أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

عبد الحسن عاشور: الشرطي البلدي الذي فرض «هيبة» الدولة

السبت 20 تشرين الأول , 2012 03:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,850 زائر

عبد الحسن عاشور: الشرطي البلدي الذي فرض «هيبة» الدولة

يكاد لا يمرّ أسبوع من دون أن يسمع أبناء القرى الحدودية جنوباً عن حادثة سرقة هنا، أو اعتداء على الثروة الحرجية هناك، أو... ولا ينسى ناقلو أخبار هذه السرقات والاعتداءات الإشارة إلى ضعف دور عناصر القوى الأمنية في ضبط المخالفات، سواء بسبب قلة عددهم أو بسبب عدم قدرتهم على التصرّف، أو كما يقول الكثيرون بسبب «فقدانهم لهيبتهم». لا تعريف محدداً لـ«الهيبة»، لكن يكفي أبناء شقرا تحديداً أنهم عرفوا عبد الحسن عاشور، ليشرحوا معناها. فبعد وقوع كلّ جريمة، تعود ذاكرة كبار السنّ من أبناء البلدة إلى أيام عبد الحسن عاشور (أبو مصطفى)، الذي كان أوّل من كلّف بمهمات الشرطي البلدي في شقرا عام 1961. في ذلك العام، صدر قرار عن وزارة الداخلية باستحداث بلديات جديدة في منطقة بنت جبيل، وانتخب عبد الحسن صالح أول رئيس بلدية في شقرا. وكان للشرطي الأول، أبو مصطفى، «الحظّ» كما يقول باختياره أول شرطي بلدي في البلدة «بعد تزكية معظم أبناء البلدة لي». كان هذا «يوم السعد» بالنسبة إليه، ولا سيما أن أبا مصطفى كان من «قبضايات البلدة»، ومتأثراً بهيبة رجال قوى الأمن الداخلي «الجندرما».

يومها، كان عاشور في الرابعة والعشرين من عمره. سرّ بهذا العمل بعد سنوات قليلة أمضاها مهاجراً، حيث كان يمارس «العمل المضني في فلسطين المحتلّة». إذ يذكر أنه أمضى تلك المرحلة يمارس تجارة «أكياس الخيش» التي كانت تستخدم لحمل الحبوب وغيرها. ولا ينسى طبعاً «أيام العمل الشاق في زراعة الحبوب والاهتمام بالماشية».

لهذا، يصف أبو مصطفى (مواليد عام 1918) تلك المرحلة بـ«أيام السعد»، معبّراً عن فخره واعتزازه بعمله شرطياً بلدياً. وهو، وإن كان يذكّر اليوم بصعوبة تفاصيل تلك الأيام بسبب سنّه، إلا أنه لا ينسى خوف الأهالي منه، عندما كان يمرّ قربهم، و«خصوصاً أولئك الذين كانوا يرتكبون المخالفات البسيطة المعروفة آنذاك». يتذكّر أنه كان يقوم بمهماته سيراً على الأقدام، وهو يرتدي زيّ الشرطي الرسمي، الذي كان يمثّل «هيبة الدولة وسلطتها» في البلدة. يقول: «كنت وقتها أهتم جيداً بردائي الرسمي من اللون الكاكي المؤلف من بنطال ضيق من الأسفل وواسع من الأعلى، وقميص وطاقية. كنت أوصي خياطاً من بنت جبيل، بتفصيل هذا الرداء لي كلّ عام، مع حرصي على أن يكون من أفخم القماش، لأنني أدركت جيداً دور هذا الرداء في فرض الهيبة والسلطة على الأهالي»، علماً بأن المخالفات في تلك الأيام لم تكن كبيرة، «كانت تقتصر على رمي المياه الآسنة في الشوارع التي لم تكن معبّدة أصلاً، والاعتداء على المحاصيل الزراعية، ولا سيما من رعيان الماعز، ومعاقبة كل من يتأخر عن دفع الضريبة عن الأبقار التي يملكها». يبتسم أبو مصطفى عند حديثه عن ضبط المخالفات هذه، ويفتخر بأنه «كان لا يميّز بين شخص وآخر أثناء توجيه العقاب ودفع الغرامات». ويشهد له أبناء البلدة بأنه «ضبط مخالفة قامت بها زوجته، عندما رمت مياهاً آسنة على طريق منزلها». يضحك أبو مصطفى، ويروي: «التزمت وقتها بالقسم الذي أقسمته في وزارة الداخلية، ودفعت الضبط من جيبي الخاص».

يشير ابن البلدة محمد العلي الى أن «أبو مصطفى كان معروفاً بقوته الجسدية وجرأته، فقد كان في الثالثة عشرة من عمره عندما استطاع إيقاف بغل هائج والصعود على ظهره، رغم محاولة رجال من البلدة قبله من دون جدوى». كما أنه «كان معروفاً بجدّيته وخفّة ظلّه في آن، ويجيد الدبكة الشعبية ويغني أغنيات لا يحفظها غيره». ويتذكر حسين ذيب كيف كان «أبو مصطفى يخيف الأهالي عند مروره بزيّه الرسمي، ويحمل صفارته، التي يستخدمها لإيقاف الأشخاص عن ارتكاب المخالفات، فقد كان الأمن مستتباً في البلدة بسببه، ويكفي أن يهدد المواطن باستدعاء الشرطي ليمنع أي مخالفة كانت».

حمل أبو مصطفى لقباً منذ شبابه، فهو المعروف عند أبناء البلدة بـ«أبو خسّة». ويعود السبب، بحسب العلي، إلى أن «أبو مصطفى عمل مساعداً لأول بوسطجي في شقرا، ولدى توقف البوسطة طويلاً في منطقة السعديات لشراء الخضر، سألت البائعة الجميلة عن سبب ذلك، فحمل أبو مصطفى خسّة في يده، وقال لها عندما يضيء اللون الأخضر في جسدي تسير البوسطة». ويتذكّر عندما كانت تعقد اجتماعات المجلس البلدي ليلاً، «لم تكن الكهرباء قد حلّت علينا بعد (وكأنها حلّت اليوم؟)، فكان أحد أعضاء البلدية يحضر معه سراجاً (قنديلاً)، وعندما لا يوافق المجلس البلدي على اقتراحاته يخرج وبيده السراج، تاركاً العتمة وراءه». وبحسب العلي، فإن «شرطي البلدية كان يتعاون مع نواطير الأحياء على حفظ الأمن، بعد أن تختار كل عائلة ناطوراً لها لحراسة أراضيها الزراعية، مقابل تأمين عيشة راضية له. ورغم ذلك، فإن الشرطي أبو مصطفى كان حريصاً على مراقبة هؤلاء أيضاً». ويتذكّر كيف كان «أبو مصطفى عندما يضبط أي مخالفة، يتوجه الى منزل صاحبها فيطرق الباب بقوة تعبيراً عن الغضب، إضافة إلى ردع جميع أبناء الحيّ عن ارتكاب المخالفات».

استمرّ عمل أبو مصطفى حتى عام 1970، عندما انحلّ المجلس البلدي وتوقفت الانتخابات طيلة فترة الحرب اللبنانية وبعدها حتى عام 1998. يومها، قدّم أبو مصطفى استقالته، وعاد إلى حقله وأرزاقه الكثيرة، بعدما حقق أولاده نجاحات لافتة في عالم الاغتراب. يحمد الله على ما رزقه، «فلم أحتج الى أحد، رغم عملي الصعب ليلاً ونهاراً، فقد كان راتبي لا يزيد على مئة ليرة لبنانية، لكني كنت أملك 40 رأس ماشية، وأعمل في زراعة الحبوب».


Script executed in 0.19032001495361