أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

صيدا «عيّّدت» فاتحةً بحرها

الثلاثاء 21 آب , 2012 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,186 زائر

صيدا «عيّّدت» فاتحةً بحرها

العيد في صيدا مختلف عموماً، فكيف إذا حلّ بعد «نكسة» اعتصام طويل شلّ المدينة على مختلف المستويات؟ عندها يصبح لكلّ شيء طعم مختلف، حتى لو كان مكرّراً. مثل أن يخرج أبناؤها بعد صلاة العيد في مسيرة يتقدّمها لاعبو السيف والترس، ليجوبوا «البلد القديم». لكن هذا الطقس الذي يمارسه شبان التنظيم الشعبي الناصري، منذ عهد الشهيد معروف سعد، لا يخفي حالة الانقسام التي تعيشها المدينة، والتي لم يكن ينقص لتكريسها إلا انقسام صلاة العيد، منذ عام 2009. هذا الانقسام بقي سياسياً، ظاهرياً، فلم يؤثر على الحركة الاقتصادية للمدينة. لكنه، مع تحوّله إلى «مذهبي» في الشهور الأخيرة غيّر الكثير.

يومئ المعلّم محمد إلى زميله ليحضر ألبوم صور يوثّق إقبال الروّاد، باختلاف انتماءاتهم السياسية، على «قهوة باب السرايا» في صيدا القديمة. قبالة الساحة الفارغة، يستعرض صاحب المقهى الصور بحسرة، كأنه يقف على أطلال مجد اندثر. يرينا زحمة الزبائن الذين كانت تغصّ بهم الساحة في ليالي رمضان وأيام الأعياد، ملقياً مسؤولية إفراغ المنطقة من روّادها على الأحداث التي مرّت بها المدينة في الآونة الأخيرة.

في مثل هذه الأيام في السنوات الماضية «كنا نستعين بعدد إضافي من العمال. كل شاب عاطل من العمل نشغّله لمساعدتنا في استيعاب الرواد الذين كانوا يأتون من المناطق الجنوبية (النبطية وصور والزهراني) ويسهرون حتى وقت متأخر»، يقول. أما خلال شهر رمضان الفائت ومع حلول العيد، فقد اقتصر فريق عمل المقهى عليه، وعلى شقيقه وعامل واحد. ثلاثة أشخاص كانوا كافين لاستيعاب قلّة الحركة في مقهى كان يعمل فيه نحو عشرين شاباً في المواسم. وفي حين يقدّر تراجع العمل في هذا الموسم بنسبة 75% عن المواسم السابقة، هو الذي يدير المقهى منذ 35 عاماً، يعيد السبب إلى «اعتكاف كثيرين من أبناء الجنوب وبيروت عن زيارة صيدا». لا يقول المزيد، إلا أن محدّثه على الطاولة ذاتها يتجرّأ أكثر، محمّلاً «الخطاب التحريضي المذهبي والسياسي الذي تميز به تحرّك الشيخ أحمد الأسير وبعض الظواهر المرتبطة به» المسؤولية. هذا الخطاب أخاف الكثيرين، الذين لم يعودوا يمضون سهراتهم في صيدا كما اعتادوا. وهذا أثرّ بالطبع على الحركة الاقتصادية لأن «المدينة لا تستطيع الاكتفاء بنسبة استهلاك «ابن البلد»، فالقدرة الشرائية والسياحية عنده أقلّ بكثير من أبناء الجوار» يقول.

في الأزقة الشعبية المحيطة بالساحة، بعض الفتية يلعبون. يتمسك كلّ منهم بسلاحه، متخذاً موقع الهجوم. عيدية كل منهم «تناقصت» هذا العيد عن الذي سبقه. «لكن الجميع وصله حقه» يلفت أحد الآباء، مؤكداً أنه وكثيرين سواه، مستعدون لأن يستدينوا لتلبية رغبات أطفالهم من الثياب والألعاب والنزهات. مع ذلك، يشعر صاحب الدكان الصغير المجاور بأن عيد هذا العام «غير». يلمس ضيق الحال من انحسار حجم شراء الأطفال للسكاكر وأكياس التشيبس وألواح الشوكولا والعصير. نسأله عن سبب اختلاف العيد، يسبقه أحد الشبان بالقول ممازحاً: «السبب آل المقداد». فيما يردّ آخر الأمر إلى «الأزمة السورية التي باتت تنعكس على كامل المشهد اللبناني.

نكمل الجولة لنصبّ في بحر العيد. عيداً بعد عيد، يضيق البحر قبالة ميناء الصيادين لصالح المقاهي ومواقف السيارات والطريق بالاتجاهين والأرصفة إلخ، بعدما كان ممتداً من مدخل الميناء حتى الجامع الكبير. لم تستطع جميع الأراجيح والألعاب الصمود أمام مدن الملاهي الضخمة التي افتتحت في المحيط. مع ذلك، لا يزال الأطفال، وخصوصاً من أبناء الطبقة الشعبية، يلعبون ويشترون الألعاب والحلوى وعرانيس الذرة والفول، بكلفة أقل.

في بداية كلامه، يفسّر مسؤول البحر عبد الرحمن الترياقي الإقبال المحدود للأطفال في اليومين الماضيين، بأن «الحركة المضبوطة تسجّل بدءاً من مساء ثاني أيام العيد، وصولاً إلى اليوم الرابع الذي يعرف بـ«جحش العيد»، أي اليوم وغداً». لكنه سريعاً ما يستدرك، مقرّاً أيضاً بأن هذا العيد «غير». هو الذي يدير البحر مع أشقائه منذ عشرين عاماً، بعدما ورث هذه المهنة عن والده وجده. يشير الترياقي إلى أن «الناس متخوفون من الوضع الأمني في المدينة»، في إشارة إلى الإشكالات التي وقعت في الأيام الماضية في المكان ذاته وفي بعض أحياء صيدا القديمة، إضافة إلى تداعيات اعتصام الأسير، وما تخللها من إطلاق نار وإصابة عدد من المواطنين برصاص طائش. على «شماعة» الاعتصام، يمكن للترياقي أن يعلق ضعف الإقبال. «كان الأهالي يأتون بأطفالهم من بلدات إقليم الخروب والجنوب، قبل أن تحمّل المدينة صيت الانعزال وقطع الطرقات» يقول.

في المقابل، يرفض آخرون حجب العيد عن صيدا، مؤكدين أن المدينة «تخطت قطوع الاعتصام الذي كان غريباً عنها». يشير هؤلاء إلى أن السوق التجاري استعاد حركته المعتادة إثر فك الاعتصام «كأن شيئاً لم يكن»، فيما محال الحلويات التي يقصدها الجميع، كانت «تنفق بضاعتها باكراً، حتى إنها أقفلت أبوابها في اليومين الأخيرين لشهر رمضان وفي اليوم الأول للعيد عند الظهر». هذا ما تثبته جولة سريعة على مقاهي الكورنيش البحري في ليلة العيد الأولى. إذ استعادت صيدا الازدحام الذي كانت تشهده في ليالي رمضان، وعادت تستقبل الروّاد الذين قصدوها من خارجها، من بلدات الجنوب تحديداً، متناسين التفرقة المذهبية التي بثها البعض. ازدحام يؤكد أن الناس نسوا ما حدث في صيدا في الأسابيع الماضية «وأهل الجنوب مثل أهل صيدا، قلبهم طيّب ويعرفون أن ما حصل ليس من شيم المدينة، بل هو طارئ عليها».

Script executed in 0.18956112861633