أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

برج رحال تحتفي بمقاومتها... شفهياً

السبت 15 كانون الأول , 2012 05:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,883 زائر

برج رحال تحتفي بمقاومتها... شفهياً

بالتزامن مع شيوع خبر الإفراج عن العميل شربل قزي، ابن بلدة علمان، كانت بلدة برج رحال تحتفل بالذكرى الـ28 لتصديها الشعبي لمحاولة جنود العدو اقتحامها من أجل قتل قادة المقاومة العسكرية فيها أو اعتقالهم. حوالى ثلاثة عقود مرت على الواقعة، ولا تزال البلدة تحتفل بنفسها كأنها عروس زفّت للتو. يجتمع أبناء البلدة في الحسينية في 13 كانون الأول من كل عام، فيمتلئ فضاؤها بالحكايا والدموع والذكريات وصور الشهداء والجرحى ورائحة المقاومة.

في احتفال أول من أمس، عرض شريط فيديو يستعيد بعضاً من وقائع ذاك اليوم وما سبقه من أحداث أدت إليه، وصولاً إلى التحرير. بطلة الشريط خزنى غزال (85 عاماً). لقطات ثمينة أرّختها الكاميرات لها وهي تجلس على أنقاض منزلها الذي جرفته الآليات الإسرائيلية انتقاماً من ابنها علي خريس (النائب الحالي) أحد قادة المقاومة العسكرية حينها. كانت تتمتم «الأرض أرضنا وأنتو رح تفلو» كما لو أنها تردّد النشيد الوطني. قبل الجرف، دهمت قوة من جنود العدو البيت لتسألها عن ابنها. هدّدها قائد القوة بهدم البيت إن لم تعترف. من دون تفكير، أجابته «بدك تكسّر كسّر»، قبل أن تستدير وتساعد زوجها المريض على النهوض وتسنده للخروج من البيت. سبقت الجنود إلى الخارج مفسحة لهم المجال للهدم.

على أنقاض البيت «المهدوم»، دعتنا ابنتها زينب، وزميلتها في قيادة المواجهة الشعبية فاطمة عز الدين وأحد أبطال المقاومة عباس غزال، إلى جلسة عرض فصول من تجربة البلدة مع إسرائيل. عرض يليق بهذا المكان الذي قام من بين الأنقاض لاحقاً بسواعد الحاجة خزنى.

يحارون من أين يبدأون؟ من وقائع ذاك اليوم، أم من التصدي الأول لدوريات العدو بعيد الاجتياح في عام 1982 عندما نزل مئة طفل من المخيم الكشفي إلى الطريق العام ليرشقوا الجنود بالحجارة؟ أحاديث خزنى وزينب وفاطمة وعباس تُقطع مراراً للانتقال إلى روايات أخرى أثقلت ذاكرتهم حتى نسوا بعض تفاصيلها، فيتعاونون على تذكير بعضهم بعضاً. كيف كانت فاطمة تحتفظ دوماً بعلبة كبريت في جيبها، فيما زينب تدسّ قنينة كاز في ثيابها. في 13 كانون الأول، سجلت وسائل الإعلام إحراق دبابة في ساحة برج رحال. العشرينية زينب، وفاطمة ذات السنوات الست عشرة، هما من صنع المشهد. ترويان كيف تصدّت صبايا البلدة لمحاولة الجنود اقتحام أزقتها. جمعن الدواليب وأشعلن النيران فيها، حتى إن عايدة نصرالله (18 عاماً) لم تجد سوى «تنكة» زرعت فيها شتلة، لترميها على الجنود لدى اقترابهم من زميلاتها. أصابت التنكة رقبة جندي، فردّ زملاؤه بإطلاق النار عليها وعلى زميلاتها. هنّ أصبن وهي استشهدت. وبين هذا وذاك، كانت الصبايا ينقلن السلاح للمقاومين تحت ثيابهن ويردمنها في حقول الزيتون. ولا ينسين كيف اعتقل العدو عباس، وعلّقه بجنازير في سكة المروحية، وطاف به سماء البلدة تحت أعين أهاليها وصولاً حتى مدينة صور، قبل أن ينقل إلى عسقلان حيث اعتقل وحكم عليه بالسجن 216 عاماً، قبل الإفراج عنه في عملية تبادل للأسرى.

لكن الإنجاز الأهم الذي يسجل لبرج رحال، بحسب عباس، أنها حدّت من وجود العملاء الذين انتشروا في مناطق أخرى ومنحوا العدو أهم انتصاراته، مؤكداً خلوّ البلدة منهم طوال فترة احتلالها بين عامي 1982 حتى 1985. بعدما كان الأهالي قد تلاعبوا باتجاهات اللافتات التي تشير إلى البلدات وشوارعها.

اللافت أن في برج رحال «حكايتنا مش مكتوبة بالتاريخ مضواية بسهرات الناس لتواريخ»، إذ لم يدوّن أبناء البلدة وقائع السنوات الثلاث تلك في وثائق وكتب تحفظ حق جميع المشاركين فيها. باستثناء الاحتفال السنوي وتناقل الأحداث من الآباء إلى الأبناء، لا تزال برج رحال تكرّم نفسها شفوياً. فهل تكتب تاريخها وتنشره للعموم، عبرة لمن يعتبر في زمن اختلاط المقاوم بالعميل؟


Script executed in 0.16217112541199