أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

ميقاتي يُحبط المستقبل باستيعابه سلفيي طرابلس

الثلاثاء 05 حزيران , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,468 زائر

ميقاتي يُحبط المستقبل باستيعابه سلفيي طرابلس

عندما أُطلق سراح الشاب السلفي شادي مولوي في 22 أيار الفائت إثر مسعى لم يعد خافياً بذله رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بعد 11 يوماً من توقيف الأمن العام له بتهمة الانتماء إلى تنظيم إرهابي مسلح، طُرحت تساؤلات عديدة عن مدى العلاقة التي باتت تربط بين ميقاتي والسلفيين في طرابلس، الذين بات يُنظر إليهم على أنهم «رأس حربة» القوى الإسلامية فيها.

علاقة ميقاتي مع مختلف القوى الإسلامية في طرابلس التي اتسمت عادة بالإيجابية ليست جديدة، فهي تعود إلى سنوات خلت تسبق دخول ميقاتي إلى النادي السياسي لأول مرة عام 1998، عندما عُيّن وزيراً للأشغال العامة والنقل في أولى حكومات الرئيس إميل لحود التي كانت برئاسة الرئيس سليم الحص.

 

قبل ذلك التاريخ وبعده، كان ميقاتي وشقيقه طه يُسهمان عبر جمعية العزم والسعادة، أو مباشرة منهما، في تقديم مختلف أشكال المساعدات للهيئات والجمعيات الإسلامية في طرابلس. من بناء المساجد، إلى تنظيم دورات لتعليم القرآن، والاحتفال على نحو لافت بالمناسبات الدينية كشهر رمضان والمولد النبوي، ما جعل هذه الخلفية الدينية لميقاتي، الذي يحرص على أداء مناسك العمرة سنوياً، تسهم في تحسين صورته وعلاقاته مع إسلاميي المدينة.

تواصل ميقاتي مع الإسلاميين في عاصمة الشمال لم يقف عند هذا الحد فقط، بل امتد أيضاً إلى استفادتهم على نحو لافت من التقديمات الصحّية والتربوية والاجتماعية التي تقدمها جمعيته، ما جعل خيوط التواصل بين الطرفين قائمة منذ زمن. وهي أسهمت في السابق، ولا تزال، في تجاوز وحلحلة الكثير من المشاكل والملفات.

وكي يؤتي هذا التواصل ثماره، أنشأ ميقاتي قسماً للشؤون الدينية في جمعيته، أوكل أمره إلى عبد الرزاق قرحاني، الشيخ الذي يحمل خبرة في العمل الإسلامي اكتسبها خلال وجوده الطويل في الجماعة الإسلامية التي ابتعد عنها منذ نحو 7 سنوات، لكن مع حفاظه على خيوط تواصل وثيقة تجمعه مع الوسط الإسلامي على اختلاف مكوناته. وهذه العلاقات جعلته يكسب، وهو الذي يحظى بثقة كبيرة من ميقاتي، ثقة الوسط الإسلامي أيضاً.

خلال الأزمة الأخيرة، تبيّن أن ما زرعه ميقاتي في الوسط الإسلامي بدأ يجني ثماره؛ إذ إن مساعيه التي بذلها مع السلفيين لاحتواء تداعيات توقيف مولوي كتب لها النجاح، وشكل تدخله إسهاماً كبيراً في «نزع فتيل أزمة كانت ستدخل طرابلس والبلاد في نفق مجهول، لا يعرف أحد كيف ومتى ستخرجان منه»، حسب أوساط ميقاتي.

قراءة ميقاتي لواقع الحالة الإسلامية، والسلفية تحديداً، في طرابلس، نبعت على أساس «احتواء مختلف التيارات الدينية في المدينة، بالتواصل والحوار معها، ونسج شبكة أمان من العلاقات مع مختلف أطيافها، بهدف الحد من غلواء بعضها وضبطه».

تبدي أوساط ميقاتي ارتياحها لما حققته مساعيها من نجاح في هذا المضمار، لكنها ترى أن «هذا الارتياح مرحلي ومؤقت، لأن صواعق التفجير والتوتير في لبنان والمنطقة لا تزال حاضرة بقوة، ويمكن أن تعود إلى الواجهة في أي لحظة».

مخاوف أوساط ميقاتي من انفلات الأمور مُجدداً نابعة من هاجسها في أن «تتحوّل الحالة السلفية إلى نسخة أخرى من تنظيم فتح الإسلام، الذي لا نزال نعاني حتى اليوم تداعيات النسخة الأولى منه»، أو أن «تصبح الحالة السلفية غطاءً لجهات سورية معارضة للنظام، تتلطى خلفها كما فعل ياسر عرفات يوم تلطيه وراء حركة التوحيد الإسلامي في مواجهته السوريين في طرابلس» في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، بعد خروجه من بيروت إثر الاجتياح الإسرائيلي لها صيف عام 1982.

في مقابل ذلك، تؤكد أوساط ميقاتي أن تيار المستقبل «حاول استمالة الحالة السلفية في طرابلس والشمال إلى جانبه، واستخدامها في الشارع لإسقاط الحكومة، لكن هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح لرفض سلفيين بارزين الانجرار فيها».

هذا الفشل المستقبلي أسهم فيه كذلك كشف قواعد ميقاتي المعنية بالموضوع هذه الخطة مسبقاً، وهو ما جعل أوساط رئيس الحكومة ترى أنه «حققنا نجاحاً بتحييد الحالة السلفية عن الصراع السياسي، وتجنيب طرابلس خضّة كبيرة كانت تنتظرها»، مشيرة إلى أنه «وإن لم ننجح في جعل الحالة السلفية تقف إلى جانبنا، وهي حالة لا يمكن وضعها على كل حال في جيب أحد لخصوصيتها، فهي على الأقل لم تعد في الموقع المعادي لنا».

أحد الأمثلة التطبيقية على ذلك، حصل يوم إطلاق مولوي الذي زار ميقاتي في منزله بطرابلس لشكره؛ إذ عقد رئيس الحكومة يومها لقاءين مع مشايخ طرابلس، أولهما ضيّق ومغلق، والثاني موسع حضره أكثر من 60 شيخاً من مختلف الاتجاهات الإسلامية في المدينة، كان على رأسهم أبرز وجوه الحالة السلفية.

قليلٌ مما قاله ميقاتي في الاجتماعين، حسب بعض من حضروه، يدلّ على أنه قرر عدم السكوت عن استهداف تيار المستقبل له؛ إذ بعدما وعد المشايخ بقرب إطلاق دفعة من الموقوفين الإسلاميين، قال لهم: «إن هؤلاء الشباب أُوقفوا في عهد حكومات الحريري والسنيورة وليس في عهد حكومتي!».

وانتقد ميقاتي تيار المستقبل «الذي لا يهمّه سوى المنصب، وأنه مستعد لتقديم التنازلات أكثر مني. سعد الحريري ذهب إلى دمشق، بينما أنا لم أذهب إليها حتى الآن!».

أول تداعيات كلام ميقاتي كان ما قاله الشيخ داعي الإسلام الشهال في اليوم التالي، وهو الذي حضر الاجتماعين عند ميقاتي، بتلميحه أن «زعماء الطائفة السّنية التي تدفع اليوم الثمن غالياً، هم السبب الرئيسي لكل ما يحصل لنا، ويعرفون ما فعلوا بنا، لأنهم هم من كسروا طرابلس والسّنة في كل لبنان!».


Script executed in 0.18958401679993