أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

رمضان في القرى: طقس معتدل وبطالة

الأربعاء 08 آب , 2012 03:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 4,408 زائر

رمضان في القرى: طقس معتدل وبطالة

في الأيام الثلاثة الأولى من شهر رمضان، التي صادفت عطلة نهاية الأسبوع، غادرت عائلات كثيرة مدينة طرابلس باتجاه الضنية، كما جرت العادة خلال فصل الصيف من كل عام. هناك كانت مفاجأة سارة بانتظارهم، ودفعت العديد من هذه العائلات إلى تمديد إقامتها في المنطقة حتى نهاية شهر الصيام.

«الطقس هنا رائع. تخيّل أنها تمطر!»، يقول أحد مصطافي طرابلس ممّن يقصدون بقاعصفرين، أبرز بلدات الاصطياف في الضنية، معبّراً عن غبطته بالأجواء التي جعلته ينسى جوع لبنان وعطشه، إذ يشبه طقس آب هذا العام، طقس شهر أيلول أو تشرين الأول، لجهة انخفاض درجات الحرارة ومعدّل الرطوبة، وبقاء السّحب في السماء ساعات طويلة خلال ساعات النهار، فضلاً عن الهواء المنعش الذي يُجبر المواطنين في المنطقة على تغطية أنفسهم ليلاً خلال النوم بأغطية خفيفة بعد استغنائهم عن أجهزة التكييف.

لكن هذا الطقس الاستثنائي الموجود في الضنية هذه الفترة ليس ابن سنته، إذ لطالما شهدت المنطقة في سنوات سابقة طقساً مماثلاً لما تشهده هذه الأيام، وجعل أيام فصل الصيف فيها تشبه إلى حد بعيد أيام فصل الخريف. ويردّ كبار السنّ والمعمرون في المنطقة الأمر إلى «وفرة المياه والأشجار الخضراء فيها»، ولعل هذا ما دفع اتحاد بلديات الضنية إلى رفع عبارة «الضنية الخضراء ترحب بكم» فوق لافتة حديدية كبيرة عند مدخل المنطقة لجهة مدينة طرابلس.

يروي بعض كبار السنّ كيف أنهم، في سنوات ماضية، يعود بعضها إلى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كانوا يشهدون طقساً غائماً وماطراً في عزّ فصل الصيف: «كنا نقطف الموسم وننقله أحياناً تحت الأمطار والوحل يكاد يغرق قدمينا»، يقول أحدهم، واصفاً حال الطقس في بعض تلك السنوات الخوالي.

الطقس في القرى الحدودية جنوباً لا يختلف كثيراً. وقد شهدت بعض القرى عودة عدد محدود من أهلها المقيمين في بيروت إليها لقضاء شهر رمضان «الطقس يساعد على التحمّل بخلاف المناطق السياحية» يقولون، لكن الملاحظة العامة تكمن في قلة عدد العائدين، وفق ما يقول محمد قازان (الطيبة)، ما أدى إلى «انعدام السهرات الرمضانية الطويلة في ساحة البلدة وشوارعها المختلفة»، كما أنّه يشير إلى «عدم عودة المغتربين بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية، في ظلّ فراغ القرى من أهلها، وعدم قدوم الزوار بسبب خلوّ البلدة من المطاعم وأماكن السهرات المختلفة».

المقيمون في هذه القرى يحتالون على غياب «الكماليات» الرمضانية، بتمضية الوقت في العمل أو تحويل الليل نهاراً والنهار ليلاً. وحدها ربما حياة مزارعي التبغ لا تتغيّر في هذا الشهر، بل يضاف إليها تعب الصيام، ما يحرم العاملين السهرات الرمضانية. تقول ضوية مصطفى إنها تخلد باكراً إلى النوم مع أولادها الأربعة، «لأننا نستيقظ قرابة الرابعة فجراً. نأكل ما لدينا من طعام السحور ونتوجه إلى الحقل للبدء بقطف أوراق التبغ، ونبقى نعمل حتى ساعات ما بعد الظهر».

تنقلب الحال في بلدات حاريص وشقرا ودير انطار. هنا، حيث يعتاش معظم أبناء هذه القرى من أموال المغتربين، يبدّلون الليل بالنهار، «سهرات في كلّ مكان، وحتى ساعات الفجر الأولى، والكزدورة تبدأ من الساعة العاشرة ليلاً ولا تنتهي إلا فجراً، أما الأفران، فحدّث ولا حرج»، يقول حسن العلي، من بلدة شقرا، لكن «هذه السهرات الجميلة لا تدلّ على حياة هادئة وجميلة، بل تؤكد أن معظم المقيمين عاطلون من العمل، ولا فرص عمل لديهم، ويعتاشون على أموال المغتربين، وإلّا فكيف تجد معظم شباب البلدة يحيون ليالي رمضان حتى الصباح الباكر».

ولأن الحال كذلك، نقل بعض أصحاب الأفران في المنطقة أعمالهم إلى هذه القرى. ففي بلدة شقرا، كما يشير العلي «يوجد أكثر من عشرة أفران، بينها ثلاثة افتتحت في شهر رمضان من أبناء القرى المجاورة، وكلّها تعمل حتى الصباح وتعجّ بالزبائن، الذين يحيطون بها ويأكلون طعامهم على جوانب الطرقات، أو في المقاهي الرمضانية الجديدة».

من جانب آخر، تعاني بعض البلدات ندرة المحال التجارية، باستثناء الدكاكين الصغيرة التي تلبّي بعض حاجات الأهالي من المواد التموينية. أمّا المطاعم وأماكن السهر، فلا وجود لها على الإطلاق. يقول فؤاد مسلماني «لا يوجد أيّ مكان عام أو مطعم أو متنزه قريب من قرانا، ففي ساعات الليل الطويلة تبدو المنطقة مظلمة وغير مأهولة، باستثناء بعض الصبية الذين يجدون في الطرقات العامّة ملاذهم الوحيد لقضاء سهراتهم القصيرة».


Script executed in 0.19154119491577