في ذكرى الأمومة الطاهرة ، في ذكرى من هي سؤدد العين ، والصوت الشجي الدافئ الحنون ، الذي ينساب الى الأرواح ، والنور الذي نراه مع كل بزوغ فجر وإشراقة شمس ، مع كل إطلالة قمر وكل تفتح وردة ، والتي تواسي وتكفكف الدموع ، نتذكر المرحومة أم رضا.
إن القلم الذي يتبتل للكتابة عن المرحومة الحاجة روحية بزي ، يأخد مداده من ضياء مسيرة حياتها الناصعة ، ومن فضائها الرحب ، وقيمتها العالية ، وايمانها واخلاصها وصبرها وتفانيها وتعبها وإرهاق نفسها في سبيل من حولها ، والاخرين ، ومع ذلك كله كان قلبها ينبض ابداً بالحب ، وكانت كالزيتونة التي تجهد نفسها وتتفانى في سبيل الاخرين ، وتبقى ثابتة رغم تقلبات الطبيعة وعاديات الزمن .
وفي ذكرى الابوة أيضا ، نذكر المرحوم أبا غسان ، الحاج تيسير موسى هاشم إدريس ، الإنسان الذي قضى حياته بالجدّ والكدّ ، تعب منه التعب ، وتعامل مع مهنته بكل إخلاص وتفان ، لم يكلّ ولم يملّ ، ولم يخضع عمله لتوقيت ، ليله يختلط بنهاره ، وكل ذلك من اجل عائلته ، التي بادلته كلّ المحبة والرعاية ، كانت نعم العائلة وأوفاها وأصدقها ، وهنا لابدّ من من التنويه بزوجته المجاهدة ، التي عملت الى جانبه ، وربّت عائلتها ، وكانت ولا تزال معطاءة ، عطوفة ، حنونة ، طاهرة محتضنة ، تحرم نفسها رماد النوم وسكون الليل وهدأة الجفون ، وهذا لعمري يمثل السمو الحقيقي ، لأن الإنسان يسمو بقدر ما يعطي ، وليس بقدر ما يأخد.
سوف نبقى نرى أبا غسان من خلال أبنائه الأحباء الذين يحذون حذوه ، ويسيرون على خطاه ، وكذلك من خلال وقفته الوطنية التي لا ننساها ، يوم التحرير ، وهو يلوّح بالعلم الذي لفّ جسده الطاهر.
أما أنت يا أستاذنا ، وأستاذ أجيال عديدة ، يا أبا لؤي ، ففي حضرة الموت المتأتي من رحيلك ، تتحرك مشاعرنا وذكرياتنا ، وهي تعود إلى أكثر من نصف قرن ، إلى المدرسة والجامع الكبير وشهر رمضان ، وليالي القدر ، ومنزل المقدس المرحوم السيد عبد الرؤوف فضل الله .
هي الكلمة التي بقيت أيها الراحل العزيز ، خدها برفق منا ، إنّها حقا تأنس إليك ، ففيك منها رسم وأثر، وفيها منك آيٌ وحب وذكر حسن ،هي المحبة التي لا تزال في قلوبنا ، والعرفان بالجميل الذي لايزال في نفوسنا وعقولنا نحوك .
عند كلامنا عن الأستاذ محمد جميل بزي ، لا نستطيع أن نختصر سيرته بكلمات ، فمهما قلنا فيه نبقى عاجزين عن إيفاء حقه علينا ، فالبحر لا يمكن ان يعبّأ في كأس ، والربيع لا يختصر بوردة ، والشتاء لا يختزل بقطرة ماء أو بعض رذاذ .
مسيرته الطويلة في مجال التربية والتعليم والحياة الإجتماعية ، لا يمكن الإحاطة بها في هذة العجالة .
كنا نرى ظلّه خفيفاً كالنسيم ، وبين جنبيه كان يرتع الطيب والحب والصدق ، سريرته كانت صافيه ، وصدره كان رحباً ، وتعليمه كان بإخلاص .
توقف قلب أبي لؤي ، وترك وراءه ذكراً جميلاً ، وغرساً مثمراً ناجحاً ، فأولاده يرفدون المجتمع بعلمهم ، فمن خلال ذلك لن نفقد له الأثر .
ونحن نتحدث عن الأستاذ محمد جميل بزي ، لا بدّ من التنويه بتلك التي كانت إلى جانبه ، حتّى آخر لحظة ، حفظته ، ورعته ، وساعدته ، وكانت نعم الزوجة والأمّ والإنسانة الإنسانة الحقة ، فكلّ العبارات لا تكفي للإحاطة بمعانيها الإنسانية الرفيعة .
في أعيننا دموع ملتهبة على من فقدنا ، فغصّة الأحزان في فقد الأحبة عميقة ، وتغدو الكلمات ثكلى المعاني إلاّ من وجع الغياب .
طوبى لمن فقدنا ، قضوا إلى جوار ربّهم ، وتلك عقببى الأبرار وأخرى الأخيار