بعد تحرير ما كان يسمى "الشريط الحدودي" المحتل من قبل العدو الاسرائيلي عاد الناس الى ارضهم بعد طول غياب واخرون تعرفوا الى قراهم بعد فراق قسري عنها واناس حطوا رحالهم في بلداتهم التي تربّوا بعيدا عن حضنها مبعدين عن ربوعها وكله بسبب الاحتلال، وبعد 12 عاما هناك من استقر في القرى المحررة وهناك من تقتصر اقامته فيها على زيارات موسمية لتمضية اجازة او على زيارة اسبوعية فقط من دون العودة الى مسقط الرأس الذي طالما تلهف منتظرا تحريره من المحتل.
أي ضمانة قدمّت لابناء القرى المحررة حتى يعودوا الى قراهم للعيش فيها؟
ولكن ليس مستغربا عدم عودة اغلب اهل القرى المحررة في العام 2000 الى تلك القرى اذا ما نظرنا الى الواقع الاقتصادي والاجتماعي لهذه القرى، فكيف يمكن الحديث عن عودة الناس بينما لم تؤمّن لهم سبل العيش الكريم والمريح او حتى فرص العمل التي تكسب الانسان قوت يومه، فماذا قُدّم لهذه المنطقة المحررة بعد 12 عاما من التحرير؟ وما المشاريع التي انشأتها الدولة اللبنانية لتثبيت الناس في قراهم المتاخمة لفلسطين المحتلة؟ وهل فقط مطلوب من ابناء هذه القرى الصمود وحمل دمائهم على كفهم ونذر بيوتهم واملاكهم وارزاقهم وعيالهم لتراب الوطن الغالي؟ فأي ضمانة قدمّت لابناء قرى ما كان يسمى الشريط المحتل حتى يعودوا الى قراهم للعيش فيها؟ واي مغريات وحوافز على مختلف الصعد قدّمت لهم كي يعودوا ولا يفكروا بترك تلك البلدات التي يتربص بها العدو كما يتربص بكل لبنان؟
"رئيس اتحاد بلديات جبل الريحان": الدولة لا تسعى لتدعيم اقامة الناس في القرى
للاجابة على هذه التساؤلات وللاطلاع على احوال بعض المناطق المحررة في العام 2000 توجهنا بالسؤال الى رئيس "اتحاد بلديات جبل الريحان" في جنوب لبنان زياد الحاج الذي قال انه "ما قبل العام 2000 الاشخاص الذين كانوا يقيمون في قرى جبل الريحان عددهم قليل ومن ليس لديه مكان بديل للاقامة فيه بقي مقيما في هذه القرى"، واضاف ان "هناك بعض الاشخاص الذين ارادوا بعد التحرير البقاء في هذه القرى للعيش هناك وواقعا هناك من اقام بعد التحرير في هذه القرى ولكن عدم توّفر مقومات الحياة تسبب بقلة عدد المقيمين"، واكد ان "ذلك تتحمل مسؤوليته بصورة اساسية الدولة اللبنانية".
وقال الحاج إن "المعاناة التي قد تواجه الناس في قرى جبل الريحان عديدة منها مشكلة وصول الطلاب الى مدارسهم ايام فصل الشتاء كما انه لا يوجد فرص عمل للناس وهذا السبب الاساسي وراء عدم اقامة الناس في هذه القرى"، ولفت الى ان "الدولة لا تسعى الى تدعيم اقامة الناس في هذه القرى من خلال وضع المخططات التوجيهية او وضع الخطط لتحسين الزراعة والترشيد الزراعي"، واضاف ان "من كان يعمل في الزراعة منذ ايام الاحتلال ترك العمل بالزراعة حتى ان من يعمل بها اليوم يقوم بذلك بمبادرات فردية فقط".
واعتبر الحاج ان "الحل لمعالجة رحيل الناس عن قراهم هو بايجاد فرص عمل بالاضافة الى الزراعة"، ودعا الى "تأمين فرص عمل بديلة وخصوصا في المجال الصناعي كاقامة المصانع او المعامل للمساهمة في توظيف اشخاص من ابناء المنطقة"، واضاف ان "المتمولين في هذه القرى لم يبادروا للقيام بمشاريع تجارية كما ان البلديات لا يحق لها قانونا اقامة مؤسسات انتاجية توظف فيها مواطنين"، وتابع ان "البلديات مقصرة الى حد ما في حث القطاع الخاص بالاستثمار في هذه المنطقة".
ولفت الحاج الى ان "الوضع قد يتجه نحو الاسوأ باعتبار ان من يقيم في القرى وليس عنده دخل او عمل فيها فإنه اذا ما حصل على فرصة عمل خارجها فهو سيرحل بالتأكيد"، ودعا "الدولة والاحزاب للقيام بمشاريع للترشيد والتوجيه الزراعي في هذه المناطق واحياء الزراعة"، واكد ان "الدولة لم تقم اطلاقا منذ التحرير حتى اليوم بأي مشروع في جبل الريحان تدفع الناس للعودة والاقامة في هذه القرى".
هاشم: هناك سياسة بالتعاطي مع القرى الحدودية خارجة عن الاحساس الوطني في القيام بالواجب
وحول نفس الموضوع قال عضو كتلة "التنمية والتحرير" النيابية في لبنان النائب قاسم هاشم انه "من المؤسف ان تكون صورة المنطقة المحررة والتي عانت طوال ربع قرن من ظلم الاحتلال الاسرائيلي وظلم الحرمان على هذه الحال"، واضاف انه "بعد 12 سنة من زوال الاحتلال عن الجزء الاكبر من الاراضي اللبنانية المحتلة لا يزال ابناء المنطقة الحدودية ينتظرون الكثير من الوعود التي اطلقت منذ اللحظات الاولى للتحرير حيث لم تفِ الحكومات المتعاقبة بالوعود التي اطلقتها ولم تتعاط مع هذه المنطقة من منطلق الحس الوطني ومحاولة التعويض لها عما فاتها في زمن الاحتلال من حيث الانماء".
ورأى هاشم في حديث لموقع قناة "المنار" الكتروني انه "رغم صمود اهل المنطقة الحدودية ورغم استمرار الانتهاكات والتهديدات الاسرائيلية لا زالت هناك سياسة لبنانية بالتعاطي مع هذه المنطقة خارجة عن الاحساس الوطني في القيام بواجبها"، واضاف انه "في الوقت الذي كنا ننتظر ان يعود ابناء هذه المنطقة التي غابوا عنها لربع قرن وتكون الدورة الحياتية تسير بشكلها الطبيعي نتيجة التعاطي الرسمي اصبح هناك نزوح من هذه المناطق نتيجة غياب فرص العمل وعدم القيام بتأمين مسلتزمات الحياة في هذه المنطقة".
هاشم: كأن هناك سياسة مقصودة من بعض الحكومات لمعاقبة اهل المنطقة الحدودية
واسف هاشم "لعدم وجود خطة انمائية للمناطق المحررة وهذا نتيجة الاهمال بالدرجة الاولى وغياب الشعور الوطني عند بعض المسؤولين"، واعتبر انه "لولا وجود من هو معني بهذه المناطق ولولا وجود بعض المؤسسات الحكومية التي تتعاطى بحس وطني رغم ضعف الامكانيات كمجلس الجنوب ولولا وجود جمعيات على مستوى العمل الاهلي كجهاد البناء وغيرها من الجمعيات التي تهتم بأبناء المناطق الحدودية من الناقورة الى بنت جبيل الى مرجعيون وصولا الى العرقوب وشبعا لما كان هناك صورة للانماء لان الخطة الانمائية غائبة كما الموازنة الخاصة بهذه المناطق"، وتابع "كأن هناك سياسة مقصودة من بعض الحكومات لمعاقبة اهلنا وشعبنا في هذه المنطقة".
واوضح هاشم انه "لو لم يكن هناك متابعة من نواب المنطقة بالتعاون مع مجلس الجنوب وبرعاية المتابع الدائم لكل مشاريع هذه المنطقة الرئيس نبيه بري لما كنا قد انتزعنا اي مشروع"، وشدد على ان "ما قامت به الدولة على المستوى الحياتي لهذه المنطقة لم تقم به من تلقاء نفسها ونتيجة خطة انمائية بل انتزع انتزاعا علما انه حق لاهلنا"، واكد انه "رغم القيام ببعض المشاريع بجهود نواب المنطقة وهي هامة لكن ما زالت هناك الكثير من الحاجات لان الحرمان في هذه المنطقة عمره من عمر هذه الدولة".
هاشم: يمكن القيام بالعديد من المشاريع في المنطقة المحررة اولها مشروع الليطاني
ولفت هاشم الى ان "هناك مشاريعا هامة يمكن القيام بها اولها مشروع الليطاني الذي وضع على السكة الصحيحة لتنفيذه بجهود الرئيس بري ونواب كتلتي التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة مع القوى السياسية الداعمة"، وتابع ان "هناك مشاريعا اخرى لا بدَّ من استكمالها على المستوى الزراعي بالاضافة الى تنفيذ اوتوستراد كفرمان مرجعيون الذي له فوائد اقتصادية عديدة"، واضاف انه "بجهود نواب المنطقة تمَّ متابعة الوضع الصحي من خلال المستشفيات بالاضافة سلسلة من المدارس في مختلف المناطق".
وقال هاشم ان "هناك سعيا لكيفية تأمين فرص عمل جديدة لابناء هذه المناطق لحثهم على التشبث بأرضهم من خلال تشجيع المستثمرين في المنطقة"، واشار الى ان "هناك اتصالات حثيثة مع عدد من المستثمرين ورجال الاعمال خصوصا من ابناء المنطقة والبحث جار في كيفية مساعدتهم للبدء باستثمارات سياحية او اقتصادية"، ولفت الى ان "البعض من المستثمرين بدأ بدراسة جدوى الاستثمار في بعض القطاعات كإنشاء افران كبيرة حديثة او انشاء مصانع لتعليب الفواكه والخضار خاصة ان المنطقة الحدودية تضم نهري الوزاني والحاصباني وسهل الخيام وغيرها من المناطق الجنوبية الغنية في المجال الطبيعي".
بالتأكيد ان صمود الناس في قرى الجنوب هو ميزة لا يمكن لاحد المزايدة فيها عليهم لان التاريخ والماضي القريب والبعيد شهد ان اهالي المنطقة الحدودية لم يبخلوا بشيء الا وقدموه في سبيل الوطن، ولكن هل يكفي توجيه التحايا لهم وشحذ نفوسهم في ظل صعوبات الحياة المتزايدة، ام ان هناك واجبات على مؤسسات الدولة يجب ان تقدمها تجاه هؤلاء(كما تجاه غيرهم من ابناء المناطق اللبنانية الاخرى) خاصة انهم في مقدمة الصامدين والمرابطين على الحدود امام عدو طالما اتصف بالغدر، فكل نصر وانتم بخير وكل انماء واهالي المناطق الحدودية بألف خير.