان الحرب المقبلة ستكون مغايرة، مع التشديد، بمناسبة او غير مناسبة، على الانتصار فيها.

مع ذلك، ورغم ضخامة الجهد الاسرائيلي المبذول في الواقع، وايضا غير المبذول، لأن جزءا كبيرا من هذه التقارير يخدم غايات الحرب النفسية ضد لبنان وقوس المقاومة عموما، يشير الى استعداد اسرائيلي ممتاز لخوض الحرب، انما لحرب شبيهة بالحرب الماضية، ولا يشير بالضرورة، الى ان "اسرائيل" جاهزة، للحرب المقبلة، خاصة ان الطرف الاخر، يستعد بدوره، وبطبيعة الحال، لحرب مع كثير من المفاجآت، الموعودة والتي ينتظرها الاسرائيليون، من دون ان يعلموا ماهيتها، رغم تواصل تقديرها وصوغ سيناريوهاتها على طاولة المناقشات الاستخبارية في اسرائيل.

في نفس الوقت، تؤكد تقارير العبر الاسرائيلية، حجم الفشل في حرب عام 2006، وتشعب الاخفاقات فيها، وتفرعها الى كل اذرع الجيش الاسرائيلي، بدءا من الجندي وطريقة ادائه وتنفيذه للاوامر والخطط، وصولا الى اعلى المستويات، لدى هيئة الاركان، وايضا لدى الجسم السياسي، المناط به المصادقة او الامتناع، في الاساس، حيال قرار الحرب واستمرارها وكيفية ادارتها واستثمارها سياسيا.

ومع ذلك ايضا، فان للحرب عبرا، لم يجر تداولها اسرائيليا، الا لماما، وتحديدا لدى عدد من الكتبة الباحثين في الشأن العسكري والاستراتيجي، الذين بحثوا في الحرب المقبلة، وكيفية مواجهتها وخوضها، وصولا الى إمكان تحقيق نتائجها، ليستخلصوا، بمعظمهم، ضرورة عدم خوضها والامتناع عنها، مهما كلف الامتناع من اثمان.. وبعيدا عن أثمان الحرب، ايضا، يرى عدد من الاستراتيجيين في كيان العدو ـ وهو ما تشهد عليه سنوات الامتناع الاسرائيلي الاخيرة عن خوض الحرب رغم الدافعية الكبيرة لدى تل ابيب لخوضها ـ انه في نهاية المطاف، الحرب تكون غائية، وتهدف لتحقيق غاية، وتغيير واقع تهديدي او درئه او اجتثاثه، وليست حربا تهدف لالحاق خسائر وتلقي خسائر، ومن ثم الموازنة فيما بينها، لتحديد من خسر او انتصر فيها. واذا لم تحقق الحرب نتيجتها، وغيرت الواقع، وكان من شأن اسثمارها سياسيا الابقاء على تغيير الواقع الميداني لمدة طويلة نسبيا، فلا طائل منها، وتعد خاسرة قبل ان تبدأ، خاصة ان للحرب المقبلة، مع لبنان تحديدا، اضافة الى ذلك، اثمانا قد تكون غير مسبوقة، وبالتالي يدرس صاحب القرار في تل ابيب، قراراته بتأنّ، يختلف كثيرا، عن قراراته، في حال كانت الاثمان المقدر دفعها غير موجودة، او محدودة، او يمكن احتواؤها.

من هنا، لم يعد الحديث عن حرب ضد لبنان، ولغايات داخلية وهروب من واقع مأزوم في "اسرائيل"، او لتحسين فرصة حزب او شخصية سياسية، سواء جرت الانتخابات المبكرة ام لم تجر، لم يعد الحديث حديثا واقعيا، الا لغايات الحرب النفسية، التي يدركها اعداء اسرائيل جيدا، كما يدركها الاسرائيليون انفسهم. وهذه هي احدى اهم النتائج الذي يتمتع بها لبنان من سلاح المقاومة، وإرادة تشغيله، دفاعا عنه. بمعنى ان منكري السلاح وضروراته، في لبنان، يتمتعون بفوائده، رغم انكارهم له ولها.

احدى اهم العبر التي لا يشير اليها الاسرائيليون كثيرا، هي فقدان الثقة، او بقدر متيقين، تزعزع الثقة، ما بين الجسم السياسي والجسم العسكري، ازاء اي حرب مقبلة ضد لبنان، وغير لبنان. التحضير والاستعداد جيدا لحرب لبنان الثانية، لا يعني بالضرورة، بل لا يعني في الواقع، استعدادا لحرب لبنان الثالثة، والاستعداد للحرب ليس مقتصرا على "اسرائيل" وحدها، لانها تخاض بلاعبَين في اقل تقدير، والجيش الاسرائيلي احدهما، وليس اللاعب الوحيد.. وكما تستعد تل ابيب للحرب، يستعد اعداؤها ايضا لخوضها، بما يعلم الاسرائيليون عنه، وبما لا يعلمون. من هنا، لم يعد بإمكان السياسيين الاسرائيليين، وكعبر من الحرب الماضية، الركون الى التقديرات والنتائج، المقدمة امامهم من قبل العسكر والامنيين، مهما بلغت الدافعية لديهم من مستويات مرتفعة، لخوض هذه الحرب. في نفس الوقت، لم يعد الجسم العسكري واثقا، من صوابية القرارات والتوجهات التي يعمل عليها السياسيون، وهو ما يفسر، من ضمن تفسيرات اخرى، الهجمة المستعرة التي يخوضها المسؤولون الامنيون والعسكريون السابقون، في العلن، والمسؤولون الحاليون، في السر، ضد توجهات رأس الهرم السياسي في تل أبيب، ازاء نية الحرب او التهديد بها، في اكثر من اتجاه، ومن بينها لبنان بطبيعة الحال.

عبر حرب لبنان الثانية لا تعني فقط، استخلاص نتائج لتحسين أداء، اسرائيليا، بل قد تعني ايضا، الامتناع او الارتداع عنها، درءا لاثمانها، وقصورا عن تحقيق نتائجها، وهي احدى اهم فوائد سلاح المقاومة ضد العدو الصهيوني، من دون استخدامه، أقرَّ المقرون بها، او لم يُقرُّوا.


 

Script executed in 0.1886420249939