أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

لبنانيو أفريقيا ينتظرون سليمان

الثلاثاء 05 شباط , 2013 04:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,363 زائر

لبنانيو أفريقيا ينتظرون سليمان

آمال خليل

في هذه الأيام، يستعيد اللبنانيون الذكرى الثانية لأحداث ساحل العاج الأخيرة، والذكرى الثالثة لحادثة سقوط الطائرة الإثيوبية قبالة شاطئ الناعمة. المناسبتان، اللتان تتحولان تدريجياً إلى ملكية خاصة بالذين تضرروا منهما بشكل مباشر، فضحتا أداء الدولة الرسمي تجاه جالياتها في دول الاغتراب لا سيما أفريقيا. وكسائر الحوادث اللبنانية التي تقع في الداخل والخارج، تحركت أجهزة الدولة في إطار الصدمة وردة الفعل لمعالجتها إذ تناست لاحقاً معالجة أسباب هذه الأحداث وتداعياتها، وتتجه لوضع خطة مواجهة شاملة تتحمّل فيها مسؤولية رعاياها. فهل سيتغير هذا الواقع مع الزيارة المرتقبة لرئيس الجمهورية ميشال سليمان إلى أربع من دول غرب أفريقيا التي تضم مئات الآلاف من اللبنانيين المغتربين فيها منذ عقود طويلة؟

 

أم أن الزيارة التي سيقوم بها سليمان إلى السنغال ونيجيريا وغانا وساحل العاج، منتصف الشهر المقبل، ستكون مثل سابقاتها التي صُنّفت في خانة الجولات الاستعراضية مكلّفة خزينة الدولة ملايين الدولارات، من دون أن تعوّض على المواطنين باتفاقيات أو تحسين لواقع المغتربين؟

يذكر عضو غرفة التجارة والصناعة اللبنانية في ساحل العاج اسماعيل بحسون أن الرئيس الياس الهراوي مرّ بمطار أبيدجان في ساحل العاج خلال ولايته، لكن في طريقه إلى أميركا اللاتينية، فلم يحسبها المغتربون زيارة تفقدية له. الزيارة التي لا ينساها الكثير من هؤلاء، كانت عام 1967 عندما خصّص الإمام موسى الصدر خمسة أشهر لتفقد الجاليات اللبنانية المنتشرة في منطقة غرب أفريقيا ومحيطها. وبهدف تفقد أحوالهم وشكرهم على الدعم والتمويل الذي كانوا يمدونه لإنشاء مؤسسات اجتماعية وتربوية لصالح الطائفة الشيعية، زار الصدر السنغال وساحل العاج وغينيا وغانا ونيجيريا وسيراليون... حيث أقيمت له استقبالات رسمية وشعبية كونه الشخصية اللبنانية الأولى التي تزور تلك الدول. وقد استثمر المغتربون الزيارة، فجعلوه وسيطاً بينهم وبين حكومات دول الاغتراب لرفع مطالبهم وعرض مشكلاتهم. وبحسب اسماعيل بحسون، استطاع حل الكثير من المشكلات وتعزيز موقع اللبنانيين الذين كانوا يفتقدون حينها المظلة الرسمية اللبنانية. ويذكر تدخل الصدر الإيجابي مع رئيس غينيا آنذاك سيكوتوري الذي كان يحتجز عدداً من اللبنانيين لاتهامهم بالتورط في الانقلاب عليه. استجاب الرئيس لطلب الصدر بالنظر في أمرهم إلى أن أفرج عنهم بعد وقت قصير، في حين صمّت الحكومة اللبنانية آذانها حينها. أما في ساحل العاج، فقد تدخل الصدر مع رئيس الجمهورية لتسهيل حصول اللبنانيين على أوراق إقامة وتأشيرات دخول. نتائج الزيارة الإيجابية، دفعت الصدر إلى تكرارها لمرتين لاحقاً، الأولى في عام 1972 والثانية قبل تغييبه بسبعة أشهر. وفي المرة الأخيرة، وضع حجر الأساس للمركز الإسلامي التابع للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الذي بات يضم حتى اليوم مسجداً ومركزاً ثقافياً ومدرسة عربية خاصة بأبناء الجالية اللبنانية وتستقبل حالياً أكثر من 1200 طالب. الزيارة الموسعة الثانية كانت للرئيس نبيه بري الذي كانت له جولة رسمية في العام 2004.

يلفت بحسون إلى أن الحكومة اللبنانية كانت كالكثير من مواطنيها، تنظر إلى القارة الأفريقية على أنها البقرة الحلوب، في إشارة إلى تحويلات المغتربين المالية الهائلة التي كانت تصبّ في المصارف اللبنانية. ففي الخمسينيات والستينيات، كان المغتربون يدخرون أموالهم في المصارف حيث يودعونها ويستفيدون من فوائدها. لكنهم تنبهوا لاحقاً إلى فائدة استثمارها في شراء العقارات وتشييد المشاريع السكنية والاقتصادية. مع ذلك، كانت الحكومة تأخذ ولا تعطي.

اليوم، كيف تستعد الجاليات اللبنانية لاستقبال سليمان واستثمار زيارته؟ على صعيد الاستقبالات البروتوكولية، تنشط البعثات الدبلوماسية في غانا ونيجيريا والسنغال وساحل العاج في التنسيق مع ممثلي الجاليات لتنظيم استقبالات للرئيس، وتنظيم مواعيد له مع المسؤولين الرسميين في الدول الأربع. لكن هل يتنبه هؤلاء لتحضير من نوع آخر يشمل التطرق بشكل جدي لحاجات الجاليات وإثارة مطالبها مع المسؤولين؟

لائحة طويلة من المطالب والهموم يستعرضها بحسون، مشيراً إلى ضرورة تقديمها لسليمان وعرضها معه قبل بدء زيارته. وذلك لكي يمتلك صورة مسبقة عنها ويستطيع إثارتها خلال الجولة. في هذا الإطار وبالنسبة لساحل العاج تحديداً حيث يقيم حوالى 50 ألف لبناني يسيطرون على أكثر من 50 في المئة من الاقتصاد، يقترح بحسون أن تقدم غرفة التجارة والصناعة اللبنانية هناك لائحة لسليمان باتفاقيات التعاون والتطوير، التي من المفيد إبرامها بين لبنان وساحل العاج، خصوصاً أنهما لا يملكان أي اتفاقية مشتركة. وهنا، يذكر بحسون أن نظره وقع بالصدفة قبل أشهر على قرار لمجلس الوزراء اللبناني بالموافقة على إبرام اتفاقية صحية مع ساحل العاج. لكنه وسواه في الغرفة وفعاليات الجالية ليسوا على علم بها.

بانتظار سليمان لائحة إضافية. منها الطلب من الدولة اللبنانية توفير تسهيلات لنقل جثامين المغتربين الذين يتوفون في ساحل العاج وسواها. ويوضح أن كلفة نقل الجثمان لدفنه في لبنان تقارب الـ 12 الف دولار. مبلغ بحسب بحسون ليس بمقدور الجميع توفيره، لا سيما المغتربون الجدد الذين يعملون في المهن والوظائف.

أما الطلب الأبرز فهو تعزيز خطوط طيران الشرق الأوسط بين بيروت ودول انتشار اللبنانيين في أفريقيا. يذكر أن الرئيس نبيه بري كان قد اصطحب معه، خلال زيارته الأخيرة، رئيس مجلس إدارة الشركة محمد الحوت استجابة لمطالب اللبنانيين لتطوير خط الطيران الذي كان مقتصراً على نيجيريا وغانا وأبيدجان. في شهر كانون الأول من عام 2010، استجابت الشركة لضرورة افتتاح خط جديد يلبي التنقلات المستمرة لآلاف اللبنانيين في كل دول أفريقيا. فاستحدث خط طيران بين بيروت والكونغو الديموقراطية، ما يسمح بتغطية حوالى 85 في المئة من دول الانتشار، لكن الخط لم يشهد سوى رحلة طيران واحدة، ما أثار تساؤلات عن سبب توقيفها، ووضعت احتمالات صبّت في خانة السياسة. اقتصار الخط الحالي على نيجيريا وغانا وساحل العاج، يدفع باللبنانيين إلى اعتماد شركات طيران أخرى توفر رحلات من الدول التي يقيمون فيها برغم أنها أكثر كلفة ومشقة. أما المطلب الذي يجب أن يتنبه له سليمان من دون الحاجة إلى لفت نظر فهو تعزيز حضور البعثات الدبلوماسية في أفريقيا. إذ لا يوجد في الكثير منها سفير أو ممثلية للدولة اللبنانية.

 

مطالب بالحماية... والتواصل

 

تختلف المطالب التي يريدها اللبنانيون من دولتهم، كلّ بحسب الدولة التي يقيم فيها. فجولة الرئيس ميشال سليمان (الصورة) ستقوده أيضاً إلى نيجيريا، المحطة الثابتة في جولة أي مسؤول لبناني بالنظر إلى عدد أفراد الجالية الذي يزيد عن الأربعين ألفاً، ونفوذهم الاقتصادي الكبير. هناك، يبرز لدى اللبنانيين مطلب الأمن بسبب تأثرهم بالأوضاع الأمنية المضطربة وتعرضهم للخطف مقابل فدية، لا سيما الموظفين في شركات النفط. وآخرهم عازر سليمان وعلي مروة. أما في السنغال فالمطلب هو تعزيز التواصل بين اللبنانيين وبلدهم الأم، إذ إن معظم أبناء الجالية، التي لا يزيد عدد أبنائها حالياً على العشرين ألفاً، فقدوا التواصل مع لبنان. هؤلاء أصبحوا سنغاليين بالجنسية والهوية، وانصهروا كلياً في المجتمع حيث يتزوجون ويدفنون موتاهم. أما في غانا، أو ساحل الذهب، كما يعني اسمها الاصلي، فالمطالب بالدرجة الأولى اقتصادية، تهدف إلى تعزيز حضور الجالية التي لا تزيد على الخمسة آلاف شخص. فهل يستطيع سليمان رفع تلك المطالب وتنفيذها؟.


Script executed in 0.21607613563538