أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

البيـوت التـراثيـة فـي النبطيـة.. أثـرٌ بعـد عيـن

السبت 06 نيسان , 2013 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 13,992 زائر

البيـوت التـراثيـة فـي النبطيـة.. أثـرٌ بعـد عيـن

 

شهدت النبطية في العام 1972، فصولَ هدم السرايا العثمانية القديمة، التي بنيت في العام 1885 من طبقتين. «السرايا» التي سمّي الحي القديم باسمها، أزيلت بالتمام ولم يبق منها أي أثر. وشيّد مستوصف على أنقاضها. أما العام 1992، فشهد «جريمة» هدم أهم القصور التراثية في وسط النبطية، وهو «قصر آل الفضل»، بعد إهمال لسنوات، علماً أنه كان بالإمكان ترميمه. ولم يبق منه غير مدخل من القناطر، التي تميز بها بناؤه... وغيره العديد من البيوت القديمة الرائعة، التي أبادتها مساحات الإسمنت العشوائية التي غزت المدينة اعتباراً من منتصف الثمانينيات وحتى اليوم، والعديد منها آيل إلى السقوط أو الهدم، من دون أن يحرك أحد من المعنيين ساكناً لإيجاد مخرج يحفظ تراث وتاريخ المدينة. 

منازل النبطية التراثية، يعود بناؤها إلى مطلع القرن التاسع عشر، أو إلى النصف الثاني منه، وركام بعضها المنتشر في عدة أمكنة فيها، يرجع إلى نحو مئة وخمسين عاماً، وهي من حجارة صخرية، مقطعة عبثيا، مسقوفة من جذوع الأشجار المعتلية للعقود، وطبقة ترابية على القصب والبلان، وأخرى من الحصى، وثالثة من الجير الممزوج بالتبن، وكان أصحاب البيوت يحافظون على السقف سنوياً من خلال حدل سطحه، لتمتينه ومنع النشّ، أما الجدران فكانت مطلية بطبقة من «الكلين». أما بيوت النبطية في القرن العشرين، هي نسخة عن البيوت اللبنانية الحديثة في عهدها، وإذا كان معظم هذه الأبنية التراثية مبني من الحجر الصخري والسقوف الخشبية التي يغطيها القرميد الإيطالي، فإن العديد منها ناله من الإسمنت نصيباً مع بداية العشرينيات من القرن العشرين، بيد أنها حافظت على جدرانها الحجرية المقطعة الناعمة، وعقودها وقناطرها، ونالها من العدوان الإسرائيلي كذلك، ما نال البيوت القديمة، أو أكثر، ودمر العديد منها كلياً.

الباحث علي مزرعاني في كتابه الأخير عن النبطية، الذي أصدره تحت عنوان: «النبطية ذاكرة المكان والعمران»، يقول: «عرفت النبطية أشكالاً شتى من المنازل مع بدء ظهورها التقريبي في القرن الحادي عشر للميلاد، ومعظم قرى ودساكر جبل عامل عرفت المنزل البسيط ذا المربع الواحد المؤلف من سقف ترابي مكون من أخشاب وحصى وتراب، وله باب منخفض قريب من مستوى سطح الأرض، بالإضافة إلى فتحات للتهوئة (قبل ظهور النوافذ المعروفة حالياً) وبارتفاع لا يزيد على المترين، وهذا المنزل يكبر ويصغر بحسب إمكانيات العائلة التي تشترك جميعاً في بنائه».  

يضيف: «استمر ذلك النموذج حتى القرن الثامن عشر حيث أخذت البيوت بالتوسع مع استخدام القناطر الداخلية في العمارة لتزيد من إمكانية صمود المنازل، ولتحسين تقسيماته الداخلية وزيادة ارتفاعه عن ذي قبل. ولعل أقدم منزل مأهول في النبطية ما زال موجوداً في حي السراي، هو منزل آل فخر الدين (لصاحبه الأساسي أحمد موسى صباح، حيث الطابق السفلي للمنزل، أو الأقبية قائمة على عقود حجرية متصالبة تعود إلى القرن الثامن عشر، وهذا المبنى الوحيد القائم على هذا الطراز في النبطية وذلك لصعوبة بنائها وتكلفتها العالية. أما النموذج الأكثر شيوعاً فكان نظام القناطر مع السقف الترابي وما يتبعه من تحسينات وديكورات داخلية (الكواير، اليوك، الداخون وغير ذلك)، وهناك منزل وحيد قائم في حي البياض (منزل حسين محسن شميساني)، وآخر على طريق الزوال (منزل قاسم كمال) في حي السراي، وعمدت هذه القناطر إلى تقسيم المنزل إلى أقسام أو غرف عدة، وزادت من جماله الداخلي ومن متانته وارتفاعه الذي وصل في بعض الأحيان إلى خمسة أمتار. 

وكان حـــي السراي أقدم أحياء النبطية مطلع القرن العشرين، ولا تتعدى منازله المئتي منزل معظمها متصل بعـــضها بالآخر، حيث كان الشخص ينتقل من منزل إلى آخر عبر الأسطح، وكانت توجد بين البيوت فتـــحات مشتركة في أعلى الجدار للتســـامر ليلاً، لأن معظم الســـكان على صلة قرابة بعضهم بالبعض الآخر، وكـان هذا الحي أساس المدينة». 

ويوضح مزرعاني أنه «بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى حدثت نقلة نوعية في العمارة في النبطية مع ظهور الترابة السوداء المستخدمة في بناء المنازل، وبدأ وصول المال الاغترابي من أميركا اللاتينية وأفريقيا التي هاجر إليها العديد من أبناء النبطية. ولعل أول منزل بني بالترابة السوداء هو منزل الحاج أمين شاهين في العام 1920 في حي الميدان، والبعض قام باستبدال سقف منزله الترابي، كالشيخ علي كركي في حي البياض. وأخذت تظهر في النبطية المنازل الجميلة في أواخر عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين خاصة في حي البياض (التي سميت حارة أفريقيا). 

وانتشر البناء الصخري المزين بالقرميد الأحمر. وظهرت أنواع شتى من المنازل التي لا نموذج محدداً لها سوى أنها نسخة طبق الأصل أو معدلة عن منازل الحواضر المجاورة. فكان البناؤون ينقلون التصاميم وينفذونها، ويشتركون مع صاحب المنزل في وضع التعديلات الخارجية والتقسيمات الداخلية، إضافة إلى تزيين المنازل بالنقوش والرسوم والزخارف الجميلة حول الأبواب والنوافذ والمضويات المختلفة الأحجام والزجاج الملون، فضلاً عن البلاط ذي الرسومات الجميلة الملونة والذي كان يعد ترفاً في تلك الأيام». 

يتابع: «أواخر القرن العشرين كبرت النبطية فجأة وتضخمت بالمساحات الإسمنتية من دون مراعاة القواعد المميزة للبناء القديم مع ممارسات مناقضة تماماً لتقاليد البناء، وافتقد الإحساس والتوازن بين البناء والمساحات الخضراء في محيطه، وافتــقدت المباني الهدوء والأمان والجمال الذي كانت تمتلكه البيـــوت القديمة ذات القرميد الأحمر والحجارة الصخرية البيـــضاء التي كانت تشكل نمطاً جميلاً وجذاباً عكس عمارات هذه الأيام التي تهرب من النظر إليها». 

ويخلص مزرعاني إلى القول: «لقد دمّرت النبطية تراثها وهربت منه، وأزيلت معظم البيوت التي تحمل قيمة تراثية وأدبية وتاريخية لأعلامها الكبار ولعائلاتها التاريخية، كمنازل العلماء والأدباء المشايخ سليمان ظاهر، وأحمد رضا، وعبد الحسين صادق، والمخترع حسن كامل الصباح، ودارة آل الفضل التاريخية، والسرايا الحكومية العثمانية، ودارة أم رمزي حريبي في حي البياض، التي أزيلت عام 2007، بالرغم من ظهور مجموعة من الفيلات الجميلة على أطراف المدينة بتصاميمها الرائعة وبزخرفتها».

جانب من ساحة النبطية في العام 1948



دارة محمد فايز بك الفضل في العام 1932 (أرشيف «السفير»)

 

Script executed in 0.19683003425598