أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

دونكيشوتيات الأسير توتّر صيدا

السبت 23 شباط , 2013 07:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,519 زائر

دونكيشوتيات الأسير توتّر صيدا

حتى وقت متأخر من ليل أمس، كان لا يزال يتصدر الصفحة الرئيسية لأحمد الأسير على الفايسبوك، خبر عاجل عن محاولة لاقتحام مسجد بلال بن رباح في عبرا واستهدافه شخصياً. لم يتحول الخبر إلى فعل ميداني، بل بقي عاجلاً منذ انتهاء صلاة الجمعة، على صفحة الشيخ الذي يعبّر مراراً عن كرهه للتوتر والقلق اللذين تسببهما هيمنة سلاح حزب الله.

 

وأساس محاولة الاقتحام هي ما وصفه الأسير بـ«أزمة المراكز العسكرية المشبوهة للحزب في محيط المسجد» التي أثارها قبل أيام حين هدد، ولا يزال، بـ«اقتحامها لتطهيرها من عناصر الحزب والسلاح المدجج فيها الذي يروّع السكان الآمنين». خبر الاقتحام سبقه، على الصفحة، تمرير خبر عن سيارات رباعية الدفع بزجاج داكن تجوب في محيط المسجد. تبعه خبر عن توتر أمني كبير في محيط المسجد بعد مشاهدة سيارات تابعة لحزب الله. ثم مُرّر خبر عن انسحاب وحدات الجيش التي كانت تنتشر تزامناً مع صلاة الجمعة، تمهيداً للعمل العسكري المشبوه الذي ينوي عناصر الحزب القيام به. أما مسك ختام الأخبار، فالشيخ تحت الخطر... الرجاء تعميم الخبر إلى جميع المناصرين وضرورة التوجه فوراً نحو المسجد.

هذا على الموقع الافتراضي. أما في الواقع، فقد انتشر، في غضون دقائق، حوالى ثلاثين مقنعاً يرتدون سترات سوداء ويحملون أسلحة خفيفة ومتوسطة ورشاشة، توزعوا على مداخل المربع الأمني وعلى أسطح المباني التي تقع في نطاقه. هؤلاء أخذوا يتحركون بأسلوب عسكري وأمني ويمنعون المواطنين والسيارات من الاقتراب من المربع. الانتشار المباغت عكس حالاً من التوتر في عبرا، دفع الكثيرين من أبناء المباني المحيطة إلى ترك منازلهم خوفاً من معركة مرتقبة لم يشاهدوا سوى طرف منها. «قائد جيش» المسجد، ما لبث أن أطل بـ«لوك» جديد. ليس على دراجة هوائية أو عربة تزلج أو على البحر أو في مقهى للبوظة. بل كمقاتل يرتدي قميصاً وبنطالاً أسودين ويربط خصره بجعبة عسكرية ويحمل رشاشاً. أي أنه، وفي مشهد واحد، مارس عدداً من الصفات التي يكره بسببها «حزب إيران». لأكثر من ثلاث ساعات، كان الأسير ومسلحوه يتنقلون كمقاتلين محترفين في ذروة مواجهة مع العدو وجهاً لوجه. يفلت إتقان الدور المستجد منهم في معظم الأحيان ويعودون إلى حقيقتهم: استعراض وتبختر أمام عدسات وسائل الإعلام وعناصر الجيش والقوى الأمنية الذين عززوا انتشارهم في المحيط. ولكن هل من مقتحم يظهر ليحسّن المشهد قليلاً ويجعله حقيقياً ويساعد مخرج «الفيديو كليب» المبتدئ؟. يمر الوقت ولا يظهر أي طيف عسكري في الميدان سوى ظل الأسير ومقاتليه تحت السماء الرمادية. يخيب أمل هؤلاء الذين انتظروا أن يشتري أحد المشكل الذي يستدرجون عروضه فانكفأ بقرار ذاتي كما نزل.

وحده الجيش كان محط الأسف. يدرك عناصره واجبهم جيداً باجتثاث هذه الظاهرة المنحرفة، لكنهم لا يملكون القرار الذي لم يدعم برفع الغطاء السياسي عن أصحابها. في المقابل، لم يتورع وزير الداخلية مروان شربل، وعلى الهواء مباشرة على إحدى القنوات، عن تكذيب أعين ضباط وعناصر القوى الأمنية الواقعة تحت إمرته، بأن لا مسلحين في محيط المسجد، لا من حزب الله ولا من الأسير ومقاتليه.

بعيداً عن غبار معركة طواحين الهواء، تبين أن موكب السيارات التي تحمل لوحات، بخلاف موكب الأسير، عائدة لرئيس جمعية الخير والمحبة الإسلامية في صيدا الشيخ خضر الكبش الذي قصد أحد المحال التجارية في المنطقة قبل أن يعود سريعاً. ولأن الكبش صديق للحزب وكان من أوائل من نظم اعتصاماً مضاداً لاعتصام الأسير المفتوح في صيدا، اتخذه الأخير مبرراً لاستدراج الحزب إلى «معركة الشقق». علماً بأن الأسير نفسه كان قد أعلن، قبل وقت قصير وفي خطبة الجمعة التي حمّلها شعار «إفعل شيئاً للتغيير بخصوص المراكز العسكرية المشبوهة لحزب إيران في عبرا وكلنا مشاريع شهادة حتى تزول هيمنة نصرالله»، عن إرجائه لتحركات ميدانية ضدها إفساحاً في المجال أمام مسعى الوسطاء الخيرين لإخلاء الشقق من عناصر الحزب. وأكد عدم اعتراضه على أن تسكن عائلات شيعية في الشقق التي يصر على انها مراكز رصد له، فيما هي تبعد كيلومترات عدة عن المربع وتفصلها عنه مبان سكنية ضخمة. فالمهم أن تتطهر من «حزب إيران وسلاحه». و«الخير»، هنا، مصدره مجدداً رجل الأعمال الفلسطيني المقيم في صيدا عماد الأسدي، الصديق المشترك بين الأسير من جهة وبين شربل ومحافظ الجنوب وقائد منطقة الجنوب في قوى الأمن الداخلي.

النائب السابق أسامة سعد استغرب في حديث لـ«الأخبار» مطالبة أحد الأطراف بإخراج أي كان من المدينة التي تعد عاصمة تجمع كل الناس على اختلاف توجهاتهم. ورفض الدعوات التي تطالب التنظيم الشعبي الناصري بمواجهة ظاهرة الأسير وكبحها. إذ «ليس لنا مصلحة بالصدام العسكري الذي ينشده هو لاستدراج المدينة إلى صراع داخلي» كما قال. سعد الذي توقع مزيداً من الإثارة الأسيرية إعلامياً وأمنياً، اتصل بقائد الجيش مستنكراً الانتشار المسلح في عبرا، محملاً الحكومة مسؤولية الانفلات الذي سببته سياسة تهاونها بأمن الناس.

الجماعة الإسلامية والقوى الإسلامية اللبنانية والفلسطينية في صيدا، أكدت قيامها بمساع لسحب فتيل الأزمة، لكنها تساءلت عن سبب وضع البنزين بجانب النار؟. أما عبد الرحمن البزري فقد اعتبر بأن صيدا المتضرر الأساسي مما يحدث، حيث أصبح الخبر الصيداوي دائماً ملتزماً بالتوتر الأمني والتحدي وارتفاع منسوب الخطاب المذهبي.

ومساء، ووسط انتشار شائعات عدة عن إطلاق نار في أرجاء المدينة، اعتصم عدد من شباب التنظيم في ساحة النجمة للمطالبة بإصدار مذكرة توقيف بحق الأسير.


Script executed in 0.2022500038147