أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

صيدا بين الإقفال والتسلّح: اعتقلوا الأسير

الثلاثاء 13 تشرين الثاني , 2012 04:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,706 زائر

صيدا بين الإقفال والتسلّح: اعتقلوا الأسير

عاد الشيخ أحمد الأسير أمس، ماشياً على قدميه إلى دوار مكسر العبد الذي فكّ اعتصامه المفتوح بجواره قبل ثلاثة أشهر، يداً بيد مع وزير الداخلية مروان شربل. غادر حينها مع العشرات، ليعود أمس مع المئات من بينهم كثيرون مشوا خلفه بعد حادثة تعمير عين الحلوة التي سقط فيها اثنان من مرافقيه أثناء محاولتهما مع الأسير إزالة لافتات. عاد حاملاً «العريس الجديد لبنان العزي والمهندس علي سمهون اللذين لم يتركا ساحة الاعتصام انتصاراً للكرامة» كما قال، ومقرراً بمفرده وبسرية تامة دفنهما في حديقة الدوار الذي كان قد سمّاه «دوار الكرامة»، إذ كان قد أعلن سابقاً أن مسيرة التشييع ستنطلق سيراً على الأقدام من مسجد بلال بن رباح في عبرا باتجاه مسجد الشهداء في ساحة الشهداء في صيدا. وبعد أداء صلاة الميت عليهما بعد الظهر، تنطلق المسيرة مجدداً باتجاه مقبرة سيروب شرقي المدينة حيث يواريان في الثرى. خريطة الأسير رسمتها ميدانياً إجراءات الجيش الذي نشر دورياته وآلياته وجنوده في النقاط المذكورة وفي ما بينها من حواجز. لكن صاحب «المناورات الكبرى» ضيّع الجمهور والأجهزة الأمنية وعدّل الخريطة في اللحظة الأخيرة. وصل الجثمانان بسيارتين إلى مسجد الشهداء وسط حضور رمزي للأنصار وطوق دائري من الجيش والقوى السيارة. ثم توقفت حافلة نزل منها أكثر من عشرين شخصاً يرتدون الجعب العسكرية ويحملون الأسلحة الرشاشة توجهوا لملاقاة موكب الأسير الأمني. طوق دائري آخر نفذه المسلحون، بعضهم ملثمون، حول الشيخ وأوصلوه من بين العناصر الأمنية الرسمية إلى داخل المسجد، قبل أن يتوزع بعضهم في أنحاء متفرقة خارجه. الدموع والغصات غالبت الأسير أثناء إقامته الصلاة على مرافقيه، داعياً المصلين «إكراماً لهما»، إلى حملهما على الأكتاف وأن يجوبا بهما شوارع المدينة من دون أن يحدد نهاية الجولة. قاد المسيرة باتجاه ساحة النجمة ومنها نحو الكورنيش البحري وسط تفرج المواطنين والقوى الأمنية على السواء، إلى أن اكتشف السر. الدفن سيتم في دوار «الكرامة». الدم الذي «سيرفع رأس الأمة جمعاء» كما وعد الأسير، حشد في مسيرة التشييع أطيافاً مختلفة: أساتذة جامعة وتجاراً وشباناً من أصحاب السوابق وعاطلين من العمل إلخ.. هؤلاء وقفوا وراء الأسير أمام ثرى مرافقيه ليعلن تأجيل المواقف إلى مناسبة أخرى، وأنه المسؤول عن الدماء التي سقطت، متمنياً أن يلقى المصير ذاته.

بناءً على طلبه، تفرقت الجموع بهدوء وسكينة احتراماً للشهيدين وانتقلوا إلى باحة مسجد بلال حيث تقبل التعازي حتى يوم الغد، في حين تولى آخرون تنفيذ دوريات أمنية بالسيارات في محيط المسجد وفي مختلف أنحاء المدينة. ولليلة الثانية، انتشر القناصة على أسطح المباني وحواجز التفتيش في عبرا حيث زاد الأسير مساحة مربعه الأمني. وقالت مصادر أمنية رسمية لـ«الأخبار» عن اتجاه الأسير للإعلان في اليومين المقبلين عن إنشاء تنظيم مسلح «لمقاومة المشروع الإيراني وحلفائه»، بعد أن حصل على موافقة مجلس الشورى لديه. وعلم أن المدعو خالد القبلاوي يتولى قيادة وتنظيم العناصر التي بدأت التدريب العسكري منذ أشهر في الشمال وحصلت على السلاح والمال. الإعلان هذا سيتم، وفق المصادر، من دوار مكسر العبد، حيث من المرجح أن يعود إلى الاعتصام المفتوح فيه حتى شعار «تسليم قاتل المرافقين» هذه المرة.

لكن ما هي ظروف اختيار مكان الدفن؟ فوجئ معظم الأسيريين باقتيادهم نحو مكسر العبد، في حين أن عملية حفر قبرين جديدين في سيروب قد تمت تمهيداً لاستقبال العزي وسمهون. لكن «بوكلين» الأسير كانت تنتظر قبالة الدوار الإشارة لتحفر قبرين آخرين. ولأن الدوار جزء من البولفار الشرقي، أي يقع ضمن الأملاك العامة، فقد كان عليه بحسب مطّلعين أن يأخذ الإذن من أصحاب الأرض، الدولة عبر وزارتي الداخلية والأشغال العامة، وآل الحريري الذين استحدثوه خلال ورشة تشييد مسجد بهاء الدين الحريري المقابل وحوّلوه إلى حديقة. لكن الأسير لم يتصل بأحد، فيما مفتي صيدا سليم سوسان لا يزال في الولايات المتحدة في زيارة خاصة. ونقلت مصادر لـ«الأخبار» أن النائبة بهية الحريري أجرت اتصالات مع عدد من قادة الأجهزة الأمنية، عبّرت خلالها عن غضبها وامتعاضها من خطوة الأسير الفردية، وطلبت منهم التدخل لمنعه. لكنهم رفضوا، معتبرين أنها مسؤولية البلدية.

وإذا كان الأسير قد جنى من حادثة التعمير أنصاراً جدداً وتنظيماً مسلحاً، فما الذي جنته صيدا في اليومين الماضيين؟ أمس، نفذت المدينة بأسواقها ومحالها ومدارسها إضراباً عاماً، باستثناء محل بيع الخضر الذي يملكه الأسير نفسه في عبرا، في حين توعدها وزير الداخلية مروان شربل بتحويلها إلى منطقة عسكرية بقرار حكومي. الإجراءات الأمنية وكثرة الحواجز والتفتيش من المتوقع أن تنعكس على حركة المواطنين والزوار فحسب، من دون أن تؤثر على المسلحين الذين أكد شربل أنهم سيعتقلون وتطلق عليهم النار في حال لم يمتثلوا للإجراءات المتخذة. أمس، لاحظ الصيداويون أن الإجراءات تطبّق عليهم وحدهم وتستثني من كان سببها، خصوصاً أن مسلحي الأسير تجولوا وتحركوا قبالة الأجهزة الأمنية وآلياتها بحرية تامة. لذا فقد انطلقت دعوات إلى اعتقال الأسير نفسه وتحرير المدينة.

رئيس الجمهورية ميشال سليمان دعا إلى التنبه من خطر الانزلاق إلى الفتنة، وطلب الى المسؤولين الأمنيين والقضائيين اتخاذ التدابير اللازمة لضبط الوضع والتحرّي عن مسبّبي الإشكال الأخير واعتقالهم وإحالتهم على القضاء المختص. وكان قائد الدرك العميد جوزف الدويهي قد زار صيدا وشارك في اجتماع قادة منطقة الجنوب العسكرية في ثكنة محمد زغيب، حيث جرى بحث في التدابير الأمنية. على صعيد متصل، طالب رئيس بلدية صيدا السابق عبد الرحمن البزري باستقالة وزير الداخلية بسبب فشله في قراءة الحدث الأمني وغياب الشفافية في التعاطي مع سلسلة الأحداث التي عصفت بصيدا.


Script executed in 0.17339897155762