أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

رمضان صيدا... الأسير

الثلاثاء 24 تموز , 2012 03:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,242 زائر

رمضان صيدا... الأسير

نستعين بصديق للوصول إلى محال الحلويات الواقعة على البولفار الشرقي لصيدا، المقطّع الأوصال منذ أسابيع بسبب الاعتصام المفتوح الذي ينفذه الشيخ أحمد الأسير. تربكنا كثرة اللافتات المستجدة عند وسط الطريق البحري الذي حوّل إليه السير. لافتات موقعة باسم المؤسسات التجارية المعزولة في المنطقة المقطوعة تدل بالسهم على سبيل مستحدث للوصول إليها، عوضاً من الطريق الأصلية. نتلقف الإشارات التي تقودنا من شارع فرعي إلى زاروب، كأننا في لعبة السلم والثعبان. نستعرض المحال من ناحية جسر الأولي. شمالاً يتجاور مركزان ضخمان حديثان، أحدهما مخبز ومحل للحلويات، والآخر يضم محمصة بزورات وسكاكر وحلوى. لكنهما لا يزالان مقفلان تماماً منذ اليوم الأول للاعتصام. في مقابلهما، محل شهير للحلويات، يشير أحد أصحابه إلى أنهم أعادوا فتح أبوابه منذ أيام قليلة، بعد إغلاقه بسبب الاعتصام أيضاً.

 

الحركة ليست طبيعية في المحل. عدد العمال أصبح أقل على غرار عدد «صدور» الحلويات وأنواعها وأحجامها. يلفت نظرنا إلى صوانٍ صغيرة الحجم يستخدمها للمرة الأولى لعرض الحلويات التي قلّص من كمياتها إلى الحد الأدنى. ولو لم يكن رمضان قد حلّ، لكان المحل قد استمرّ في عطلته القسرية. لكنه فضّل استئناف العمل لكي يلبي ما بقي من الزبائن التي تقصده لشراء حلوياتها. في هذا الإطار، يقرّ بأن معظم زبائنه هم من أهل الجنوب أو سكان بيروت، الذين يقصدون صيدا لكونها «قصر الحلو». من هنا، فإن «الشعارات المذهبية التي يطلقها الاعتصام القريب أثّرت على إقبالهم إما لأنهم أخدوا على خاطرهم منها، أو بسبب تخوّفهم من هشاشة الوضع الأمني غير المستقر» يقول.

تضمحل الحركة في المحال، كلما اقتربنا من مكان الاعتصام الذي تنتشر عند مداخله دوريات للقوى الأمنية وحراس الأسير. نصل إلى محل «حلويات البابا» الذي كان صاحبه وموظفوه قد نفذوا قبل أيام مسيرة احتجاجية نحو الاعتصام بسبب الضرر اللاحق بهم. يومها سار نحو مئتي شخص يتقدمهم صاحب المحل للقاء الأسير وشرح الآثار السلبية لاعتصامه التي تنعكس عليهم يومياً بسبب إقفال الطرق. وقد حملوا لافتات كتبوا عليها: «فك أسرنا الله يفك أسرك يا شيخ أحمد»، و«بدنا نأكل بدنا نعيش». رجال الأمن الخاص بالمحل، المخوّلون تنظيم حركة سيارات الزبائن، مرتاحون من زحمتها المعهودة. في الداخل، يفتقد الطابور الطويل من الزبائن الذي كان ينتظر دوره طويلاً قبل تلبية طلبه. الموظفون المسؤولون عن البيع والمحاسبة لم يزد عددهم كما جرت العادة في المواسم «الإكسترا»، كرمضان والأعياد لاستيعاب الطلب المطرد. الأيام الأولى لرمضان لم تختلف حتى الآن في المحل الشهير عن الأيام العادية. مع ذلك، فإن صاحب المحل الذي سار لأكثر من نصف ساعة تحت الشمس قبل أيام احتجاجاً على خسائره اليومية، لا يبدو متحمساً للحديث إلينا، فيما مدير المحل يتجنب التطرق «لضربة الاعتصام التي تزامنت مع رمضان». يصرّ على القول إن «كل شيء منيح والبيع سيتحسن عندما يقلّع رمضان». بجوارنا، جلس شاب يستمع إلى حوارنا. يلفت نظرنا إلى أن «المحل يخصّه»، فنلفت نظره إلى مواظبته على المشاركة في اعتصام الأسير الذي يضرب محل العائلة. يرسم على وجهه ابتسامة رضى عميقة، مفضلاً «كرامته ودينه على البيع والربح»، ومتفائلاً بأن «كل شيء سيصبح على ما يرام بتوجيهات الشيخ أحمد (الأسير)».

جولة سريعة على المحالّ الواقعة خارج مربع الاعتصام، تؤكد أن جيران صيدا والجنوبيين لم يقاطعوا نهائياً حلويات «مدينة الحلو». هناك إقبال، ولو محدوداً، على المحال المنتشرة على طول الطريق البحرية وداخل أسواق المدينة. أحد أصحاب المحل الشهير الواقع عند ساحة النجمة يقرّ بتراجع الإقبال وتقلّص الكميات المطلوبة، ليس بسبب الاعتصام فحسب، بل بسبب زيادة الأسعار على ما كانت عليه في المواسم الماضية وارتفاع درجات الحرارة وانقطاع الكهرباء المستمر الذي لا يسمح بتخزين الحلويات.


Script executed in 0.19825506210327