أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

الناقورة المنسية على هامش "اليونيفيل"

الخميس 24 أيار , 2012 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,838 زائر

الناقورة المنسية على هامش "اليونيفيل"

وعند اجتياز وصلة قصيرة من الطريق المعبد حديثاً، تطالعك على مقربة من نقطة للجيش اللبناني لوحة ترشدك نحو فلسطين، مرفوعة على مجسم لقبة «مسجد الأقصى»، وعلى يمين هذا المجسم حائط اسمنتي كبير، يظلل جنود القبــعات الزرق «اليونيفيل» الذين يزيد عددهم عن سكان البلدة المقيمين . 

فالتلازم بين الجنود الأمميين، الذين يمثلون 36 دولة، وأبناء الناقورة قائم منذ العام 1978، تاريخ أول اجتياح إسرائيلي للجنوب، قد فرض معادلة اقتصادية واجتماعية، نتج منها في مراحل سابقة حالات زواج وتفاعل مع أبناء المنطقة عموما. 

وفي ذكرى تحريرها مع سائر بلدات القطاع الغربي، تتنفس الناقورة التي تبسط حدودها على نحو ثلاثين مليون متر مربع الصعداء، منطلقة نحو حياة أخرى، بعيداً من الاحتلال وحجز حريات أبنائها ونهب ثرواتها من رمول والافادة من مرفئها البحري المعطل في وقتنا الراهن. 

لا تخفي السعادة والطمأنينة، اللتين حصلتا بعد التحرير، وتحولت بفعلهما البلدة الساحلية، إلى عنصر جذب للمستثمرين، لا تخفيا واقع تراكم جملة من المشاكل الحياتية، التي تعيشها البلدة، بعد انقضاء 12 عاماً على التحرير. 

بالنسبة إلى محمود عطوي، الذي ينهمك في ترتيب شباك الصيد، فإن التحرير الذي تم نتيجة الفعل المقاوم وإرادة الناس، هو انجاز كبير، نقل الناس من ظروف فرضها الاحتلال وعملائها إلى حياة حرة وكريمة. وعلى الرغم من ذلك يتحسّر عطوي على مهنته في صيد السمك، إذ «كان يعود الصيادون بغلة وافرة من السمك، لم تعد موجودة اليوم». 

وسبب ذلك، كما يقول محمود وزميلاه خليل غضبون وعلي عليان الذين لم يجنوا ليلة أمس إلا ستة كيلوغرامات من السمك، هو «فتح بحر الناقورة أمام صيادي الموانئ القريبة»، بعد زوال الاحتلال. إضافة الى التضييق الذي تمارسه قوات «اليونيفيل» قبالة مقرها العام الواقع على الشاطئ وانتشار سمكة «الفيخة» التي تبتلع الثروة السمكية. 

يزيد صيادو الناقورة إلى هذه الهموم، مشاكل أخرى تتعلق بأوضاع مرفئهم، الذي لم يُحسّن أو يُطوّر بالرغم من زيارة وزير الأشغال والمدير العام للنقل. وهناك طبعاً عدم شمول الصيّادين بالضمان الصحي والاجتماعي. 

على الطرف الشرقي لمقر قيادة «اليونيفيل» نشأت إبان الاحتلال الإسرائيلي محال عديدة على عقارات خاصة، بدأ أصحابها بعد التحرير برفع دعاوى قضائية على أصحاب المحال الذين شكلوا سوقاً عامرة ومزدهرةً استمرت بعد التحرير لسنوات عدّة. واليوم، مع إصدار القضاء عدداً كبيراً من قرارات الإخلاء تقلص عدد المحال المتبقية. وينتظر أصحابها قرارات مماثلة. 

ويؤكد علي يوسف، الذي يستأجر محلاً منذ العام 2003، أن النشاط الاقتصادي والحركة التجارية في المنطقة قد تقلصا إلى حدود مخيفة، خصوصاً في السنتين الماضيتين.

ويعيد يوسف الذي يقر بفورة اقتصادية غير مسبوقة في أعقاب انتهاء عدوان تموز في العام 2006، جراء ارتفاع عديد قوات «اليونيفيل» ودفع بدلات المنازل المدمرة وغيرها من المساعدات، أسباب التراجع الحالي إلى الأزمة الاقتصادية العالمية التي فرضت نفسها على «اليونيفيل» وتبديل الوحدات الدولية «الميسورة» بوحدات فقيرة اقتصادياً وتأزم الأوضاع العامة. وأبدى تخوفه من ارتفاع الأزمة التي تعكس نفسها على مجمل النشاط العام. 

وبالرغم من ذلك، لا تخفي أمل السيد، التي عايشت فترة الاحتلال، الشعور بالأمان والاستقرار. وفيما تعاون زوجها في إدارة محلهما الذي أنشئ أيضا على أملاك خاصة، تقول إن الحركة التجارية تراجعت كثيرا في السنوات القليلة الماضية، بسبب تفكك السوق، بعد إصدار أحكام قضت بإخلاء كثيرين محالهم واستبدال وحدات دولية أوروبية بوحدات آسيوية. إضافة إلى عامل أساسي يتعلق بانكفاء النشاط الاقتصادي في لبنان. 

يصف رئيس بلدية الناقورة حسين عواضة مرحلة التحرير التي مضى عليها 12 عاماً بـ«المرحلة الذهبية التي أعادت أبناء البلدة إلى ديارهم، ثم تواصلهم مع المقيمين الذين عانوا كثيراً وطويلاً جراء قهر الاحتلال وميلشياته». ويشير إلى أن أبناء البلدة بدأوا يستعيدون ما حرمهم منه الاحتلال الذي جثم 22 عاماً، لا سيما متابعة المقيمين تعليمهم العالي وانخراطهم في أسواق العمل والمساهمة في إنعاش بلدتهم. ويؤكد إصرار عدد لا بأس به من أهالي الناقورة على الإقامة خارج البلدة، وخصوصاً في صور، بعدما أسسوا فيها أعمالهم. 

وإذا ما تم إنصاف البلدة بعد التحرير، يؤكد عواضة بوجود تحسن في الخدمات، ومنها تأهيل المدرسة الرسمية وإنشاء شبكة صرف صحي «لم تعمل بانتظار إقامة محطة تكرير على نفقة «اليونيفيل» وتأهيل شبكة الطرق الرئيسة والعامة».

ويأسف عواضة لحرمان أهالي الناقورة من فسحة ولو صغيرة على شاطئها الذي يتعدى طوله خمسة كيلومترات، بعدما سجلت الأراضي الملاصقة لمياه البحر، لحساب أشخاص غالبيتهم من خارج البلدة، قبل عدة عقود، أثناء المسح الاختياري. إلى ذلك، يلفت إلى أن الناقورة، لم تأخذ حقها الطبيعي في التوظيف لدى «قوات اليونيفيل»، ولا في الخدمات التي تقدم، على الرغم من وجود مقر القيادة في الناقورة، ووجود ممثلين لست وثلاثين دولة.


Script executed in 0.20036816596985