أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

المسح الإجباري يتعطّل: الأرض بتتكلم شكاوى

الأربعاء 16 أيار , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 7,447 زائر

المسح الإجباري يتعطّل: الأرض بتتكلم شكاوى

على نحو استثنائي، تحظى رشكنانيه (قضاء صور) دون غيرها من البلدات، بأكثر من لافتة زرقاء ترحب بالداخلين إليها وتودع الخارجين منها. ليس لأن البلدة الصغيرة من هواة التكرار، بل لأن أعمال المساحة التي نظمت فيها قبل أربع سنوات، أعادت ترسيم حدودها مع بلدتي دير عامص وصديقين، على نحو مغاير لما كانت عليه لسنوات طوال. بذلك، اقتطعت مئات الدونمات من أراضيها لمصلحة جارتيها واستُحدثت لافتات جديدة تحدّد مداخلها، من دون إسقاط القديمة. علماً بأن الحدود السابقة، «المعدّلة»، كانت مثبتة في سجلات وزارة الداخلية والبلديات، وخصوصاً أن فاعليات رشكنانيه كانت قد تقدمت بطلب استحداث مجلس بلدي فيها في عام 2004، مرفقاً بخريطة عامة لها موقعة ومصدق عليها من مخاتير البلدات المجاورة.

 

واقعة «خربطة» حدود رشكنانيه، مثّلت الجولة الأولى من المعركة التي تخوضها ضد الإشكالات التي رافقت أعمال المسح الإجباري التي انطلقت فيها عام 2008، استناداً إلى مرسوم رسمي كان قد صدر قبلها بثماني سنوات مقرّراً مسح كامل الأراضي اللبنانية غير الممسوحة. ولاستعادة الحق، قدّم الأهالي حينها عريضة احتجاجية إلى الوزارة ضد اقتطاع أجزاء من أراضيها. ولمّا لم تجر الاستجابة، تقدمت البلدية الحالية بشكوى أمام القاضي العقاري في الجنوب تطالب فيها بإعادة النظر في أعمال المسح وترسيم الحدود.

مشكلة الحدود ليست كل الضرر الواقع على البلدة، إذ إن أعمال المساحة أحيت نزاعات فردية متوارثة وخلقت أخرى جديدة. عاطف شرف الدين، على سبيل المثال، يؤكد أن عقاره وعقارات أشقائه مسحت في غيابه، ما أدى إلى تسجيل بعضها بأسماء غير أصحابها. علماً بأن المرسوم يحتّم إعلام الأهالي مسبقاً بموعد المسح وحضور صاحب الأرض ومختار البلدة مع فريق المساحة أثناءه. وهناك أملاك خاصة حدّدت على أنها مشاعات، وهو ما حصل مع محمد صالح، الذي ورث قطعة أرض عن أجداده، وزرعها منذ عقود أشجار لوز وزيتون، فضلاً عن أنه يملك حجة بلدية بملكية الأرض تعود إلى عام 1929، فيما تتوافر صور جوية تعود إلى ما قبل 2004، تظهر أراضي مزروعة ومشغولة، سجّلت مشاعات لاحقاً. صالح وحبيب اسكندر ومحمد هاشم، ورغم امتلاكهم حججاً تؤكد ملكيتهم، إلا أن رئيس البلدية والمختار السابقين ادعيا عليهم أمام محكمة جويا الجزائية بتهمة التعدي على الأملاك العامة. وهو ما سيمثلون بسببه اليوم أمام القاضي المنفرد الجزائي عبد القادر النقوزي. علماً بأن المدعيين الأخيرين نالا حصتهما من النزاع القانوني باتهامهما بالتلاعب بعقارات البلدة وحقوق سكانها. لكن المعركة الأبرز التي تواجهها رشكنانيه، هي إثبات أن معظم أراضيها هي لأبنائها. أمام أكثر من قاض في قصر العدل في صيدا تتنازل البلدية وأهاليها ضد ورثة آل فتوني، الذين أبرزوا خرائط تؤكد ملكيتهم لـ2400 دونم من أراضي رشكنانيه بموجب تحديد اختياري كانوا قد أجروه عام 1974. وبسبب تعرض أمانة السجل العقاري للاحتراق بعد عامين، فإنهم استحصلوا على خريطة أخرى بعد أعوام تظهر ملكيتهم لـ11 عقاراً، يضمّ كلّ منها 50 دونماً، لكن الأهالي طعنوا بالخريطة، وعدّوها مزوّرة ورفعوا دعوى تزوير واستعمال مزوّر أمام النيابة العامة الاستئنافية في الجنوب، حوّلت لاحقاً إلى قاضي التحقيق الذي لا يزال ينظر فيها، فيما رفع ورثة آل فتوني أنفسهم دعاوى بالتعدي على أملاكهم. ويقرّ مختار البلدة محمد ناصر، بملكية آل فتوني في رشكنانيه منذ عام 1932 عندما اشتروا أراضي من آل الددا الإقطاعيين. لكن مساحة عقاراتهم لا تزيد على 234 دونماً لا 2400 كما يدّعون. ويشير إلى أن 300 دونم من المساحة الأخيرة، مشغولة، وشيّدت عليها منازل سكنية منذ عقود طويلة. وإن صحت ملكية آل فتوني، الذين يتحدّرون ويقيمون في بلدة قانا، فإن قانون وضع اليد يؤدي دوراً إيجابياً لمصلحة الأهالي.

اشتعال النزاعات أمام القضاء على أكثر من جبهة، وعدم بتّ أيّ منها حتى الآن، وتعطيل أعمال المساحة والتحرير من جهة، وصدور قرار قضائي بمنع التصرف بالعقارات المعترض على ملكيتها من جهة ثانية، وعدم امتلاك الكثير من الأهالي حججاً ومستندات تثبت ملكيتهم للعقارات التي يشغلونها سكناً وزراعة، كلّ هذا استلزم تدخل القوى السياسية والحزبية في المنطقة، لعقد مصالحة بين المتنازعين، لكن المصالحة على غرار النزاع القانوني لا تزال قيد النظر. وحتى إنجازهما، يشكو ناصر من وقف حال البلدة، لناحية عدم السماح بتشييد أبنية جديدة أو استصلاح أراض إلخ...

تداخل الإشكالات العقارية في رشكنانيه يمثّل نموذجاً لعشرات البلدات في المناطق كافة، التي تواجه عراقيل أدّت إلى تعطيل أعمال المسح الإجباري. بلدة رب ثلاثين (قضاء مرجعيون) تواجه المعركة ذاتها لإثبات ملكية أبنائها لأراضيها، بوجه الاعتراض المرفوع أمام القضاء العقاري في محافظة النبطية. واللافت أن من بين العقارات المعترض عليها، مسجد البلدة المشيد منذ عقود طويلة. أما جارتها الطيبة، فإنها تواجه اعتراضاً من أكثر من جهة على العقارات ذاتها، التي شغلت لاحقاً، بعضها بإقرارات بيع صحيحة وأخرى مزورة أو بوضع اليد. الحالات تتشابه بين البلدات من الجنوب إلى البقاع الغربي وراشيا، إذ تعطلت أعمال المساحة أيضاً في بلدات عيحا وكفرقوق وراشيا وحلوة. كذلك الأمر في محافظة الشمال، في بلدات كاتران وببعال وداريا وإيزال وحرف بيت حسنا، على سبيل المثال.

في إطار إيجاد حلول لتسريع أعمال المساحة الإجبارية المترنحة في المناطق كافة، ولمعالجة الإشكالات التي خلقتها وحفاظاً على حقوق المواطنين الذين منعتهم الظروف القاهرة من تسجيل عقاراتهم لدى الدوائر المختصة، تقدّم النائب علي فياض إلى مجلس النواب قبل حوالى شهرين باقتراح قانون معجّل مكرّر يضاف إلى المادة 21 من القرار 2576 وتعديلاته، الصادر في عام 1929 حول أعمال التحديد. فالسبب الأول للإشكالات يعود إلى الاستناد إلى قوانين وضعها المفوض السامي الفرنسي ولا تزال قيد الاستخدام. أما السبب الثاني، فهو حالة وضع اليد بمواجهة التحديد الاختياري الذي طرأت عليه بيوعات عديدة لم تسجل أصولاً، وتعذّر تنفيذها نتيجة مرور سنوات عديدة. الاقتراح ينص على أن «تستثنى من عملية نسخ قيود الصحائف الاختيارية التي تجري أثناء أعمال التحديد والتحرير الإجباري عند تطبيق القرار 186، المعني بأعمال التحديد والتحرير، ويقرّ بمكتسبهم وتدون ملكيتهم على محاضر التحديد والتحرير حكماً ودون أي شروط، بعد حسمها من ملكية حاملي الصحائف الاختيارية، الأشخاص الذين يستفيدون من وضع اليد الهادئ والعلني والمستمر، شريطة أن يكون وضع اليد مستنداً إلى عمل قانوني كإقرار بيع أو عقد بيع أو حكم قضائي تم الحصول عليه من حامل صحيفة عقارية اختيارية».

 

المسح العقاري في المناطق

 

 

في عام 2000، أصدرت الدولة مرسوماً قضى بافتتاح أعمال التحرير والتحديد الإجباري في جميع المناطق، مكلفة شركة مساحة من القطاع الخاص بإجراء المسح والتلزيم. جنوباً، وصل المسح إلى محافظتي الجنوب والنبطية بعد ثماني سنوات، وتنقل من بلدة إلى أخرى على نحو تدريجي، لكنها لم تنجز حتى الآن في معظمها، إلا أن المستجد أنه توقف في أكثر من بلدة بسبب جملة اعتراضات سجلتها أطراف عدة قبل تسجيل العقارات الممسوحة في أمانة السجل العقاري، إذ تقضي الآلية بأن تمسح الشركة بمرافقة مختار البلدة وممثل عن المحكمة العقارية وحضور صاحب العقار. المحاضر المحرّرة تعرض على القاضي العقاري الذي يدقّق في كل ملف على حدة ويفتح مهلة الاعتراض عليه في مهلة أقصاها 30 يوماً. الكثير من بلدات المحافظتين تواجه مشاكل مرتبطة بالمسح العقاري، ويعود بعضها إلى جهل الكثيرين بضرورة تسجيل عقاراتهم والاحتفاظ بالمستندات القانونية المتوارثة، إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي الطويل وتهجير السكان القسري.


Script executed in 0.1923840045929