أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

وادي الحجير تهزمه التعدّيات

الثلاثاء 03 تموز , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 9,880 زائر

وادي الحجير تهزمه التعدّيات

عند تقاطع جسر «قعقعية الجسر»، كانت قلوب الكثير من المتوجهين نحو وادي الحجير تنقبض. إما لأن أرواح شهداء المقاومة الذين سقطوا في أنحائه منذ السبعينيات حتى عدوان تموز لا تزال ترفرف بين أحراجه وينابيعه، وإما لأن الوادي ذاته كان حتى السنوات القليلة الماضية مرفوعاً من الاستخدام المدني، ومقتصراً على تحركات المقاومين. وأسباب ذلك وقوعه بداية تحت الاحتلال، ثم تحوّله لاحقاً إلى خط تماس بين المنطقة المحررة والشريط المحتل، فضلاً عن أنه لم تكن تتوافر فيه طريق معبدة صالحة لعبور السيارات ولا شبكة إنارة. هذا عدا عن أنه يحيي ذكريات حزينة لمن سلك الوادي ليلاً متخفّياً وهارباً من الخدمة الإلزامية في ميليشيا العملاء.

 

لكن المتوجّه نحو الحجير في الآونة الأخيرة لم يعد يلحظ أياً من تلك المظاهر. عند مدخل الوادي، افتتح أخيراً مرفقان سياحيان يستفيدان من تجاورهما مع نهر الليطاني، وإحاطتهما بالخلفية الخضراء عند سفوح بلدة الغندورية. مسافة قليلة تقود إلى متنزه آخر، استثمر صاحبه نبع مياه يتدلى من الصخور على جانب الطريق. وبين هذا وذاك، ينتشر أكثر من مسجد صغير، وبيوت وغرف زراعية ومحطات وقود. وبعد استعراض عدد من المتنزهات الموزعة «بالمفرق» على جانبي الطريق، نصل إلى سفوح بلدة القنطرة. هنا المشهد «الاستثماري» ينتظم أكثر. عين من عيون الجبل تضخ مياهها نحو بركة بأحواض عدة تربط بينها قناطر. وتحمي البركة حيطان دعم صمّمت بطراز تراثي، زرعت خلفها عشرات الأشجار التي لا تزال في طور النمو. هذا المشهد الطارئ على الوادي الهادئ، صنعه اتحاد بلديات جبل عامل الذي قرر استثمار جزء منه في وظيفة سياحية ترفيهية. خطوة استحداث المتنزه العمومي الذي يشرف الاتحاد على إدارته بيئياً، سبقتها خطوات تطويرية أخرى في الوادي لجذب أهل المنطقة والزائرين إليه. فقد عملت بلديات المنطقة بعد العدوان على استكمال شق الطريق الترابية على طول الوادي، بعدما كانت قد وصلت إلى حدود بلدة قبريخا عبر مجلس الجنوب، إلى أن عبّدت بتمويل من الصندوق الكويتي للتنمية في عام 2009 ثم أنيرت قبل عام. لكن وضعها في الاستخدام المدني لم يسهل قبل تنظيف بعض جانبي الوادي من الألغام والقنابل العنقودية. وهي مهمة تولتها جمعية أجيال السلام.

خروج وادي الحجير من عزلته بعد التحرير استدعى خطة عاجلة من بلديات المنطقة وفاعلياتها لحمايته من التعديات في العمران والاستثمار التجاري والسياحي العشوائي واستصلاح الأراضي الزراعية. فكان مشروع إعلانه محمية طبيعية.

يوضح رئيس اتحاد بلديات جبل عامل علي الزين أن مجلس النواب أقرّ في تموز من عام 2010 القانون الرقم 121 الذي قضى بإنشاء محمية وادي الحجير الطبيعية في الأراضي الواقعة ضمن أملاك الدولة من مجرى نهر الليطاني في قعقعية الجسر في قضاء النبطية حتى عيترون في قضاء بنت جبيل. القرار الذي انتزعه الاتحاد بمساعدة نواب المنطقة، هدف إلى الحفاظ على البيئة الطبيعية والنباتية والحيوانية الموجودة، وحمايتها من الانقراض، وإعادة تكوين نظام بيئي مستدام ومتجدد مفيد في البحث العلمي، إلى جانب الحفاظ على التربة ومصادر المياه العذبة وحمايتها من التلوث والتدهور الناتج من العوامل الطبيعية واستخدام الإنسان، عبر إدارتها وصيانتها بطريقة سليمة. ولتحقيق تلك الأهداف، ينص القانون على منع قطع الأشجار وحصر تشحيلها وتشذيبها عند اللزوم بموافقة وزارتي البيئة والزراعة، ومنع دخول المواشي إلى نطاقها، ورفع أي من مكوّناتها والتصرف فيها، كإشعال النار أو التخييم أو الصيد إلخ....

لكن ما هي الحال في الواقع؟ بالنسبة إلى الاتحاد فهو «يؤدي قسطه في تنفيذ واجباته تجاه ثروات الوادي»، يؤكد الزين الذي يصرّ على التمييز بين فترة ما قبل المحمية وما بعدها، حين تقلصت التعدّيات، علماً بأنه سجلت شكاوى عدة في السنوات الماضية من تمدد بعض أصحاب العقارات إلى مشاعات الدولة المحاذية لها، وإلى الأراضي المتروكة، ومن قطع الزيتونات المعمرة التي اشتهر بها الوادي، إلى جانب بناء عدد من الإنشاءات السياحية والتجارية. «الأخبار» حاولت من دون جدوى الاتصال بمحافظ النبطية محمود المولى لاستطلاع الإجراءات التي يتخذها لحماية الوادي من التعديات. ولما تعذّر الأمر، اتصلنا بنائب المنطقة علي فياض الذي أسهم في إقرار قانون المحمية. الأخير أقرّ بالخطر الذي يهدّد الوادي، مطالباً الأجهزة الأمنية والقضائية ووزارة المال بتحمّل مسؤولياتها في حجب رخص البناء العمراني والسياحي العشوائي على مجرى النهر، وحماية المشاعات من التعدّيات وتصنيف الأراضي زراعية. وبالنسبة إلى القضاء، فهو مطالب بالتشدّد في ملاحقة المتعدين ومعاقبتهم ومسح المناطق المتنازع عليها بين ما هو مشاع وملك خاص، والتأكد من العلم والخبر الذي يمنحه المخاتير.

لكن ما صدى تلك الدعوات؟ قبل يومين، تداعت فاعليات المنطقة الرسمية والشعبية للمشاركة في افتتاح مرفق سياحي جديد في الحجير، رغم تأكيد أكثر من مصدر بلدي أن صاحبه «لم يستوف الشروط البيئية السليمة، وهو يتعدى على الوادي قياساً على قانون المحمية. وهو في الأساس بنى منشأته استناداً إلى رخصة حفر بئر ارتوازية!».


Script executed in 0.19220209121704