أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

عبد الله شور.. مئة وخمس سنوات من الذاكرة

السبت 06 تشرين الأول , 2012 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,479 زائر

عبد الله شور.. مئة وخمس سنوات من الذاكرة

يعيش أبو محمد، الذي تنضح وجنتاه الشقراوان وعيناه الزرقاوان بالحياة، مدللا بين أبنائه، وأحفاده، وأحفاد أبنائه، وبناته في بلدته طورا الجنوبية، مستندا في ذلك إلى عطاءاته وكدّه أمام عياله، منذ كان فتى يافعا بعدما حرم من عطف وعون والده باكرا، الذي كان هاجر إلى «بيونس ايرس» وتوفي هناك، بعدما كان محارباً مع الجيش العثماني في اليمن. 

يحاول أبو محمد الابتعاد عن الإجابات المتعلقة بمسيرة حياته الشخصية الطويلة، التي يختصرها بأنها تعب بتعب، حيث أمضى القسط الأكبر من عمره وراء النوق، ناقلاً فوق ظهروها حصاد الفلاحين، من القمح والشعير وسواهما، من زرع ذلك الزمن. قبل نحو سنة، رحلت زوجته الثانية الحاجة بدرية، التي كان تزوج بها بعد وفاة زوجته الأولى الحاجة خديجة، قبل خمسين عاماً، والتي انجبت له خمسة أبناء وثلاث بنات، كبيرهم يبلغ الخامسة والثمانين من العمر. 

لا يقر أبو محمد برزنامة عمره المدونة على تذكرة الهوية، التي تقول إنه من مواليد العام 1907. يجزم أن عمره يتعدى ذلك الرقم بعشر سنوات على الأقل. ولإثبات ذلك، يؤكد أنه استحصل على بطاقة الهوية بيده عندما كان شاباً، حيث سجل آنذاك في نفوس برج أبي حيدر في بيروت، قبل أن يعاود نقل نفوسه إلى سجلات بلدته طورا، ويمارس حقه الانتخابي في الاستحقاقات النيابية والبلدية، وآخرها في العام 2004، إلى أن ملّ من تلك الديموقراطية. وترسخت في ذاكرة أبي محمد، بدايات الحرب العالمية الأولى، في العام 1914. وانهزام تركيا أمام الحلفاء، وما أصاب الجنوبيين من جوع وفقر وأمراض، لم تقتصر على البشر. فتعدتها إلى مواشي الفلاحين، الذين خسروا أبقارهم نتيجة مرض غريب. 

أبو محمد شور، يصرّ على «تمشاية» يومية في أرض الدار متكئا على عصاه الخشبية، التي تشبه تجاعيدها تجاعيد يديه. يعود بنا إلى مرحلة الانتداب الفرنسي، وصولات أدهم خنجر، وصادق حمزة، ورفاقهما، من قبضايات أبناء القرى الجنوبية، في مقارعة المحتل الفرنسي، من دون أن ينسى ذكر تحكم الاقطاعيات العائلية على امتداد المنطقة بلقمة عيش الفلاحين البسطاء المغلوب على أمرهم. 

ولفلسطين ذكرى أخرى في حياة شور، يقول: «في عز شبابي، وبالتأكيد قبل اغتصاب فلسطين بأكثر من 15 سنة، ذهبت للعمل هناك. وأمضيت فترة في أحد الافران مقابل بدل يومي قيمته قرشان فلسطينيان». ويذكر أن إحدى نساء القرية آنذاك، كانت تحمل من قرية الزيب الفلسطينية، إلى مدينة صور، أربعة أمداد من الذرة لصالح آل المملوك مقابل ليرة مجيدية. 

ولا يزال أبو محمد متمسكاً بالمثل القائل «السميد مسامير الركب»، لذلك فإنه مستمر بتناول كل طعام فيه سميد (برغل)، وخصوصا الفراكة، والمجدرة، وبقلة البندورة، وغيرها، مفضلاً إياه على الأرز، وسائر الأطعمة الأخرى.


Script executed in 0.16759204864502