أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

أســبــاب اغتيــال الحســن ..التعرّف إلى هوية العميد من مسدسه الحربي وساعة اليد

السبت 20 تشرين الأول , 2012 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 4,271 زائر

أســبــاب اغتيــال الحســن ..التعرّف إلى هوية العميد من مسدسه الحربي وساعة اليد

فقد علمت «السفير» أن تمويهاً أمنياً ـ إعلامياً نفذته المديرية، من خلال توزيع خبر إعلامي يفيد بأن ريفي والحسن ووفداً أمنياً توجهوا إلى برلين، بغية مقابلة رئيس مكتب الشرطة الفدرالية الألمانية للشؤون الجنائية يوركي سلكي. 

وفيما تضمّن الخبر الرسمي، الذي عمّمته المديرية على وسائل الإعلام، قبل ثلاثة أيام، أن الزيارة «تمتد أياماً عدة»، إلا أن اللقاء كان قد عُقد سلفاً، ثم وصل ريفي إلى لبنان فجر أمس من دون الحسن، وكان ثمة «هامشاً أمنياً للحسن، من جهة الوقت، يصل إلى مدة أسبوع، يستطيع خلاله التنقل بسلام إلى حد ما»، وفق مرجع أمني. 

ولمّا وقع الانفجار، كان ريفي يعتقد أن الحسن موجود في فرنسا، بينما كان العميد الراحل قد وصل لبنان الساعة السابعة من مساء أمس الأول، عائداً من منزل عائلته في فرنسا التي قصدها من برلين، علماً أن الاتفاق «الأمني» مع ريفي كان يقضي بعدم توجهه إلى لبنان قبل أسبوع. 

غير أن «الثغرات الأمنية موجودة في كل الأجهزة الأمنية في العالم»، وفق ما قال ريفي لـ«السفير»، كاشفاً أن «التعرّف إلى الحسن لم يكن من خلال جثته، إذ أنه تحوّل إلى أشلاء، بل من خلال جزء من مسدسه الحربي، وجزء من البندقية، وجزء من هاتف مرافقه الخلوي، ثم حسمت ساعة يد الحسن الأمر». 

وقال ريفي إن «المعطيات الأولية، وهي غير مؤكدة مئة في المئة، تشير إلى أن زنة المواد المتفجرة في السيارة المفخخة تراوح بين 60 و70 كيلوغراماً من TNT». 

وكان الحسن، وفق مصدر أمني، خارجاً من منزل سرّي في الأشرفية، بسيارة من طراز «هوندا ـ أكورد»، متوجهاً إلى مكتبه، وبرفقته مرافقه أحمد صهيوني، علماً أن تنقلات الحسن الأمنية لا يعرف تفاصيلها، من جهة العدد وكيفية التنقل، أي ضابط في المديرية، حتى رأس الهرم، أي ريفي، «لأنني لا أسأله عن الأمر، فهو عقل أمني وتسيير مواكبه أمر شخصي». 

وحرص ريفي على عدم توجيه اتهامات سياسية، انطلاقاً من أن «موقعي لا يسمح لي بالاتهام السياسي، فأنا رجل أمن أترأس مؤسسة أمنية تُعنى بأمن المواطنين جميعاً، من كل الطوائف والسياسات والانتماءات». 

مع ذلك، قال ريفي إن الفرضيات الأمنية ـ السياسية قائمة، وفق الترتيب التالي: «1 ـ أن يكون الاغتيال رداً على توقيف ميشال سماحة. 2 ـ طابور خامس يهدف إلى إحداث فتنة وكشف البلد أمنياً. 3 ـ أن يكون الاغتيال رداً على توقيف الحسن شبكات التجسس الإسرائيلية. 4 ـ أن يكون رداً على كشف الحسن الشبكات الإرهابية». 

وأشار ريفي إلى أن «الفرضيات كلها واردة، لكننا الآن نبحث عن أدلة حسّية، تخــوّلنا معرفة منفــذ الجريمة وأسبابها، إذ لا نستطيع من اليــوم الأول معرفة التفاصيل كافة، خصوصاً أننا نشهد صراعاً مفتوحاً». وعن الحسن، قال ريفي إن العمــيد الراحل «كان عــقلاً استراتيــجياً في الأمن، وهو خــسارة لقوى الأمن الداخلي والوطن، واستشهاده لن يثنينا عن المضي قدماً في واجبنا، مهما كانت التضحيات». 

في الشارع المأساة 

وجه الطفل المذهول كان يرنو إلى سيدة أربعينية تقف عند ناصية الشارع، تتلفتُ ذات اليمين وذات الشمال، عندما رأته يخرج من بين المباني الخمسة المتصدعة بسبب الانفجار، يحمله شاب من «الدفاع المدني». تخطت السيدة الحواجز المثبتة، وقفزت بين المصوّرين وعناصر الأمن صارخة: «هذا ابني، إنه ابني». 

خلف الأم كان ثمة سيدة طاعنة في السنّ، تعانق رجلاً معفراً بالتراب، تربت على كتفيه، تعانقه ثم تقبّله متلمسة وجهه. الساعة الرابعة، وبعد مرور نحو ساعة على الانفجار، كان الشارع الرئيس المتفرّع من ساحة ساسين، مقفراً من قاطنيه. 

في الشارع الذي خلا من سكانه، هم الذين أصيبوا بالانفجار فسُحبوا إلى المستشفيات، تجلّى الرعب فيه بهول الدماء وهاجس أساس: «ماذا يحدث لنا؟ ماذا يجري، ولماذا نحن؟»، كان يسأل سكان الأشرفية الذين هرع بعضهم إلى الاطمئنان على جيرانهم، فلم يجدوا أحداً. 

لم يكن خبر اغتيال الحسن قد انتشر بعد. حتى أن مراسلي وسائل الإعلام المرئية كانوا يؤكدون عدم استهداف أي موكب، سواء سياسي أم أمني، إلى أن أعلنت وكالة «رويترز» الخبر، بعد مرور نحو ثلاث ساعات على الانفجار. 

قبل إعلان خبر الاغتيال، كان الخوف من الغد يدور في حلقة مفرغة، توجس من «الخروج إلى أي مكان هنا في الأشرفية» كان يقول سكان المنطقة، انطلاقاً من أن الانفجار «هو بداية الرسائل السياسية التي نحن ضحاياها. الآن بدأ ينتقل الوضع السوري إلى هنا». 

لكن ما إن شاع نبأ الاغتيال، حتى بدا الخوف في خانة أخرى، في حلقة يعرفها اللبنانيون إذ اعتادوها: اغتيالات سياسية. خانتان تعودان بالدماء ذاتها، فالأشلاء تبقى أشلاء، والجثث جثث، والجرحى أجساد مبتورة، والخوف رعب مزروع في كل مكان. 

الشاب المتطوّع في «الدفاع المدني» يجلس محاولاً أخذ قسط من الراحة. يضرب كفاً بكف قائلاً: «الله ستر، لو أن السيارة كانت مركونة بين المباني الخمسة، في الداخل، لم يكن ليخرج أحد من أي مبنى على قيد الحياة». 

يقول إن رجلاً سبعينياً كان يعدو بين شباب «الدفاع المدني»، باحثاً عن حفيدته، ولما «رآني أحملها، اقترب مني باكياً، وطلب مني أن يحملها، أن يتلمسها. كان المشهد مرعباً، رجال ونساء يركضون، النسوة يبحثن عن أولادهن، والرجال يصرخون كيفما اتفق. لكن الحمد لله، لا يوجد أنقاض. لا يوجد مفقودون». 

شيئاً فشيئاً راح السياسيون يتوافدون إلى الشارع المأساة. كلٌ منهم كان يتحدث عن «الرسالة السياسية». لم يكن خبر الاغتيال قد شاع بعد. نواب، وزراء، ضباط، الجميع في الشارع. ثمة مواساة وحديث إنساني عن الضحايا، وثمة تصريحات تسأل عن المستقبل، وذنب «هؤلاء في أن يكونوا هم الصندوق الذي تُنقل عبره الرسالة». 

جريمة الأمس، قبل شيوع نبأ استشهاد الحسن وبعده، لا تُصنّف إلا في خانة الجرائم التي تنذر لبنان بنفق ضبابي قاتم.


Script executed in 0.18891501426697