أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

حسابات حزب الله الانتخابية في ربع الــساعة الأخير

الأربعاء 05 كانون الأول , 2012 03:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,263 زائر

حسابات حزب الله الانتخابية في ربع الــساعة الأخير

لم تستغرق لملمة الوضع في غزة إلا أياماً معدودة، رغم التهويل والتصعيد الكلامي بالحرب الشاملة. سعت مصر وتركيا وقطر ــــ التي زار أميرها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني غزة قبيل الحرب ــــ إلى سحب غزة من المحور السوري ــــ الإيراني، بغطاء أميركي وموافقة إسرائيلية. حينها، تردد كلام عن أن الحرب تهدف إلى تحييد الأنظار عمّا يحدث في سوريا وإراحة الرئيس بشار الأسد. بدا الكلام عبثياً، آنذاك؛ لأنه ما كاد وضع غزة يستقر على معادلة فلسطينية ــــ إسرائيلية جديدة، حتى انصبّ الاهتمام الدولي والإقليمي على الوضع السوري الذي اتجه إلى مزيد من التأزم وإلى اتجاهات أكثر خطورة من ذي قبل، دفعت الموفد الدولي الأخضر الإبراهيمي إلى التحذير من أن تصبح سوريا دولة فاشلة. فالمراوحة الميدانية التي أفرزتها مواجهات الأشهر الأخيرة بدت أخيراً كأنها انتهت، لتعود المواجهات في شكل أكثر حدّة، ولا سيما مع اقترابها من عمق دمشق، وتحديداً مطارها الدولي الذي ما إن أُعلن فتحه، حتى حرصت مصر على تسليط الضوء على عدم تمتعه بالأمن، بعدما أعلنت أن طائرة مصرية لم تتمكن من الهبوط فيه.

أما في لبنان، فتدور مجموعة حروب على أكثر من مستوى: حرب تغيير الحكومة، وحرب قانون الانتخاب، وحرب طاولة الحوار وإعلان بعبدا، وحرب التدخل اللبناني من المستقبل وحزب الله في الشأن السوري. لكن، خلافاً لما هو عليه وضع غزة ودمشق، لا تثير حروب لبنان اليوم أي اهتمام دولي خارج السياق الديبلوماسي الروتيني، الذي يتمحور في جزئه الأكبر حول ملف النازحين السوريين.

لم يدم الاهتمام الدولي بلبنان بعد اغتيال اللواء وسام الحسن ومحاولة مجموعة من قوى 14 آذار اقتحام السرايا الحكومية أكثر من أيام. والتدخل، الذي أراد الرئيس فرنسوا هولاند إعطاءه بعض الزخم من خلال زيارته لبنان، لا يهدف إلى دعم الاستقرار، بل إلى تجميد الوضع اللبناني ربطاً بالتطورات السورية. ولعل في هذا الربط الجذري، بعد سحب ورقة غزة، مؤشراً خطيراً على لبنان؛ إذ يخشى معها أن تنفجر الحروب اللبنانية الصغيرة دفعة واحدة من دون استئذان أي راعٍ إقليمي أو دولي يريد تحييد الأنظار عن لبنان لحصد نتائج فاعلة على الساحة السورية.

ففي غياب مؤشرات الحوار واحتمالات التوافق على قانون الانتخاب، سيفرض بدء العد العكسي لإجراء الانتخابات، عاجلاً، على اللاعبين الأساسيين وضع أوراقهم على الطاولة.

يؤكد حزب الله يوماً بعد آخر رفضه إجراء الانتخابات على أساس قانون 1960. لكن المخاوف تكمن في أن يتطور هذا الموقف من رفض كلامي إلى قرار واضح بمنع أي انتخابات على أساس هذا القانون. وفي المقابل، سيضطر الفريق الآخر في هذه المرحلة إلى التفتيش عن وسائل أكثر فاعلية لإسقاط الحكومة.

ويبدو واضحاً أن الحزب اليوم، لا يغالي في تقدير قوة حلفائه للوصول إلى أكثرية صافية من دون حصة النائب وليد جنبلاط. وهو، بعدما أخفق في إمرار النسبية التي تضمن لفريق 8 آذار حصة صافية، يهدف إلى تقليل الأضرار عليه برفض قانون لا تقل فيه حصته عن تلك التي وفّرتها له انتخابات عام 2009، بحيث تبقى له قوة وازنة مؤثرة. وهذا أمر يؤكده وقوف حلفاء الحزب، أي العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية، إلى جانبه في رفض قانون 1960، وهما اللذان دافعا بقوة عن هذا القانون قبل الدوحة وبعدها. أي إن ثمة هامشاً انتخابياً «يلعب» الحزب فيه للدفاع عن مكتسبات عام 2009. وهو لن يقبل تبعاً لذلك، إن لم يستطع فرض القانون الذي يحمل له الأكثرية، أي قانون يمسّ بحصته الانتخابية. فالحجم السياسي للحزب بعد عام 2009 خط أحمر، ولن يسمح بخفضه، مهما كانت المتغيرات الداخلية والإقليمية التي يمكن أن ترافق إجراء الانتخابات النيابية الصيف المقبل، وما يمكن أن تحمله التطورات السورية من مفاجآت دراماتيكية في حينه.

ويقول أحد السياسيين الفاعلين إن الشهابيين ربحوا الانتخابات عام 1964، لكنهم خسروها عام 1968، لا بفعل قوة الحلف الثلاثي، بل بسبب خسارة الرئيس المصري جمال عبد الناصر حليف الشهابيين حرب 1967. وقوى 14 آذار اليوم لم تستطع أن تواكب التطورات الداخلية بأي تراكمات محلية تضمن نجاحها الانتخابي بالمطلق؛ إذ زاد سوء أدائها في الفترة الأخيرة، واستمرت في إيقاعها المتردد ذاته الذي جعلها تحوّل كل مناسبة، ولو على مستوى اغتيال الحسن، إلى مهرجانات انتخابية. إلا أن أي انهيار للنظام السوري، وبالتالي فقدان إيران ورقة سوريا بعد غزة، يمكن أيضاً أن يؤثر في قلب موازين القوة، مع احتمال انحياز الفئة الأكثر تردداً في لبنان إلى قوى المعارضة، كما حصل مع الحلف الثلاثي.

من هنا، دخل لبنان في ربع الساعة الأخير للانتخابات، والكلام الدائر أن قانون 1960 هو الأكثر حضوراً. لكن المؤشرات لدى معظم الأفرقاء تفيد بأن الانتخابات ستتعطّل. وفي ضوء احتمال وصول الأمور إلى حائط مسدود، قد لا يبقى أمام الحزب، لكونه صاحب المشروع الأساسي في فريق الأكثرية، وخوفاً من أن يخسر بالنقاط مع المتغيرات السورية، سوى خيار إطاحة الانتخابات. والسؤال يكمن في الإطار الذي يمكن أن يقوم من ضمنه بذلك، وهل يمكن اعتماد القيام بالأمر في الأشهر التي تسبق موعد الانتخابات أم يوم الانتخاب نفسه؟ علماً بأنّ لجوء الحزب إلى هذا الخيار هو كالكيّ، آخر الدواء، لأنه سيورّطه في مواجهة كبرى مع المجتمع الدولي.


Script executed in 0.19086599349976