أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

إرث الشهادة يورث الانتصار

الأربعاء 25 تموز , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,433 زائر

إرث الشهادة يورث الانتصار

مساء اليوم، ستصفق يدا علي (4 سنوات) لوالدته سارة وخاله حسين، اللذين سيصعدان إلى مسرح مجمع شاهد التربوي لنيل شهادة تكريمية بوصفهما من أبناء شهداء المقاومة الإسلامية، الذين نالوا شهادات هذا العام. هي في علوم المحاسبة، وهو في الرياضيات والهندسة. سيجلس الطفل في حضن جدته لأمه ملكاً في القاعة. فالحفل كله، له فيه حصة الأسد. كيف لا وقد أطلقت «مؤسسة الشهيد» على دورة التخريج لهذا العام اسم «جيل الشهيد علي أحمد عنيسي»، أي جيل خاله، ابن جده الشهيد أحمد.

 

على طريق الحوش في ضواحي صور، تستوقف الكثيرين لوحة صفراء تخلد ذكرى اثنين من شهداء المقاومة الإسلامية في عدوان تموز. صورتان متقابلتان لشابين، ذيّلت الأولى باسم الشهيد أحمد عنيسي والثانية باسم الشهيد علي أحمد عنيسي. يدرك المرء أنهما أب وابنه استشهدا خلال العدوان، لكن معظم الناس لا يعرف أنهما استشهدا جنباً إلى جنب وزنداً إلى زند على راجمة كانت تطلق صواريخها باتجاه فلسطين المحتلة، استهدفتها غارة اسرائيلية. في نظم المقاومة، يمنع تجاور الأقارب في المهمات. إنما خرق القاعدة كان يليق بالوالد الذي حلم قبل ثلاثة أشهر بالملاك جبرائيل يبشّره بأنه وابنه البكر سيستشهدان. منذ ذلك الحين، قرر ألا ينفصل عنه لكي تحين ساعتهما في اللحظة ذاتها.

لم يرث أحمد الشهادة أو العمل المقاوم من والده كما فعل مع ابنه. كان شخصاً عادياً، أكمل دراسته وسافر للعمل في الخارج قبل أن يعود ليستثمر جنى سنوات الغربة في صور، مفتتحاً مؤسسة تجارية، لكن إيماناً ما دفعه في سن السادسة والثلاثين إلى طلب الالتحاق بصفوف التعبئة العامة في حزب الله، والخضوع للدورات العسكرية إلى جانب شبان يصغرونه بسنوات. لم يكفه اقتراح الإخوان بدعم المقاومة لوجيستياً ومادياً. عندما كان أولاده الخمسة صغاراً، كانت زوجته تبرر غيابه عنهم في الدورات العسكرية، بسفره لشراء بضائع للمؤسسة أو زيارته للأماكن الدينية المقدسة. ولما كبروا لم تعد بحاجة إلى التمويه. بات الفتيان الثلاثة والفتاتان، مشاريع مقاومين ومقاومات جاهزون للتجربة بقيادة الفتى الأكبر علي. انخراط الأخير في الكشافة والتعبئة التربوية في بداية مراهقته، سرعان ما تطوّر في أقل من خمس سنوات ليصبح مقاتلاً من الطراز الرفيع. حتى إن تخطيطه لمستقبله استمدّه من المقاومة. تشير والدته إلى أنه صبيحة اليوم الأول للعدوان، كان يتجهز للنزول إلى بيروت ليقوم بجولة على الجامعات ويختار الاختصاص المناسب، بعدما فاز بشهادة البكالوريا قبل ثلاثة أيام. هندسة الاتصالات كانت هدفه «لأنها تخدم المقاومة» تنقل عنه. إلا أن المقاومة ذاتها كانت بحاجة إلى كرّار (لقبه العسكري) حينها كما هو. بخبرته وكفاءته وشجاعته التي فاقت سنواته الثماني عشرة. في اليوم التاسع للعدوان، اضطرت الوالدة إلى مغادرة الحوش بعد اشتداد القصف. ودّعت أبناءها علي وحسن وحسين بعدما كانت قد ودّعت زوجها حبيب (لقبه العسكري) قبل أربعة أيام. خطبة الوداع الأخيرة لعلي كانت: «إما أن نعيش بعزة وكرامة أو نموت بعزة وكرامة».

في 22 تموز، سقط جثمانا الشهيدين أحمد وعلي من على راجمة الصواريخ التي أصابت قاعدة روشبينه العسكرية الجوية. بقيا ملقيين في العراء من دون أن يتمكن «الشباب» من سحبهما إلا بعد 11 يوماً. من كان مخولاً «تبشير» العوائل باستشهاد أبنائها، استصعب أداء مهمته مع آل عنيسي، فآثر أن يعلموا من أقاربهم. عودة حسن وحسين من المعركة على نحو مفاجئ وفي عز المواجهات، مثّلت الإشارة الأولى لوالدتهما. تلميح من أحدهما أوضح المشهد الذي انكشف كلياً بإخبارها صراحة من شقيق زوجها. الألم الذي فاق لوعة الخسارة، حلّق فوق الجثمانين اللذين بقيا بعيداً عن أحضان أحبائهما، وثرى بلدتهما شحور إلى ما بعد انتهاء العدوان.

سنوات ست عجاف عاشتها أم علي. سمعت الكثير من اللوم من القريب والبعيد «لماذا جنى الشهيد أحمد على ابنه علي بالشهادة معه في عمر مبكر؟». توقن الأم أن ابنها كان سيرث مالاً ووضعاً اجتماعياً وعلماً، لكنه كان مقتنعاً بنهج والده، الذي كان يحب الحياة أيضاً كما العزة. عبء محاولات إشعارها بالذنب، تبدّد فور سماعها بإطلاق اسم ابنها على دورة تخريج أبناء الشهداء. وجدت أن التسمية ليست تكريماً لابنها فحسب، بل أيضاً للعوائل التي تصنع المقاومة في البيوت قبل الثغور. تجدر الإشارة إلى أن تاريخ الاحتفاء بـ25 تموز يوماً لأبناء الشهداء، يعود إلى تاريخ استشهاد أحمد جغبير. في تموز 2006، لم يكن استشهاد ابن التسعة عشر ربيعاً عادياً، لا في المقاومة ولا في العائلة. فهو ابن شهيد المقاومة، والابن الوحيد لعائلة لم يبق منها إلا الأم. في 25 تموز 2010، عاد أحمد «عنواناً» لدفعة التخرج الأولى من رعاية مؤسسة الشهيد، التي رعته منذ عمر السادسة حتى ما قبل عام واحد من الاستشهاد. يومها، تخرج ـــــ مع أحمد ـــــ حوالى 300 شاب. وأصبح تاريخ استشهاده تاريخاً لتخرج أبناء الشهداء من رعاية مؤسسة الشهيد. وما يختلف كل عام اختيار «اسم شهيد الدفعة»، الذي يجري على «أساس الرمزية»، تقول نسرين غبريس من مؤسسة الشهيد. ففي عام 2011، اختارت المؤسسة اسم الشهيد خليل ماضي، لكونه «أول شهيد للمقاومة الإسلامية في البقاع الغربي». ولأنه «ابن شهيد أيضاً وأخو شهيد وخال لشهيد». أما اليوم، فيجري تخريج حوالى 90 شاباً وشابة، إضافة إلى تكريم عائلتين «قدمتا شابين شهداء في الحرب»، و30 عائلة قدموا «فوق 3 شهداء»، وعائلات قدمت «وحيدها».


Script executed in 0.16715216636658