أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

وراء الأسير.. «أسيرة»

الثلاثاء 10 تموز , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,937 زائر

وراء الأسير.. «أسيرة»

أما «مواطنو» هذه «الجمهورية» فهم مزيج يمثّل إلى حد ما سكان صيدا. منهم رجال تظهر ملامحهم التزامهم الديني ومنهم شباب متأنقون يرتدون «ماركات» عالمية، لا سيما الأميركية. لكن هذا التنوع لا ينطبق على النساء اللواتي لا يتجاوز عددهن الخمسين. فكل النساء من دون أي استثناء محجبات ومعظمهن منقبات.

نصيحة ناعمة تقود الزائرة للمرة الأولى، الى «البلوك» المخصص للنساء. «أهلا وسهلا» تقولها زوجة الأسير. انتهت السيدة لتوّها مع نساء أخريات من تحضير لائحة بالأغراض التي يحتجنها لتجهيز الحمامات الثابتة وإبقائها نظيفة.

امرأة يستحيل تقدير عمرها، ذلك أن ملامح وجهها تختبئ وراء نقاب أسود يتدلى فوق عباءةٍ سوداء. يستحيل أيضا التعرف على دواخلها من مشاعر وأحاسيس. تصبح النظارات الداكنة اللون ليس مجرد ستار لحجب العينين، بل لرسم مسافة بينها وبين من يتحدث معها من خارج أهل «الجمهورية الأسيرية». مسافة لا بد منها بين مكنونات نفسها وكل الخارج الغريب.

لا بأس في أن تحاول التعرف على هذه المرأة من خلال صوتها ذي النبرة الحازمة. يعود للسامع أن يقلب العبارة لمعرفة ما إذا كان هذا المختصر يعبّر عن رأي هذه السيدة أم أنها باتت أسيرة شعارات زوجها. عند سؤالها عن مطلبها الأساس من وراء هذا الاعتصام تقول بالفصحى: «نريد أن نلمس مسعًى جدياً في موضوع السلاح الخارج عن الدولة». وراءها مباشرة نلمح لافتة كتب عليها: «حتى نلمس مسعًى جدياً لمعالجة السلاح خارج الدولة». 

تؤكد السيدة الأسير ان «المشاركة النسائية في هذا الاعتصام ضرورية وطبيعية، فالنساء الصّحابيات كن يشاركن أزواجهن في أحداث كبيرة ومصيرية كهذه». وتزيد: «في عصرنا هذا.. المرأة تشارك الرجل كل أعماله».

وتعليقاً على ملاحظة حول عدم وجود نساء غير محجبات في ساحة الاعتصام، تدعو زوجة الشيخ «كل اللبنانيات من جميع الطوائف والمناطق ليشاركن في هذا الحدث لإعادة كرامة كل اللبنانيين دون استثناء». 

نشكو لها ظاهرة حضور الأطفال في الاعتصام فتقول: «في هذا العمر من المتوجّب أن يكون الأطفال في كنف أمهاتهم حيث يشعرون بالراحة والأمان».

وهل من الجائز تربوياً تعبئة هؤلاء الأطفال سياسياً وطائفياً تعلق: «الولد يردد كل ما يسمعه ويتحمس عفوياً». تفضّل السيدة الأسير ألا يطول الحديث عن المشاهد التي تنقلها القنوات التلفزيونية وهي تصوّر الشيخ الأسير يعلّم الأولاد أغاني مثل «بشار ساقط.. ساقط». 

تحيط بزوجة الشيخ نساء عديدات يبدين استعداداً واضحا لإعطاء رأيهن. لكن يتبين انّهن يكررن كلمات السيدة الأسير ذاتها فيطالبن بـ«لمس مسعى جدي لمعالجة السلاح خارج الدولة». 

تأخذ الحماسة احدى المنقبات، فتتمادى في الحديث وترفض اعتبارها «مواطنة من الدرجة الثانية»، بينما مثيلاتها من زوجات أصحاب السلاح مصنّفات من «الدرجة الأولى». سرعان ما تحبط طلاقة لسانها، كلمة مقتضبة من زوجة الأسير تذكرها فيها بعدم الدخول في تفاصيل «غير مهمة» وضرورة الالتزام بالمدوّن فقط على اللافتات. 

كلما دنت الزائرة من سيدةٍ تسألها انطباعاتها، هرعت زوجة الأسير تقف بجانبها لتذكيرها بالتزام الصمت أو الاكتفاء بما كتب من شعارات.

في طريق العودة، سئلت امرأةٌ قبل وصولها إلى المنطقة المخصصة للنساء، عن رأيها بأفق الاعتصام. امتنعت عن الاجابة ودلت السائلين إلى مرؤوستها: «كل الأجوبة عند زوجة الشيخ».

حالة الامتناع هذه ليست ظاهرة متفشّية بين النساء فقط. حتى أن معاوني الأسير بغض النظر عن موقعهم في الترتيب، أو عضوية ما يسمى «مجلس الشورى»، يلتزمون بالمسموح قوله ولا يتجاوزون النص المحدد مسبقا من رئيس «جمهوريتهم». 

هنا لا تجد إلا من يملي عليك ما أملي عليه من جهة لا يعرف من يملي عليها. هي ساحة أسرى لم يسجنوا، بل أصبحوا أسيري شعار لا قدرة على تنفيذه.


Script executed in 0.17901587486267