أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

مراجعة وقراءة حول كتاب : القصائد والرسائل " للعلامة السيد محمد رضا فضل الله

الإثنين 18 شباط , 2013 07:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 6,298 زائر

مراجعة وقراءة حول كتاب :  القصائد  والرسائل " للعلامة السيد محمد رضا فضل الله

" المجموعة ، القصائد  والرسائل " العلامة السيد محمد رضا فضل الله ، المتوفى سنة 1336 ه / 1917م تقديم الدكتور السيد حسن فضل الله ، تحقيق السيد معروف محمد تقي فضل الله .

لم يغب علماء الدين عن ربوع جبل عامل ، في يوم من الأيام ، أو في فترة من الفترات ، حتى تلك العصيبة منها ، عن ساحات العمل الديني والإجتماعي ، وحتى السياسي ، حيث كان لهم التأثير الإيجابي والمهم في تعميق الشعور الديني ، وفي التوجيه والوعظ والإرشاد الإجتماعي ، وفي مجال الأدب والشعر ، وإصدار الأحكام الشرعية ، وتركيز الأسس والقواعد السليمة ، في بناء المجتمع .

وبالرغم من الضغوطات المتعددة والمختلفة التي كانت تمارسها السلطة العثمانية الحاكمة ، حتى نهاية عهدها في المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى ، فإن علماء الدين ظلوا يتابعون مسيرتهم الجهادية والعملية والدينية والتثقيفية ، وكانوا يتماهون في جهادهم مع أقرانهم علماء النجف الأشرف ، الذين كانوا يخوضون صراعاً مع المستعمرين ، ضد الإضطهاد التاريخي والمزمن الذي كان يمارس ، وقد إزداد هذا الإضطهاد بعد ثورة النجف سنة 1920 ، من هنا نلاحظ أن المعاناة كانت واحدة ، إن في جبل عامل أو في النجف الأشرف .

من هذه المقدمة ، يمكن أن نطلَ على الإصدار الجديد والمتميز ، والذي ندخل من خلاله في رحاب أحد أهم العلماء العامليين ، ألا وهو العلامة السيد محمد رضا فضل الله .

أقدَر بداية التقديم الذي كتبه الدكتور السيد حسن فضل الله ، والذي يوجز فيه بشكل واضح جداً ، سيرة العلامة ، وأفكاره ، وما طرحه من أمور مهمة ، كان هذا العلامة سباقاً في طرحها ، وبجرأة ملفتة للنظر، وأننا من خلال هذا التقديم ، والتحقيق الذي أعقبه ، والذي قام به السيد معروف فضل الله ، يختصران مسيرة جهادية ، علمية ، مجتمعية ، ثقافية ، للعلامة السيد محمد رضا .

المحطة الأولى في الكتاب ، تتمثل بالتقديم ، حيث يرَكز الدكتور حسن فضل الله على جبل عامل الثري بالأدب والشعر والجهاد ، في الماضي والحاضر ، وعلى كل المستويات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والدينية والتعليمية ، وعلى دور العلماء العامليين في مجال العلم والتعليم ، وتأثيرهم في جبل عامل وخارجه ، هؤلاء الذين تركوا آثاراً لا تعد ولا تحصى ، وبعضها لا تزال تُدرس في الحوزات الدينية إلى اليوم .

هؤلاء العلماء كان موقعهم في الصدارة ، وكانوا مقدَرين ومحترمين ، وخاصة من السياسيين ، كيف لا ، وهم يحتلون موقع "رأس سلَم الهرم الديني الإجتماعي "، وكان هؤلاء العلماء يعتبرون أن مهمتهم لا تنحصر فقط في التبليغ والإرشاد ، وإنما بأوسع من ذلك ، فهم جزء من مجتمع يشهد بإستمرار حركة سياسية ، لم يكونوا منظَرين لها فحسب ، بل جزءاً لا يتجزأ منها ومن فعاليتها .

ثم يدخل الدكتور في مجال الفقيه السيد محمد رضا فضل الله ، الذي كان إلى جانب الشيخ موسى مغنية ، من أهم أعمدة وركائز مدرسة المقدس الشيخ موسى شرارة الدينية في بنت جبيل .

" ولاشك أن النشأة الدنية للسيد ، في بيت ديني عريق ، جعلته بستفيد من البيئة الثقافية للمجتمع المحلي والأوسع ، هذه البيئة التي كان لها الفضل في الإبقاء على صلة العائلات الدينية مع التعليم الديني ، حيث كانت بلدة عيناثا واحدة من البلدات العلمية والأدبية .

كما يتحدث الدكتور عن العائلة الدينية "فضل الله " التي هي من " أجلّ البيوتات في العلم وصحة النسب ، والتي نبغ منها علماء كبار ، فقهاء وشعراء وأدباء ورجال مجتمع وسياسة .

العلامة السيد محمد رضا ، الذي ولد في سنة 1864 ، وتوفي سنة 1917 ، عاش ثلاثة وخمسين عاماً ، كانت المنطقة تعيش خلالها مرحلة صراع إنتقال سياسي ، بدأت مع صدور "النظام الأساسي " ، وأنتهت ببدء إنهيار السلطنة العثمانية .

يشير الدكتور فضل الله ، أن أساتذة العلامة الذين تعلَم على أيديهم في النجف ، كان لهم موقعهم الديني ، فضلاً عن السياسي ، وهناك بدأت شخصية السيد تتبلور تدريجياً .

هنا يظهر الجانب الإصلاحي والنهوضي لديه ، حيث لم يكن رجلاً دينيياً وفقيهاً فحسب ، وإنما كان يمتلك فكراً إصلاحياً ورؤى نهوضية ، تمثلت برفعة لواء محاربة الفساد ، وإصلاح المجتمع ، والنهوض بالأمة، وتركيزه على مسألتي العلم والعمل ، والسلوك القديم ، ونقد المظاهر غير الصحَية في المجتمع ، والحثَ على الفضائل ، والإبتعاد عن الإنحراف ، هو الذي كان يعتبر أن على العلماء تقع مسؤوليات كبرى في إصلاح المجتمع .

هكذا إنطلق العلامة في الحوزة الدينية في عمليته الإصلاحية (تعليماً وحراكاً ) ، مركزاً على دور المرجع أو الفقيه في هذا المجال ، وعبَر عن رؤيةهذه من خلال رسائله وأشعاره وسلوكه الشخصي .

أما أهم القضايا التي عالجها ، فتتركز في مسألتين مهمتين هما : دور الفقيه ووظيفته ، وخاصة في مسألة الوحدة في مواجهة الإستعمار .

من هذه الناحية ، عالج السيد موضوع دور العلماء وصلاحيتهم ومرجعيتهم في الولاية ، مركزاً على أمر مهم وهو :" أن الخلق محتاج لرئيس مرشد في كل زمان ، وإنما المرشدون هم العلماء لا غيرهم "، يعني أنه حصر هذه المسألة  بالعلماء .

يعتبر د. فضل الله ، أن السيد كان يتطلع إلى دور أكبر للفقهاء ، يتمثل ب" الحاكمية على المجتمع وقيادة شؤون الناس "، وإعتمد في مقاربة هذا الموضوع على طرق : الإستدلال الفقهي من الكتاب والسنَة ، وعلى الإستدلال العقلي ( يعني أن العقل له دور مركزي في إستدلاله وأبحاثه )، لا ثبات مسألة أساسية ، وهي "ضرورة رجوع الناس في قضاياهم ... إلى حكم الفقيه المجتهد ..." أي أن " قوام الدين ونظام أمر المسلمين في أيدي العلماء العاملين والأخيار الزاهدين ".

وحسب د. فضل الله ، فإن العلامة يحدَد في رسائله الوظائف المختصة بالفقهاء ، بإعتبارهم ورثة فعليين للأنبياء ، ونواباً عن الأمة ، ومن الأمور الملفته للنظر ، والتي تصدَى لها إستخدامه مصطلحات في تحديد الدور المناط بالفقيه ، وأهمها : قوام الدين ونظام أمر المسلمين ، نظام الدين وقوام أمر المسلمين ، الرئاسة العظمى ، النيابة الكبرى ، السفارة (عن الأمة ) ، وهذا النظام لايتم إلا بالإمامة ، وبعدها بعهدة العلماء العاملين .

وحسب د. نفسه ، فإن " مصطلح الرئاسة العظمى يفسر المعنى الإصطلاحي لمفهوم النيابة الكبرى ، الذي قصده الفقيه العاملي ، ويعدَ هذا المفهوم من مختصَاته ، إذ لم يصلنا من نتاج الفقهاء قبل عصر السيد محمد رضا ،وبعده، أي إستخدام لمثل هذا المصطلح ". 

والأهم لدى العلامة ، كما يذكر د. فضل الله :" ربطه بين النيابة والسفارة تدلَل على العلاقة التي تقوم بين الإمام وشيعته ".

وهو في هذا المجال "يقرن بين السفارة والنيابة وتحديد الأدوار ومدى الوكالة عن الإمام ، وهي وكالة كاملة بكل مندرجاتها "، (شؤون الدين وأمور الدنيا ). 

ويذكر د. حسن ، أن الوكالة التي يتحدث عنها العلامة " تشتمل صلاحيات عديدة هي : حفظ الشريعة ، هداية الناس ، تبيان الأحكام الشرعية ، إقامة الحدود ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، الإفتاء في مسائل الحلال والحرام ، إحياء السنَة ...... وإماتة البدعة ، قمع الفساد ...

وهذه الوظائف لا تستقيم من دون سلطة قادرة " كما أن " مثل هذه المسؤولية المحورية التي يتولاها الفقيه ، تفرض تجاوز الإعتبارات الفردية ، لأن الفقيه ليس الفرد الذي يصل إلى مرتبة علمية ، وفق منهاج الحوزة الدينية فحسب ، إنما هو مجموع المواصفات . 

هكذا "صاغ العلامة فضل الله رؤية في قالب فكري فقهي ، وهو لم يترك مناسبة سانحة ، إلا ويبرز فيها موقفه من " أهمية قيادة الفقيه للأمة " مستفيداً من تجارب معينة وأن تفسيره " لصلاحية الفقيه ودوره" جعله – حسب د.فضل الله – يعمل "على توفير الحماية الدائمة لموقع المرجع القائد "، والتصدي لأي محاولة للتسلل إلى هذا المركز على مستوى الأهلية السلوكية ". 

ولعل أهم ما طرحه العلامة حسب د.فضل الله – أن " إكتساب أعلى درجات المعرفة العلمية لا تكفي لتعطي شهادة بالقيادة ".

وهو "تصدي لبعض المتنعمين برفاهية العيش ، وأعتبر أن على القائد أن يكون محصَناً من الإنقياد وراء مصالحه ورغباته الشخصية ". 

نلاحظ من خلال ذلك كله جرأته ، وتوجهاته الإصلاحية لشؤون الحوزة وعلمائها . ويرى د.فضل الله أن العلامة أولى إهتماماً بارزاً بموضوع التعليم ، حيث إعتبره أولوية .

أما الأمر المهم جداً الذي لاحظه الدكتور من خلال ما طرحه العلامة فهو ،" وحدة الأمة في مواجهة الإستعمار ".

حيث كان يعتبر أن مهما العلماء يجب أن تكون أبعد من حدود بيئتهم ، وتصل إلى معالجة أمور وقضايا الأمة .

لذلك فإنه كان على تواصل مع حراك الحوزة ، وتفاعلها مع القضايا الإسلامية العامة ، لاسيما بعد تفكك الدولة المركزية ، وتوالي الغزوات على بلاد المسلمين .

من خلال شعره تبرز مواقفه التي أشار إليها الدكتور حسن فضل الله وأهمها  :

إستنهاض الأمة كي تصَد الغزو الإيطالي عن ليبيا ، وهنا أوضح نظرته إلى دور الفقيه في التصدي لأمور المسلمين ، من موقع مسؤوليته الدينية ، ومهم جداً أن نلاحظ المعادلة التي رسمها آنذاك ، والتي تقوم على " مفهوم البذل والتضحية من أجل تحقيق النصر ".

هذا ويلاحظ الدكنور نفسه " توجهاً – لدى السيد – نحو الفهم الإسلامي الوحدوي لمعنى الأمة وإنتظام أمر المسلمين ..." 

بالنتيجة فإن العلامة " يحاكي مرحلته بآلامها وأمالها وليتشرف بالمستقبل ".

أما من خلال التحقيق الذي أورده السيد معروف فضل الله ، فنلاحظ أموراً عديدة ، منها :

أن أجزاء من المجموعة قد ضاع بفعل ظروف وعوامل عديدة ، وهذا ما أخر طباعتها ونشرها .

وهو ينوَه بتشجيع الدكتور حسن فضل الله ، ورعايته وإهتمامه بإحياء هذا التراث . ويتحدث عن المشاكل التي يواجهها وهي عديدة ، كما يقدَم ترجمة وافية عن العلامة ، ويؤكد أنه " من طبقة العلماء الذين شهدت لهم مجالس العلم ومنتديات الأدب ...، ولهذه البيئة أثر عميق في تكوين العواطف والإنطباعات النفسية للكاتب ، والتي تظهر في نتاجه الأدبي .

ويتحدث المحقق عن العائلة "فضل الله " وما قدَمته من خلال علمائها في مجال الدين والجهاد ، والمساهمة يف إحياء الحياة العلمية في جبل عامل ، خاصة بعد النكبات التي حلَت به . ويتحدث أيضاً عن دراسة العلامة فضل الله في جبل عامل ، وخاصة في مدرسة بنت جبيل ، التي كانت " الميدان الرحب الذي ينطلق منه في مشواره العلمي ، ويصقل موهبته الأدبية في أجوائها العامرة بالعلم والتعليم ".

وينتقل بعد ذلك للحديث عن مرحلة جديدة للعلامة في النجف ، حيث درس هناك على جملة من كبار العلماء والمراجع ، وقد أشار إليهم ، وحاز على مرتبة عالية في الإجتهاد ، حيث قيل فيه أنه "عالم كبير ، نال مقاماً كبيراً عند المراجع العليا وإتجه للإستفادة منه فريق من الفضلاء "، و" هو العلامة الفقيه البارع ، هو ذبالة العلم الزاهرة ، ومعقد المجد الأثيل ، وأحد الأعمدة والدعائم في القطر السوري "، و"هو العالم الفاضل المعاصر ، أحد حسنات العصر "، وهو الذي "جمع بين رئاستي العلم والأدب ... لأنه عالم فقيه أصولي ، من الشخصيات اللامعة ، ومن الأدباء الأفذاذ "، كما أنه بالإضافة إلى كل ذلك "بلغ بمآثره أقصى ما بلغه سيد من السؤدد والفخر ، مالكاً من الرياسة أعنَة النهي والأمر ، ومن البلاغة أعنَة النظم والنثر ، الذي لا يجاريه أحد في حلبته "، كما أنه كان إلى جانب ذلك "من الأدباء الأماثل ... كان شاعراً شهيراً ، وكاتباً مبدعاً ، له نثر بليغ ". 

ولاشك أن هذه الشهادات ، التي يضاف إليها شهادات أخرى من علماء ورجال آخرين عاصروه ، تشكل كلها عينات هامة ، تلقي الضوء على شخصية فذَة متميزة .

ان المحقق السيد معروف يتحدث عن عودة العلامة إلى جبل عامل ، ودوره الإجتماعي والديني الذي لعبه، لكنه لم يستطع إكمال مسيرته ، لأن المنية وافته ، حتى قبل حسم الوضع العسكري ، في نهايات الحرب العالمية الأولى ، وأنه دفن في قانا .

يعدَد السيد معروف فضل الله مؤلفات العلامة السيد محمد رضا فضل الله ، وهي عديدة ، وينقل بعض شعره الذي يتميز بأنه حكمي ، صادق في مشاعر الحزن والفرح ، وفي وصف معاناته ، وهو ترك أرثاً ثقافياً غزيراً ، وان ما وصل لورثته ليس كل ما كتبه في حياته ، حيث لم يعثر له على قصائد تتناول الأحداث السياسية الكبرى في عصره ، بإستثناء قصيدته اليتيمة ، ليبيا ، حتى المراثي التي قيلت فيه بعد وفاته لم يتم العثور عليها .

وقد تعددت موضوعات شعره ، فهي بمديح النبي وآله والعلماء ، وشعر الحكمة والرثاء والشعر الإخواني، ودعوته لعدم الإغترار بالدنيا وسمو النفس .

وشعره يتسم بالمنحى العرفاني ، حيث يدعو إلى ترك الشهوات والإنصراف عن متاع الدنيا ، والعمل من أجل السعادة الآخروية ، وهو لايرى الفخر في إمتلاك المال والقصور ، ويشيد بالعلماء ، ويشكو من الدهر وأهله ويحنَ إلى الوطن ، ويزهد في متاع الدنيا ، وله موقف من التظاهر بالعفاف والورع ، ومن تفشي الجهل والطمع .

يلاحظ السيد معروف ملاحة جميلة ، وهي أن العلامة " يبدو متبحراً في اللغة ، ذا ثقافة واسعة ، يركز على الناقة وصفاتها وأسمائها ، فهو متأثر بالمنابع البدوية الأصيلة للشعر العربي ". 

وللعلامة أيضاً باع طويل في مجال النثر ، حيث يبرز – كما يذكر السيد معروف – في سجعه الحاذ ( أي المتن وهو موضع اللبد من متن الفرس ) ، وشيق العبارة ، وفي إستعاراته واضح الجادة ، بعيد الإشارة ، يقول فصلاً ، ويحكم عدلاً ، جارى بلغاء العرب الأوائل ، وإحتفظ لنفسه بفرادة الإسلوب الذي يحمل طابعه الخاص ، وشخصيته الأدبية المميزة ، وزواج في رسائله بين الشعر والنثر ". 

وكتب في مواضيع نثرية عديدة ، يخلص المحقق بنتيجتها إلى القول أن "العلامة صاحب نهج إصلاحي ، هو في كل ما كتب يرمي إلى هدف واحد هو صلاح أمر الأمة ، من خلال صلاح علمائها ". 

Script executed in 0.19488906860352