أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

فرنسا تسوّق لـ«المجالس الثورية السورية» وتمدّها بالأموال

الخميس 18 تشرين الأول , 2012 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,002 زائر

فرنسا تسوّق لـ«المجالس الثورية السورية» وتمدّها بالأموال

 

بعد «معارضة» الخارج والمجلس الوطني السوري، الذي أشرفت فرنسا على إنشائه، جاء دور «معارضة» الداخل السوري. اذ جمعت الخارجية الفرنسية بالأمس رؤساء خمسة مجالس ثورية مدنية في الكي دورسيه، واستبقتهم ساعات عدة إلى حين التئام ديبلوماسيي وسفراء عشرين دولة حول القادمين الخمسة من الأتارب، حماة، تل رفعت، معرة النعمان وأعزاز.

لم يحضر أي وزير خارجية باستثناء الوزير المضيف لوران فابيوس، بينما كان باقي الضيوف من كبار الموظفين في وزارات خارجية عشرين دولة من اصدقاء سوريا لدعم «المجالس الثورية المدنية السورية»، بعيداً عن اسطنبول والأتراك.

ومن بين الحاضرين السعودية، قطر، المانيا، كندا، استراليا، فنلندا، سويسرا، اليابان، الولايات المتحدة، ايطاليا والإمارات العربية المتحدة. فرض الاجتماع نفسه فرنسياً، بعد أن أمضت الخارجية الفرنسية الأشهر الماضية في البحث عن رديف للمجلس الوطني السوري، الذي يتعثر منذ إنشائه في توسيع قاعدته التمثيلية، وضمّ عناصر معارضة من الداخل تمحضه شرعية جديدة.

ويشرف مهندس الاجتماع السفير الفرنسي السابق في دمشق ايريك شوفالييه، منذ أشهر على عملية ديبلوماسية معقدة لتكوين شبكة مجالس مدنية ثورية في المدن التي خرجت منها قوات النظام السوري. وذلك لتقديم دعم مادي ولوجستي لها، حتى تتحوّل الى نواة لإدارة ثورية بديلة في حال سقوط النظام السوري، وكي لا تعمّ الفوضى في المناطق التي باشر النظام بإخلائها، كما يكتسب أعضاء المجالس المدنية خبرة في إدارة هذه المناطق، قبل أن تحين ساعة النظام السوري، كما يعتقد المشرفون على المشروع الفرنسي. 

بدا الاجتماع متواضعاً مقارنة بالأهداف الموضوعة له، إذ شرح شوفالييه لصحافيين قبل أيام، أن المجالس الخمسة تمكنت وبمبالغ فرنسية زهيدة من إعادة تشغيل مخبز مركزي في معرة النعمان، وافتتاح مخفر ثوري في المنطقة، وإنجاز حملة نظافة.

كما شكّل الاجتماع صلة وصل فرنسية لمن شاء من الدول الأخرى، من أجل الاستماع مباشرة إلى مطالب السوريين في الداخل، وللتعرّف على المجالس المدنية السورية، وإيجاد آلية للتعاون بين الدول الراغبة في تقديم المعونة إلى هذه المجالس، ومساعدة معارضة سورية محلية، للعمل على تسيير الأمور اليومية للسوريين، تكون مغايرة لتلك التي يقوم القطريون والسعوديون بتسليحها.

وسلّم السفير الفرنسي المبالغ باليد الى أعضاء المجالس، حيث وزّع حتى ليلة أمس مليون ونصف مليون يورو في الشمال السوري، من أصل خمسة ملايين يورو مخصصة لمساعدة المجالس الثورية المدنية في المناطق المحررة، التي لا يستقرّ رأي فرنسي على مساحتها. فبينما كان فابيوس يعلن أنها بلغت نصف الأراضي السورية حتى اليوم، كان ديبلوماسي فرنسي آخر يعيد تدوير الأرقام لتصبح أكثر واقعية قائلاً «أنها لا تتعدّى الـ40 في المئة على الأكثر، والسيطرة عليها لا تبدو نهائية».

وهدف الاجتماع إلى تنظيم المناطق المحررة مع المجالس المدنية مباشرة، من دون العودة إلى لجان الإغاثة والتمويل في المجلس الوطني السوري وهيئاته الأخرى، ويفرج في الوقت عينه عن ضيق خيارات الدول الغربية في التعاطي مع المعارضة، التي ساهمت في تنظيمها على عجل، إبّان الرهان على سقوط سريع للنظام السوري.

ووصف فابيوس المناطق الخاضعة للمعارضة بـ«أنها بقع جلد نمر، ولا تواصل بين بعضها البعض، رغم أن النظام الذي فقد السيطرة الأرضية عليها، يعوّضها بالقصف بالطيران». وأردف «لا يزال الجيش السوري الحر صامداً، رغم أن الجيش السوري يلجأ إلى استخدام القنابل العنقودية».

وليس بعيداً عن الاجتماع، طفت هواجس روسية على سطح كلام فابيوس، فبعد أيام من عشاء اللوكسمبورغ المرير، الأحد الماضي، بين وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي والوزير الروسي سيرغي لافروف، لا تزال مقولة هذا الأخير تتردّد في تصريحات فابيوس. 

قال لافروف للأوروبيين إنهم لا يعرفون شيئاً عن الشرق الأوسط، وإنهم يخاطرون بزعزعة الإستقرار ايضاً في الأردن ولبنان وحسم «إن الرئيس بشار الأسد باق في منصبه، وبديل النظام سيكون الفوضى أو الجهاديين».

وردّ فابيوس «أجبنا الروس بأن استمرار القتال من دون سقوط النظام سيجلب المزيد من الجهاديين، ويؤدي إلى كارثة، هذا ما حاولنا شرحه للروس». والمرارة أن الديبلوماسية الفرنسية راهنت طويلاً على زحزحة ما في الموقف الروسي، لكن الأمل تمزق في عشاء اللوكسمبورغ.

«روسيا تسير في طريق مسدود» قالها وزير الخارجية الفرنسية، وأضاف ديبلوماسي فرنسي آخر «إن الروس غيروا موقفهم نحو الأسوأ، وتراجعوا عن اتفاقية جنيف التي تقضي برحيل الأسد وتشكيل حكومة ذات صلاحيات تنفيذية واسعة، بعد أن شعروا أن التوازنات اصبحت في مصلحته».

وتابع الديبلوماسي الفرنسي «الروس يتصلبون لأن الأسد يحسّن مواقعه على الأرض». وجزم فابيوس «أن روسيا لا تريد تغيير الوضع في سوريا، لأنها تخشى الانهيار كما تقول لنا، ولكن الانهيار تعيشه سوريا اليوم. وإذا ما استمرت الحرب واستدامت، فالغلبة ستكون للمتطرفين، الذين سيسيطرون على الوضع. الروس يقولون إنهم لا يتمنون ذلك، فلماذا إذن يساندون الأسد، في حين طرحوا خلال المحادثات معهم والى وقت ليس ببعيد، إمكانية رحيله؟». وهذا ما حدا بفابيوس الى التشاؤم من إمكان تحقيق وقف إطلاق النار الذي اقترحه الأخضر الإبراهيمي، وقال «المبادرة جيدة شرط أن تتوفر لها الإمكانيات وهي غير متوفرة».

الاستنتاج في دواعي الموقف الروسي المتمسك بالأسد، ابلغه ايضاً ديبلوماسيون غربيون، التقوا قبل يومين في باريس معارضين سوريين ينتمون إلى هيئة التنسيق للتغيير الوطني والديموقراطي. 

وأكد الديبلوماسيون للسوريين إن «الروس لا يريدون تنفيذ اتفاق جنيف، وهم لا يتحركون ديبلوماسياً، لأنهم يعتقدون وينتظرون أن يقوم الأسد بتحسين مواقعه في الداخل». وجد الروس بذلك أنفسهم مع النظام والمعارضة في موقف واحد: استبعاد اي حل سياسي، والرهان على الحل العسكري وحده مهما طال القتال.

وقال مصدر سوري معارض «إن الديبلوماسيين الغربيين جاؤوا إلى باريس لإقناع تجمعهم، بالانضمام إلى الاجتماع المزمع عقده في الدوحة في الثاني والثالث من كانون الأول المقبل حول المجلس الوطني السوري»، الذي يجهد القطريون والأتراك والغربيون لإنجاحه، في مسعى إلى تجديد محاولة قديمة لتوسيع المجلس ورفع عضويته إلى اربعمئة عضو، وفتح هيئاته أمام قوى معارضة أخرى.

ويواصل أعضاء الهيئة العامة للمجلس والمكتب التنفيذي اجتماعاً منذ ايام لاستكمال اوراق تحضيرية لتعديل هيكيلية المجلس الوطني، وفتح ابوابه أمام بقية اجنحة المعارضة السورية، بعد إخفاقه منذ عام في القيام بمثل هذه المهمة.

وقال المعارض السوري «إن وفده أبلغ الديبلوماسيين الغربيين رفضهم الذهاب إلى الدوحة. وأنه لن يحضر أي مؤتمر تدعو اليه الدول التي تقوم بتسليح المجموعات المقاتلة». وقدم المعارضون السوريون عرضاً يقضي في ترتيب اجتماع للمعارضة السورية في القاهرة وتحت رعاية مصرية، وأن تنضم إليه القوى الإقليمية المعنية بالأزمة السورية بما فيها إيران. ليكرر الغربيون رفضهم حضور أي اجتماع تنضم اليه ايران، لأنه سيؤدي إلى ربط ملفها النووي بالصراع في سوريا وعليها.

ودفع المعارضون أنه لا يمكن الغاء دور إيران الإقليمي وان الروس استطاعوا الفصل بين الملفين السوري والنووي، وان روسيا التي رعت مؤتمر هيئة التنسيق في فندق الفردوس في دمشق في الثالث والعشرين من ايلول، قادرة على تحقيق هذا الفصل.

وقال المعارض السوري إن الغربيين قاموا بالتسويق لفكرة جديدة تقوم على تجميع المعارضة السورية الداخلية والخارجية، المدنية والعسكرية تحت مظلة هيئة مستحدثة يترأسها المعارض رياض سيف المقيم في المانيا. ورد المعارضون على الاقتراح الغربي بأن سيف معارض كبير وله وزنه، ولكنه لا يملك تجربة سياسية حقيقية، ولا تمثيلاً واسعاً يؤهله لقيادة اي هيئة مشتركة للمعارضة. وقالوا إن فكرة ترؤس رياض سيف هيئة معارضة واسعة التمثيل، ليست جديدة، وهي فكرة تعمل عضوة المجلس الوطني المستقيلة بسمة قضماني على التسويق لها.

وواجهت «لجنة الحكماء» في المعارضة السورية أول اختبار لها في مواجهة المجلس الوطني لتحديد شكل الحكومة الانتقالية، التي يسعى المجلس الوطني إلى تحديدها بعيداً عن القوى الأخرى. 

واجتمعت في باريس السبت الماضي شخصيات تنتمي إلى الهيئة، بحضور سيف، ميشال كيلو، هيثم المالح، عبدالحميد درويش وسمير عيطه. ورفض رئيس المجلس الوطني السابق برهان غليون حضور الاجتماع، رغم أنه كان أحد الداعين إلى تشكيل لجنة الحكماء.

وعرض سـيف مبـادرته لتوحيد المعارضة السـورية، وتشـكيل لجنة تضم قياداتها، بديلاً عن لجـنة المتابعة التي شـكّلها مؤتمر القاهرة في حـزيران الماضي، والتي رفض المجلـس الوطني منحـها الصلاحيات المطـلوبة لعملها. 

واقترح سيف أن تقوم اللجنة الجديدة بالإشراف على تشكيل الحكومة الانتقالية بأقرب وقت ممكن، وأن تنتقل إلى الداخل السوري، في المناطق المحررة. وقال مصدر سوري معارض إن غليون يعارض الاقتراح، كي يهيمن المجلس الوطني وحده على العمل المعارض رغم إخفاقه في النهوض بالمهام المطلوبة منه، وفشله في تقديم رؤية واضحة. ومنح سيف غليون والمجلس الوطني مهلة عشرة أيام للرد على العرض المقدم.

ويراهن أقطاب في اجتماع في باريس على فشل اجتماع الدوحة، وعدم توصل المجلس إلى توسيع قاعدته، وانتخاب خلف لرئيسه الحالي عبد الباسط سيدا بعد رفض العديد من القوى الأساسية والشخصيات المعارضة حضوره، رغم الضغوط التي مارستها قطر لإنجاح الإجتماع. 

وقال مصدر سوري معارض إن القطريين رصدوا مبالغ كبيرة لإقناع المعارضين بالذهاب إلى الدوحة، وإن أكثر من 800 دعوة وجهت إلى معارضين من جميع المستويات لتأمين اكبر عدد ممكن من الحضور وإنقاذ المجلس الوطني.


 

Script executed in 0.21689605712891