أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

خضر الذي فقد بصره طفلاً بحادث سير: يبرع في صناعة المفاتيح وصيانة الأقفال

الإثنين 25 حزيران , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 9,869 زائر

خضر الذي فقد بصره طفلاً بحادث سير:  يبرع في صناعة المفاتيح وصيانة الأقفال

فقد حول خضر (47 عاماً)، فقد بصره الناجمة عن حادث سير إلى نعمة الإبداع في مهنة تصنيع وصبّ المفاتيح، وإنجاز قسم من التمديدات الصحية والكهربائية لمنزله، وصولاً إلى تصنيع خزنة ضخمة من الحديد أنجزها من ألفها إلى يائها، بالرغم من مخاطر التلحيم والكهرباء.

من فتحة صغيرة في باب محله، الذي يتوسط الحارتين المسلمة والمسيحية في بلدته قانا الجنوبية، يستلم نصرالله طلبات الزبائن. وهي عبارة عن صبّ مفتاح، أو تصليح غال منزل، أو قفل سيارة، أو مرافقة شخص ما لفتح سيارته، يكون نسي مفتاحها داخلها.. وأحيانا مرافقة قوى الأمن الداخلي لفتح باب منزل بناء لإشارة قضائية. 

قصة خضر نصرالله، الذي يتقن الإنكليزية، التي تعلمها في المدرسة، ويبرع في كتابتها بطريقة «بريل»، وحديثا عبر استخدامه الحاسوب، تحمل في طياتها إرادة التحدي والصبر من جهة وكسب قوت يومه بعرق جبينه، في ظل إدارة الدولة الظهر لأمثاله. قبل أن يستقر به الأمر في مهنة تصنيع وصبّ المفاتيح وبيع الخرضوات منذ العام 1999، تنقل خضر الذي أنشأ عائلة مؤلفة من زوجته وثلاثة أولاد، في أعمال عديدة. من تلك الأعمال تصنيع سلال القش والمفروشات، والعمل مع الكتيبة الفيدجية العاملة ضمن «اليونيفيل»، حيث كسب اللغة الفيدجية. وتعلم العزف على الغيتار. 

بابتسامة تخفي وراءها وجع القدر ونتائجه على حياته، يقول خضر: «بعد زواجي بفترة وجيزة، كنت خارجا مع زوجتي، وكان معنا مفتاح واحد للغرف الوحيدة التي كنا نسكنها. فاقترحت علي صبّ مفتاح آخر لباب الغرفة. وذلك ما حصل، حيث توجهنا إلى المحل وطلبنا من صاحبه صب مفتاح. وعندما سألته عن بدل هذا العمل أجاب ثلاثة آلاف ليرة، لأنه يحتاج إلى إشعال المولد الكهربائي، وإذا كنت تستطيع الانتظار يمكن أن أصنعه لك بألفي ليرة». يتابع: «بعد خروجنا من المحل، سألت نفسي لماذا لا أشتري ماكينة لصبّ المفاتيح أؤمن من خلالها مصدرا للعيش فشاطرتني زوجتي الرأي، وشجعتني على تلك الخطوة. وبعدها بمدة قصيرة ابتعت ماكينة من بيروت، ونشرت إعلانات في الضيعة وبدأت العمل». 

ويعتبر خضر أن «التحدي الآخر، كيف يمكن أن أمتهن تصليح الغالات وغيرها من الأمـور المتعلـقة بالمهنة، وللأسف لم أوفق بأحد يعلـمني. لكن في ظهيرة أحد الأيام جاءني «إلهام»، وشرح لي كيف أفك الغال. فأسـرعت الى المطبخ الذي كان يشكل مستودعا لمواد الشغل وباشرت بتفكيك الغال ونجـحت في ذلك. وبات إثرها كل شيء طبيعيا وبدأت العمل». 

يمنع نصرالله أي شخص من دخول محله، ويكتفي بنافذة لا تتعدى الثلاثين سنتمتراً مربعاً لتلبية طلبات الزبائن، معللاً ذلك بالخوف من بعثرة المحتويات والبضاعة، التي يرتبها بيده على الرفوف، وعلى قطع خشبية، بعدما يدوّن السعر عليها شخصيا بأحرف «بريل» النافرة. 

روح النكتة لا تفارق خضر، يقول ضاحكا «قبل مدة حضر عناصر من قوى الأمن الداخلي، أبلغوني أن بحقي محضر ضبط على خلفية «تشفيط» بدراجتي النارية في منطقة دوار البص في صور، فصعقت، وعندما علموا بحالتي تفهموا الأمر ليتبين أن هناك تشابهاً بالأسماء». ويشهد زبائن خضر، ومنهم أحمد عبد الرضا، الذي أتى بقفل لإصلاحه، وعرف نصرالله مصدر تصنيعه بعد لمسه، بأن «خضر ظاهرة فريدة، في تحويل فقد بصره إلى فتح كل حواسه بدرجات أكبر»، مؤكداً، كما زوجة خضر فضيلة سرور، وتجار الجملة الذين يأتون بالبضاعة، أن خضر نصرالله حالة مميزة لا تخلو من العبقرية. أما خضر نفسه، فحلمه أن يستعيد بصره.. يسأل عن آخر ما توصل إليه الطب، ولا سيما بعد سماعه عن «إحراز تقدم في ذلك المجال في فرنسا، واختراع نظارات تتيح استعادة البصر».


Script executed in 0.19814586639404