• بعد فترة ستتقاعد من وظيفتك هل ستتفرغ لعشقك الجنوبي وللكتابة؟
أعترف بأنني من جيلٍ لا يعرف التقاعد ولا يعترف، حتى بينه وبين نفسه، بأنه قد شاخ، وآن له أن يرتاح، فالراحة انطفاء، وما زال في المصباحُ بعض الزيت! وصباحنا لن يجفّ زيته ولن ينضب طالما نحن هنا.. وهناك حملة أقلام ورايات ينهلون من حبر الانتماء الشامخ لأمتنا الواحدة التي لن تقهر عزائمها النكبات. أراد العمر أن أنتسب عما قريب إلى شريحة المتقاعدين. ولقد بات قريباً أن يفرض علينا – التقاعد الإداري – ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو هل تتوقف وظيفة الإنسان في الحياة إذا توقفت حياته في الوظيفة؟ وهذا ما يفتح المجال للتأمل، من وراء طاولتي التي ترفض التقاعد مع أوراقي التي تستحثني للكتابة عن أيام زاهيات – قبل أن تتلون بالعَكَر.
• بصفتك رئيس الهيئة الإدارية لإنماء المنطقة الحدودية.. ماذا قدّمتم لهذه المنطقة؟
هيئة إنماء المنطقة الحدودية الجنوبية هي هيئة أهلية، تعمل ضمن المنطقة المحررة سبق وتأسست سنة 1988 بهدف المساعدة على صمود الأهل في ظل الاحتلال ورفع منسوب الممانعة لديهم وتقديم الوسائل المتاحة والممكنة لأجل هذا الهدف، وخلق فرص العمل التي تمكنهم من ذلك، لنبقى في مستوى الوجع الوطني الكبير والهموم الكبيرة. وانطلاقاً من مبدأ أن الكرامة وطن واحد ومصير مشترك، لأنها تقرأ الأحداث بعين اللحظة.
• ما هي الكلمة الموقف التي تريد أن تقولها عبر شؤون جنوبية؟
إنها ارتدادات الفتن المتنقلة في الوطن العربي الكبير التي اقتحم بها الأمريكان سياج أمتنا الواهي. في الجنوب يوجد قديسون كثيرون سُمْرٌ زنودهم، يجبلون الحُبَّ بالحبِّ ويرتجلون العتابا يمسكون قلماً بيدوسيفاً باليد الأخرى ويعلّقون في أعناقهم سلاسل من شقائق النعمان تشرّهم إلى قنْص الرحيق.
شلة التبغ/ بيادر القمح/ كروم التين والزيتون/ المزارعون الغارقون في رحيق السهول. ولأنني من هذه الأرض، من الجنوب الذي رسمناه محراباً، من بنت جبيل الساجدة لهضاب الجليل مخرز إسرائيل تكسره أعين البنادق الشاخصة إلى صدر فاشي... ينحتون في الصخر عنواناً للربيع إلى فيء صفصافة لا تعرف الهرم.
الوطن هو الأرض/ والأرض هي الوطن فلا بد من توجيه التحية إلى أرض الوطن وإلى كل مواطن يده مغروسة في هذا التراب، تلك اليد التي تعشق الأرض التي تعطي حين نعطيها... نحن بحاجة إلى أن نتأمل وطننا الجريح ونثق بشفائه وقدرة أبنائه ونميّز بين اليد التي تحمل المبضع وتلك التي تحمل الخنجر. إننا نقرأ وطننا سنبلة وأغنية جميلة للحصاد الخيّر.. نرسمه حلماً ونهجّيه غصن زيتون ونعرفه كرماً أثقل الطِّيب حلمته.
للأرض المجد.. فالإنسان بأرضه
والحلم أقوى من الهزيمة، قد يسقط صاحبه دونه ولا يكتمل الإنسان إلا بأحلامه، والعيش خارج الحلم اندثار في الصقيع. الأرض مقدسة، ولو كانت صحراء قاحلة.. فكيف إذا كانت عامرة بأهلها وزرعها ومائها وأشجارها. وكيف لا تحسب أشجار الزيتون من بين الشهداء وهي بين أسباب الحياة وبين أسباب العلاقة بالأرض واتصالها على مر الزمن، وبين ملامح الهوية للإنسان في أرضه، فضلاً عن كونها ظلَّت دائماً مصدر العون في رزقه وبين عوامل صموده...
الوطن في القلب وفي البال، وعلى بعد عقل واحد وفؤاد واحد من الحياة، بل هو كامل البال والفؤاد والعقل، وكلما ضاقت بنا الدروب وجدنا الوطن درب خلاص. وعندما يشتد علينا العبء نبحث عن لغة الوطن... في مفترق حزن جمعتنا مرارة مشتركة. الوطن بنا ولنا. إنه كتاب البقاء الكبير الذي نكتبه كل يوم بالعافية وبالمقاومين والجنود والأبطال الذين يكتبون بالدم، ليس مثلهم أحد لأنهم يكتبون سطراً في أول الوطن ويكتبون دماً واثقاً في عز المحن والشهداء يؤلفون البقاء...