أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

شام النبطية وحلب كفررمان، السوريون "على كيفك"

الأحد 24 آذار , 2013 04:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 6,526 زائر

شام النبطية وحلب كفررمان، السوريون "على كيفك"

كيفما تجولت في قرى النبطية ومنطقتها يلفت نظرك مشهد النازحين الذي شدوا الهمة للقفز فوق أزمة لا أمل بفكفكة" براغيها"، وذهبوا أبعد من "الحلم"، فعمدوا الى إستنساخ مؤسساتهم، معامل خياطة، حلويات شامية، مشاوي شامية، حلاقة، شاورما حلبية وغيرها من المصالح التي نقلها أصحابها الى لبنان "لتدبر الأمر"، فعن أي نزوح من الجنوب يتحدث المتحدثون، ولأي ضغوط يروجون، هنا في الجنوب يعيش السوري كأنه في بلده، يسكن، ويعمل، وينتج، ولا يضطر للظهور على الشاشات مستجدياً مساعدة من هنا أو معونة من هناك، فالأبواب قد فتحت لهم، وسهلت أمورهم، حتى عندما تنافس اللبناني في رزقه.

هكذا قرر النازحون السوريون انشاء أعمالهم الخاصة، فلافل على كيفك ومطعم شام العز، ملحمة الزهراء، حلويات ومرطبات الملك، أسماء وشكل ومنتوجات، تشعرك وكأنك في سوق حلب أو الحميدية ولكن بالنسخة اللبنانية".

 

ضيق الحال بدل الأحوال

هل أنت في سوريا؟ سؤال يراودك كيفما تجولت في قرى النبطية، شام النبطية، حلب كفررمان، دير الزور الدوير، البويطية انصار، لاذقية كفرصير والحبل على الجرار إنك في النسخة السورية الجنوبية، وقريبا بالنسخة التجارية السورية، وربما غلبت اللهجة السورية على الجنوبية، لا شيء مستحيل، فآخر إحصائية سجلت أكثر من 30 ألف نازح سوري في الجنوب، والحبل على الجرار، وأكثر، إنخرط السوري في سوق العمل وبدأ يؤسس لإستقراره وإن بكفاف يومه". ولكن السؤال كيف تمكن السوري من إزاحة أزمته جانباً والإنطلاق برص صفوف حياته من جديد؟.

"ضيق الحال والاحوال" دفعت بعبد الفتاح ديب الرجل السبعيني "لأفتح محال لبيع حلويات الشام في منطقة النبطية"، ﻷنني أريد أن أسترزق واعيش بكرامه"، لقد إستنزفت الحرب السورية كل مقدرات ديب الكبيرة بحسب قوله "أنا كنت مقاولا كبيرا وعندي أملاك ولكن كلها طارت، وزاد الطيب بلة سرقة 20 ألف دولار في الدكوانة من حقيبة زوجتي لنصبح على الحديد"، في أنصار يقطن عبد الفتاح وداخلها فتح محله "أحاول ان أبني كينونتي الإقتصادية لذا تركت الحزن بالجرن وخرجت للعمل".

 

يرمي بكلماته على طبق حلاوة الجبن الذي يعده قبل أن يتأمل الحال بالقول " اللبناني يعشق البرازق وحلاوة الجبن، بوظة الدق الشامية وكل الحلويات الشامية وبالتالي فإنني أعول على النجاح لأن العودة لن تكون سريعة، وبالتالي يجب أن نعمل بأي شئ"، ينسجم ديب مع واقع الجنوب فهو "شبيه بوطننا" يقول ولكنه يسأل عن العروبة " أين العروبة لا نملكها عندنا إستعمار عربي، والصالح رايح مع الطالح، الإستقرار الإقتصادي يساعدنا على فرض سوق سوري في لبنان، ما يحبه اللبناني نقدمه، بضائع سورية وإنتاج سوري" يطرح كلام ديب سؤال جوهري هل سيتحول الجنوب الى سوق إقتصادي سوري ينعش الحركة التجارية ويحرك العجلة الإقتصادية في المنطقة؟

 

السؤال يتلقفه حسين فرواتي الخياط الذي يجلس خلف ماكينته 12 ساعة يومية، لكي يطرح بضاعته عما قريب في السوق المحلي " السوق المحلي متعطش للبضائع السورية، وتحديدا للألبسه لأن سعرها رخيص" يبدو فرواتي كمن يخيط مستقبله الجديد في النبطية، بل يؤسس "لحركة تجارية بدأت مفاعيلها تخرج الى الضوء" وبحسب تعبيره " نحاول نقل نسخة البضائع السورية الى لبنان" في معمل الخياطة يعمل فرواتي وثلاث أخرون يصممون، يفصلون الأقمشة كمن يفصلون مصير بلدهم "نأمل أن تنته الأزمة في القريب العاجل والى حين نحن نبني مسقبلنا الإقتصادي هنا"، وفرواتي كان يملك معمل في حلب بحسب قوله "الخياطة مهنتي وأعمل بها لأواجه الظروف القاسية وإن بأسعار زهيدة ، لأننا بدنا نعيش، ونحارب لأجل الأولاد، وإذا أردنا أن ننتظر الجمعيات فهي حجمها كبير وفعلها صغير".

 

مسلسل سوري جديد

"وجد السوري نفسه يخضع لإمتحان آخر من مسلسل حياته في لبنان، مسلسلاً ليس كوميدياً ولا على طريقة "الأكشن مود"، إنه مسلسل البحث عن الإستقرار المادي والإقتصادي في آن، عنوانه "بدنا نعيش" ما هو السيناريو الذي وضعوه، كيف يُخرجون حياتهم؟ السؤال على مختلف جوانبه يؤكد حقيقة واحدة لبنان باللهجة السورية ما يدل على إكتظاظ القرى الجنوبية بأعداد النازحين، الاف السوريين يتوزعون على قرى كفررمان أنصار، النبطية الدوير كفرصير، حاروف حبوش دير الزهراني وغيرها من القرى، يندمجون بسرعة البرق مع الواقع الجديد، بعضهم خرج ليعمل في مهن العمارة والنجارة والباطون، والبعض في محال تجارية خاصة العنصر النسائي، في حين إنخرط محمد عيد السوري الذي جاء الى النبطية قبل أربعة أشهر مباشرة في الجو الجنوبي، وتنبه مباشرة للخطر المحدق بأزمته الإقتصادية "فكرت سريعا أن أفتح عملا لي، انا مطعمجي وبالتالي الأكل السوري محبب لدى الجنوبي وهكذا بدأت" شرع عيد الباب الموصد على فتيل الحرب الإقتصادية التي تؤجج وجودهم معلنا " نريد أن نعيش وإن بالحد الأدنى فهناك عائلة وأولاد ومتطلبات وبالتالي يجب أن نبادر الى جني المال بعرق الجبين ولا نتضور جوع المساعدات التي إن هلّت لا تثمن ولا تغني من جوع".

 

شاورما وفلافل

في المطعم يعمل محمد هو ومنصور مدراتي، يقدم الإثنان الطبق الشامي "شاروما ودجاج وحمص، ساعات طويلة يمضيانها في العمل، بسمة محمد وإصرار منصور يبدوان جليان في حديثهما " بالتأكيد لن ننجح بسرعة ولن نجن الاموال الكثيرة ولكن بحده الادنى نؤمن قوت يومنا بعرق الجبين" يقول منصور الذي ينشغل في إعداد سندويش دجاج.
لم يأت عمل محمد ومنصور من العبث بل جاء وليد الضغوط الإقتصادية ولكن شجعهما سرعة التكيف مع المجتمع الجنوبي وأكثر يضيف منصور"المساعدات غائبة والغلاء يا سلام اذا أردنا أن نشتري شيئا نصوم أربعة أيام وهذا كله شجعنا لنفتح مطعمنا ونؤسس مصالحنا أنا املك عشرة أولاد أحاول قدر الإمكان أن أؤمن لهم ما تيسر".

 

كل يوم هناك حلم جديد يتحقق في "ربيع لبنان الحقيقي".. فلافل على كيفك، محل يقدم لك الفلافل على الطريقة الشامية فلافل، فتة، فول وغيرها داخل المحل ينشغل محمد ضاهر بإعداد الفلافل ذات شكل "ألقلب" محمد أتى الى لبنان قبل سبعة أشهر تاركا وراءه معمل لصناعة النراجيل "كله دمر لم يبق شي إيد من قدام وإيد من ورا أتينا الى لبنان"، ومحمد ليس معلم فلافل بل معلم صناعة النراجيل يقول "في لبنان يجب أن تنكش بالحجر لتؤمن لقمة العيش" يبدو السوري في لبنان كمن ينكش في حقل جاف ويريد أن يزرعه بإصرار وعزيمة، يرفض محمد أن يمد يده لطب المساعده في محله يعمل هو وإبنه تعلم المهنة ، الفكرة كانت من نصيحة صديق قديم يعمل بالفلافل وهذه المصلحة لا تحتاج الى رأسماله كبير يعني بالحد الأدنى ممكن أن تطلع ثمن الطعام " وبدأت افرض حضوري في المكان ، وأعتمد خلطة خاصة بي أحاول أن أقدم المطبخ السوري".

 

النازح السوري في قرى النبطية يدمج نفسه في السوق المحلي مقدماً نموذجاً جديداً عن كيفية مواجهة المصير القاسي بالعزيمة والإصرار على الحياة بكرامة، "بدنا نعيش بكرامة" هكذا يبادرك محمد حسن عبّارة الذي يقف في ملحمته يعمل على تقطيع اللحم كما لو كان يقطع ظروفه "الوضع صعب والحالة بالكحالة" لقد إنخرط عبَارة في الحياة الجنوبية وبدأ يؤسس لواقع جديد بعيدا عن إرث تركه في حلب تحت الدمار.. في يده يحمل سكينه وينطلق في قطع اللحم كما لو كان يفصل حياته الأخرى زوجته وأولاده معه واخوه ايضا "يجب ان نعمل لنعتاش من عرق الجبين" لم يأتي عمل محمد من اللاشيئ بل جاء نتيجة لضغوط كبرى عاشها في الفترة السابقة "عملت صانع عند أحد اللحامين لحام ولكن المذلة دفعتني لكي أفتح ملحمة حين نويت أن أستقر في لبنان"، يعمل عبّار في الملحمة هو وأشقاءه "لنمشي الحال" يقول "وضع البلد مكركب، الأزمة وإن إنتهت فهناك مصير مجهول ينتظرنا لذا يجب أن نفتح الباب على عالمنا الإقتصادي، نريد أن نعيش ولن ننتظر"، يقدم عبّارة "اللحم على الطريقة السورية، بنكهة سورية، الطبق المحبب عند اللبناني"، لقد ضرب السوري على وتر الرغبة بما يعشقه اللبناني "فقدمانه لهم كرد جبين لنا" يقول عبّارة الذي ينصح "كل سوري ان يخلق عمله وينطلق لأن الحياة إستمرارية ولا يجب الرهان على الظروف".

 

بإختصار يعيش السوري كفاف يومه ﻷنه يؤمن بمقوله "اليوم إلك وبكرا الله بدبر"، العيش بكرامة وتأسيس مستقبل، إستقرار، هي بوابة عبوره الى سياسته الإقتصادية التي بدأ يخطها والتعويل على الأيام لتوسيع رزقه فهل سينجح في تحريك عجلة السوق المحلي الراكد ويعيد دوزنة الظروف يما يتناسب وكل الطموحات الذي يبني عليها سؤال ربما ستجيب عنه الأيام المقبلة.


Script executed in 0.23576402664185