فلا حول ولا قوة إلاّ بالله ، وإنا إليه وأنا إليه راجعون .
أجساد طائرة تعبر مسافات الأوطان ، حاصدة مآسي الغربة والهجران .
يذهبون إلى البعيد البعيد ، ويزرعون الدموع في مآقي عيون المحبين .
ها أنا آتيك يا عزيزي عباس ، معلّقاً حزني عليك ، وفي عينيّ دموع ملتهبة ، وبين يديّ باقة من الكلمات ، آتية من عمق الجراح ، ومن غصّة الأحزان .
من أيّ وجه تريد أن يعبّ القلم مداده ، حتّى يسرج الكلمات أصيلة .
أمن وجه أب ، جاهد وعمل طيلة حياته ، من فلسطين ، إلى خندق الغميق في بيروت ، وإلى فبارك أميركا ، وقد ملأ الساح هناك بحضوره الدائم في الأفراح والأتراح وكلّ المناسبات .
أم من وجه أمّ ، قضت عمرها بالتعب والجهاد في سبيل العيال ، وقد لفّها الحزن على ولدها خلال فترة مرضه ، وأخذت منها المعاناة كلّ مأخذ ، وما بقي لها إلاّ التعوذ بالله عزّ وجلّ ، لتندلق الآيات على شفتيها ، حتّى آخر لحظات حياتها ، تدعو له بالشفاء ، إلى أن فارقت الحياة ، بعد ساعات من انتقال ولدها في مثواه الأخير .
أم من وجه زوجه ، لم تكتمل أحلامها ، التي كانت كبيرة أمام عينيها .
أم من وجه أبناء يفتقدون من كان يخيم عليهم ويرعاهم ، ويعدهم بمستقبل زاهر .
أم من وجه أخوة وأخوات أحباء ، تسكن الغربة في عيونهم دمعة مرّة ، وهم لم يهاجروا حبّاً بالهجرة، بل لأنّهم وجدوا فيها فضاء رحباً ، لم يجدوه في وطنهم .
لقد كنت أيّها الفقيد منفتحاً على الجميع ، والكلّ منفتح عليك ، ولذلك فان علاقاتك تجاوزت الأهل والأقارب وأبناء بنت جبيل ، إلى الجالية كلّها وأكثر .
كان لديك أمل أن تعود إلى بنت جبيل ، حيث تقرّ عيناك ، لكن شاء القدر أن تموت هناك ، وتدفن بعيداً ، وهذا ما ولّد لدينا وفي قلوبنا حسرة مزدوجة .
لم يطوك القدر أيّها الفقيد ، ولم يفنك الموت ، ، ستبقى روحك الطاهرة تحلّق في أجوائنا باستمرار ، وأقول فيك ما قاله الشاعر :
ذويت والصبح ما لاحت بشائره ونجمة الليل ما غابت ولم تبن
فقدتك اليوم يا وعد الشباب ويا وعدي وأنت بذات الوعد تسكنني
في القلب باق وفي الأحشاء ما بقيت جمار نأيك تكويني وتحرقني
أما أنت أيّتها الإنسانة الطيبة ، الحاجة أم علي ، ففي ذكراك :
أحاول لملمة الذكريات عن امرأة لم تستكن يوماً ، ولم يعرف قاموس حياتها كلمة اليأس ، صمدت أمام المعاناة والآلام ، وفي كل مراحل حياتها كانت تحاول أن تزرع في دروب أبنائها والأهل زهور الأماني والأحلام . رافقت الصبر ورافقها ، وكان إيمانها صامتاً بلا ضجيج ، وقرنت صبرها وزهدها وإخلاصها بإيمان راسخ ، فكانت الحضن الدافىء الذي يضمّ في جنباته المحبة والعطف والتضحية والخير .
كانت الحاجة أم علي ، حتّى أواخر حياتها ، في مقدمة تلك العينة من النساء اللواتي سوف تبقى ذكراهنّ فواحة كأريج الزهر العاطر ، وروحها ستبقى تطوف بين كلّ من عرفها ، تمطر خبزاً وحبّاً وورداً وخيراً .
المجمع والجامع وغيرهما في دوتريت ستفتقد الحاجة أم علي ، وسوف يطول انتظارها من قبل رفيقاتها في العمل ، في ميدان الخير والبذل والعطاء .
ذكراك لن تنطوي أيّتها الفقيدة ، ما دام لنا قلوب خافقات ، تغلبنا الدموع على فقدك يا مباسم الخبز ،يا سكون الجراحات ، ثقيل الحزن بين ضلوعنا عليك .لا يبرح طيفك عن خاطرنا ، انت في حنايا ضمائرنا .
أما انت ايتها الام الحنونة ، الحاجة اديبة احمد بيضون فقد انتقلت الى دنيا الموت ، بعد عمر طويل كنت مؤمنة ،طاهرة قمت بواجبك كأم حاضنة حتى أخر لحظة ، وما كنت تقدمينه كان نابعا ًمن صميم فؤادك ،ومن داخل قلبك والانسان يسمو بقدر ما يعطي .
لقد غبت ايتها الفقيدة عن العيون ،لكنك ترقدين في الاحضان ذكراك حاضرة ابدا في وجدان كل الاهل والمحبين ، واسمك سيبقى يحنو على الشفاه ، وصورتك ستظل معلقة على جدران القلوب ، وروحك ستستمر مشعة وهاجة ، متجسدة في الذين نتطلع اليهم ، وهم يرفدون المجتمع بحضورهم .
ايها الغائبون عن عيوننا ،عزاؤنا بكم ثمتل بفيض عاطفة كلّ من عرفكم ، فلتنعموا بنسائم الفردوس عبر عروج ارواحكم الى الملأ الاعلى ، باسم العائلة وباسم ال بيضون الاعزاء نشكر كل من واسانا بمصابنا الأليم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
القيت هذه الكلمة كلمة في ذكرى أسبوع المرحوم الأمسوف على شبابه المرحوم عباس عبد النبي بزي ، ووالدته المرحومة الحاجة أم علي زوجة الحاج عبد النبي بزي ، والمرحومة الحاجة أديبة أحمد بيضون