أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

الضاحية الجنوبية: 320 دركياً فقط

الثلاثاء 26 حزيران , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,811 زائر

الضاحية الجنوبية: 320 دركياً فقط

هذا ما قالته بالحرف لرتيب التحقيق في الفصيلة الذي سارع إلى إعلامها بأن المدعي العام سيضطر إلى توقيفها في حال تقدمها بشكوى مماثلة قبل أن يطلب منها المغادرة. 

تُبيّن هذه الحادثة، على بساطتها، واقعاً يومياً معقداً تعانيه «قوى الأمن الداخلي» في الضاحية الجنوبية يتمثل بشكل رئيس في نظرة المواطنين إلى هذا الجهاز ومهماته. ومن خلاله، وبشكل أعم، إلى صورة الدولة وقدرتها على فرض سلطتها ووجودها. 

يصل عدد المقيمين في الضاحية الجنوبية، بحسب رئيس «اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية» محمد سعيد الخنسا إلى 750 ألف نسمة، يضاف إليها نحو 100 ألف نسمة تتوزع عند أطراف منطقتي الشياح والحدث اللتين تتشابك بلديتاهما مع بلديات الاتحاد، وذلك من دون احتساب المقيمين في مخيمي برج البراجنة وشاتيلا اللذين يقعان ضمن حدود الضاحية.

تتألف سرية الضاحية من خمس فصائل هي الأوزاعي، وبئر حسن، والمريجة، وبرج البراجنة، وحارة حريك، إضافة إلى مفرزة للسير وأخرى للطوارئ. ويبلغ عدد العسكريين في السرية نحو 320 عنصراً (من بينهم 8 ضباط). يتوزع ثلثهم (نحو 100 عنصر) على مفرزة السير ونحو خمسين عنصراً على مفرزة الطوارئ، إضافة إلى 30 عنصراً يتولّون الخدمات الداخلية (إداريون وأعمال قلمية). وبهذا، يتبقى 140 دركياً فقط يتوزعون على خمس فصائل عاملة بمعدل 28 عنصراً فقط للفصيلة الواحدة. وإذا افترضنا أن هناك عنصرين مريضين وعنصرين مأذونين وخامس معاقب يصبح عدد الفصيلة 23 عنصراً فقط خلال يوم العمل العادي.

يشارك عناصر سرية الضاحية، إلى جانب مهامهم اليومية العادية، في قمع مخالفات الدراجات النارية وظاهرة الألعاب البهلوانية المتكررة على أوتوستراد الأوزاعي، وفي الحواجز الليلية عند تنفيذ «ليل أمني». هذا الأمر يؤدي إلى التأخير في التحقيقات وفي قمع المخالفات نهاراً لأن العسكريين يُستهلكون خلال «الليل الأمني» بعدما يكونون قد استهلكوا خلال نهار العمل.

يطلب من الفصائل بين الحين والآخر عسكريون (نحو أربعة عناصر من كل فصيلة) لمهمات مثل تأمين مسلك رئيس الجمهورية، كلما انتقل إلى المطار بداعي السفر ذهاباً وإياباً. وبمراجعة عدد زيارات رئيس الجمهورية إلى الخارج منذ تسلمه سدة الرئاسة، في 25 أيار 2008، يتبين أن هذه الزيارات وصل عددها إلى 46 زيارة. ما يعني 92 مهمة مشاركة في تأمين مسلك الرئيس. 

كذلك كلما كانت هناك مباراة رياضية على أرض المدينة الرياضية التي تتبع لنطاق سرية الضاحية (مباراة كل أسبوع أو أسبوعين) يتم تخصيص أربعة أو خمسة عناصر من كل فصيلة للمشاركة في ضبط الأمن. وعند إزالة مخالفات البناء في الضاحية (3197 محضرَ بناء في العام الماضي وحده) يتم سحب عسكريين أو ثلاثة من الفصائل لتعزيز الفصيلة التي تطلب المؤازرة. يحدث هذا الأمر أيضاً عند نقل موقوفين إلى قصر العدل أو إلى سجن رومية.

يخدم عناصر الفصائل في الضاحية بمعدل أربعة أيام خدمة مقابل يومي راحة. وفي يوم المأذونية الموعود قد يحصل أن يكون هناك حجز للقوة، لسبب أو لآخر، أو مهمة تفرض وجود كل عناصر السرية فيحجز جميع العناصر، بما فيها تلك المحدد تاريخ مأذونيتها بشكل مسبق. سيضطر العنصر إلى انتظار موعد المأذونية التالية كي يستريح. نتحدث عن عشرة أيام عمل متتالية بعد أن يكون قد خسر مأذونيته الأولى في فترة الحجز. فالمأذونية لا تتأجل إلى ما بعد الحجز. وتُعتمد هذه الطريقة من أجل عدم التبديل في برنامج الخدمة الذي يعمل بالحد الأدنى من العديد.

 

مرضى و«بلا واسطة» 

 

يشرح مصدر أمني مطلع على عمل فصائل الضاحية، أن العناصر يلجأون إلى تسجيل استراحات مرضية معظم الوقت هرباً من الخدمة الصعبة في هذه الفصائل. ويخبر أنه أثناء قمع مخالفات البناء تتعرض الدوريات للتهجم الدائم من العائلات والتجمعات السكانية ما يمنعها من القيام بمهمتها. وما يزيد من التقليل من هيبتها قلة عدد أفرادها أصلاً. حتى بات هناك نوع من «العرف» المتداول بين العسكريين بأن من يتم تشكيله إلى الضاحية يكون بسبب «تأديبي» أو لأنه «بلا واسطة».

ومع أن القوى الحزبية الموجودة على الأرض تظهر للقوى الأمنية أنها ضد مخالفات البناء وترحب بإزالتها، لكن عند القيام بهذه المهمة يعمل مسؤولو الأحزاب على إثارة الأهالي عند حضور الدورية لإزالة المخالفة، ما يصعّب من مهمتها.

يشرح المصدر الأمني الذي خدم سنوات عدة في الضاحية أنه «بعد حوادث مارمخايل الشهيرة التي جرت في العام 2008 وتخللها إطلاق نار على مدنيين وتوقيف ضباط من الجيش إثرها صارت مؤازرات الجيش لقوى الأمن الداخلي في مهماتها التي تفرض احتكاكاً مع الأهالي «شكلية وليست ذات فعالية».

ويلفت المصدر الأمني نفسه إلى أن «حوادث إطلاق النار باتت شائعة ودائمة في الضاحية الجنوبية، ما يثبت غياب هيبة الدولة». تشير أرقام «المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي» أن 112 حادثاً لإطلاق النار سجّلت خلال العام 2011. وسجّل 39 حادثاً لإطلاق النار خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري، أي بمعدل حادث إطلاق نار كل ثلاثة أيام في مساحة جغرافية لا تتعدى 27 كيلومتراً مربعاً. علماً أن أعداد هذه الحوادث هي فقط لتلك التي تمكنت القوى الأمنية من توثيقها، ما يرجّح ارتفاع هذه الأرقام.

أثناء قمع مخالفات بناء كبيرة يخرج كل عسكر الفصيلة، القليل أصلاً، في المهمة. فإذا حضر مواطن ليدّعي في حادثة معينة قد لا يجد من يسجّل إفادته. أما إذا حدث طارئ خلال هذا الوقت فيتم تأجيل «الطارئ» إلى حين عودة الدورية من مهمتها، أو يجري الاتصال بالفصائل الأخرى، مما يستهلك المزيد من الوقت للوصول إلى المواطنين، حيث يكون أوان «الطارئ» قد فات. 

عدا عن قلة عدد العسكريين تعاني الفصائل أيضاً من المعوقات اللوجستية. تقع إحدى الفصائل التابعة لسرية الضاحية مثلاً، وهي فصيلة برج البراجنة، في بناء سكني، في شارع عبد النور. ويسبب وجود فصيلة في بناء سكني خطراً أمنياً على السكان الآمنين في وجود موقوفين معهم في البناء نفسه. إضافة إلى الإزعاج الدائم الذي يتعرضون له «فالموقوفون في الزنزانة يضجون ويصرخون طوال الوقت»، وفق أحد القاطنين في المبنى الذي توجد فيه الفصيلة. 

يضيف جار الفصيلة: «خلال النهار هناك الإزعاج الدائم الذي يسببه الداخلون والخارجون من البناء لتسجيل شكاويهم. والآليتان العسكريتان التابعتان للفصيلة تُركنان دائماً أمام البناء، مما يزيد من عرقلة حركة سيارات السكان المقيمين».

وتملك كل فصيلة من الفصائل الخمس في الضاحية آلية أو اثنتين في تصرّفها («باترول» أو «دودج شارجر») يستخدمهما رتباء التحقيق في مهماتهم. ويستخدمها العسكريون في قمع مخالفات البناء ومخالفات العربات والبسطات ونقل البريد والمهمات في الدوريات الأمنية. أما عند تنفيذ مهمة مثل تأمين مسلك موكب رئيس الجمهورية أو ضبط الأمن في مباراة رياضية على أرض المدينة الرياضية، فيطلب من العناصر الانتقال على نفقتهم الخاصة. «دبّروا حالكم» هي العبارة التي يسمعها العناصر دائماً من ضباطهم خلال تنفيذ مهمة شبيهة. 

توقفت آلة تصوير المعاملات عن العمل في إحدى الفصائل منذ سنوات عدة. أرسل المسؤول طلباً لاستبدالها، لكن المديرية لم تستجب للأمر. وتعطّل جهاز الفاكس فقامت الفصيلة المذكورة بتأمين واحد على نفقتها (الهاتف والفاكس وسيلتا التواصل الرئيسيتان في الفصائل). 

ولا تملك كل واحدة من الفصائل الخمس نظارتين للموقوفين (واحدة للرجال وأخرى للنساء). ما يضطر إحداها إلى وضع الموقوفين «بالأمانة» لدى فصائل أخرى كلما دعت الحاجة إلى ذلك. أما حمامات النظارات فوضعها سيئ جداً ولا تجد من يصلحها.


Script executed in 0.16760516166687