أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

«الخلطة الجنبلاطية» تتحول إلى مبادرة إنقاذية صعبة

الثلاثاء 20 تشرين الثاني , 2012 03:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,737 زائر

«الخلطة الجنبلاطية» تتحول إلى مبادرة إنقاذية صعبة

وحده وليد جنبلاط، قرر أن يشتغل سياسة في المتاح له من هوامش «الوسطية» والتكيف مع الأمر الواقع. يقترب كثيرا من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، يكاد يصبح واحدا من «أسرة ميشال سليمان». لا يتخلى عن صديقه التاريخي «أبو مصطفى» (نبيه بري). يحاول الزعيم الدرزي أن يرش المياه في صحراء السياسة. ينثر بذور صيغة حكومية جديدة تراعي التوازنات الدقيقة، من دون أن يحدد صنف البذور التي يريد زرعها، لكن «الإيماءات الجنبلاطية»، تحتمل دائما الشيء وضده على قاعدة «فن الممكن».

أخذ جنبلاط على عاتقه أن يكون الحامي الأول لموقع الرئاسة الأولى. احتل الصدارة في الحكومة الميقاتية، ليرد عنها بصدره وبصدر الثلاثي الوزاري «الاشتراكي» ضربات أهلها وخصومها في آن معا.

من المختارة، يتابع جنبلاط وقائع المشهد الفلسطيني المستجد. إسرائيل الأسطورة انتهت. هذا الحكم صدر في العام 2006 وهذه هي وقائع فلسطين اليوم تعيد تأكيد المؤكد. الوحدة الفلسطينية هي أفضل رد على العدوان الإسرائيلي.. وحبذا لو يكتشف اللبنانيون وصفة «الوحدة»، بأن يتبنوا «إعلان بعبدا» فعلا وليس قولا من أجل حماية بلدهم.

الـ«نعم» الجنبلاطية لـ«الثورة السورية» مستمرة توازيها «نعم» أخرى لسياسة النأي بالنفس اللبنانية. ماذا تعني هذه المعادلات؟

تعني أنّ «وليد بيك» ما زال يصفّق للمعارضة السورية، ويهلل لـ«أبطالها» المستظلين العباءة القطرية، في الدوحة، ويهزأ بأولئك الذين لبوا دعوة طهران.

هي خلطة سياسية مركبة، ميزتها أنها تفتح الطرق في الاتجاهات كافة. تعني أيضاً، أنّ أعصاب القطب الدرزي لم تهتز للضربات الكهربائية التي لجأ اليها «الآذاريون»، ولا سيما سعد الحريري. لم يستجب الرجل، لا لسياسة العصا السعودية التي هدّدوه بها، ولا لجزرة التفاهم الانتخابي، التي حاولوا دغدغة زعامته بواسطتها. وتمسّك برأيه: الحكومة باقية إلا إذا اتفقتم على بديل من صنف «قوس القزح».

تدريجيا تحولت الخلطة الى مبادرة سياسية، سيدشنها «الاشتراكيون»، اليوم، من قصر بعبدا، علما أنها منسقة في كل حرف من حروفها مع ميشال سليمان: كل الأسباب الموجبة لقيام حكومة وحدة وطنية من الآن وحتى الانتخابات النيابية المقبلة قائمة. لا بد من إنجاز تفاهمات حول الحكومة، من خلال وثيقة سياسية توزع على الجميع، بالتزامن مع تلبية دعوة رئيس الجمهورية للحوار، وعندما تنتهي احتفالات الاستقلال في بيروت و«الكاردينالية» في الفاتيكان، يبدأ البحث بالمواعيد الزمنية، والمهم أولا وأخيرا ألا يقع البلد في محظور الفراغ الوزاري.

أكثر من ذلك، لا يحبذ «الاشتراكيون» وضع «فيتو» من أي نوع كان على شخصية رئيس الحكومة المطلوبة، والمواصفات المطلوبة تنطبق على نجيب ميقاتي، وهذه نقطة متفاهم عليها مع ميقاتي ومع رئيس الجمهورية، وثمة تجاوب دولي مع هذه الفكرة. المهم، حسب وزراء «الاشتراكي»، أن نبعد الفتنة وان نكسر القطيعة السياسية التي لم تبلغ مثل هذه الحدة حتى في عز الانقسام الأهلي بين 1975 و1990.

ما بعد غزة ليس كما قبلها. وكل عنتريات بنيامين نتنياهو ستذهب هباء... وأن يعود باراك أوباما رئيسا لولاية ثانية وأخيرة، واعداً الأميركيين بإنهاء حروبهم مع العالم، ليس تفصيلاً صغيراً. تخفي هذه التطورات الكثير من المفاجآت المنتظرة وغير المنتظرة. أن يدخل «الديموقراطي الأول» البيت الأبيض من جديد، متأبطاً تحدياً فاقعاً مع بنيامين نتنياهو، واستطراداً تأزّماً في العلاقة، ليس مسألة عبثية. وتداعياتها قد لا تظهر في القريب المنظور، لكّنها على الأكيد، ستترك الكثير من البصمات.

زوار «البيك» في هذه الأيام، يدركون أن سلّم أولوياته يبدأ بالبيت الدرزي وينتهي بالبيت اللبناني. الحفاظ على الاستقرار خط أحمر لا يقبل بتخطيه. التواصل مستمر بينه وبين وئام وهاب بواسطة بهيج أبو حمزة، وبينه وبين «المير» طلال ارسلان بواسطة الوزير مروان خير الدين.

الهدوء يسكن المختارة من جديد. سيّدها لا يغادرها في هذه الأيام. الخطابات النارية أعيدت إلى أدراج الخزائن التراثية. فالزمن ليس زمن الأسلحة الثقيلة. وإذا كان الأميركيون سيتعاملون ببراغماتية مع المستنقع السوري، فلماذا التصرّف بملكية أكثر من الملك نفسه؟

صارت مفردات «أبو تيمور» أكثر «عقلانية»، حتى في مغازلة «الثوار السوريين»، أو في قصف خصومهم. من الواضح أنّه بات على قناعة تامة، بأنّ الوقت لم يعد لمصلحة أحد. لا الراكضون خلف دكّ الأسوار الدمشقية سيحققون انتصارهم في القريب العاجل. ولا الصامدون في «قصر الشعب» سيتخلصون من خصومهم بين ليلة وضحاها.

على مائدة الحوار الرئاسية، قيل لـ«البيك» إنّ اللبنانيين، سواء كانوا من حلفاء النظام السوري، أو كارهيه، أعجز من أن يغيّروا المسار الشاميّ، سلباً أو إيجاباً. وها هو اليوم، يغرف من معجن «النأي بالنفس»، ليعجن مواقفه الوسطية.

إذاً «خلطة جنبلاطية» بامتياز، لا تحضّر إلا في مطبخ المختارة، على يد «شيف» ماهر في دوزنة المعايير وفق «وصفات عالمية»، لا يلتقط «سرّها» بسهولة. ولكنّ «جبلة الباطون» هذه، لا تثير «نقمة» الحلفاء القدامى. «المستقبليون» ينقّبون بين سطور «الإطلالة الأسبوعية» لـ«البيك»، بحثاً عما يرضيهم، لا عما يستفزّهم.

يكتفي أحدهم بالتقاط إشارة «الكوة» التي فتحها جنبلاط في جدار الأزمة، عبر «التمريرة» الحكومية. يكفي أنّه لم يحدد شكل الصيغة الحكومية المرجوة، حتى ينظر «المستقلبيون» إلى النصف الملآن من الكوب. «يعرف الرجل موقفنا من حكومة الوحدة الوطنية. نرفضها جملة وتفصيلاً لأنّها ستديننا بتهمة السعي إلى السلطة. ولن نجرّب المجرّب. وبالتالي إنّ عدم تسميتها بالاسم في مقاربته الأسبوعية، هو بحدّ ذاته بادرة إيجابية يمكن البناء عليها».

في المحصلة، جنبلاط لا يقفل الباب بوجه «14 آذار»، حتى أن عودته إلى منزل «النأي بالنفس» سوريا، ليس مكروهاً منهم. «نحن أيضاً مع ابتعاد لبنان عن المستنقع السوري، شرط أن يكون هذا الحياد شاملاً وليس انتقائياً». 

قنوات الاتصالات المحلية والدولية، العابرة للخنادق المتخاصمة، والتي استعادت حيويتها في الأيام الأخيرة، تزيد النائب «المستقبلي» ثقة بأنّ الأمل لم ينقطع لإيجاد مخرج لائق للأزمة. والمختارة شريكة أساسية في هذه المعادلة... يُلمس من زعيمها ليونة قد تسهّل المبادرة الإنقاذية، كما تقول شخصية آذارية، لا يزال جنبلاط يربطها حتى اللحظة، بأن يكون مصدرها رئاسة الجمهورية.


Script executed in 0.18816804885864