أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

تبغ النبطية.. زراعة لا بدّ منها

السبت 04 أيار , 2013 12:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,502 زائر

تبغ النبطية.. زراعة لا بدّ منها

 إذ باتت هذه الزراعة الفرصة الوحيدة المتاحة للعمل مع عدم توافر بدائل زراعية أخرى تتكفل الدولة بتصريف إنتاجها أو تلقى إقبالاً من الشركات الأجنبية، فيما الزراعات الأخرى كزراعة الزيتون مثلاً تعتبر أكثر إنتاجية على الصعيد المادي وأقل حاجة للعناية، لكنّ مزارعيها يعانون مشكلة سنوية تتمثل في تصريف إنتاجهم وتدفعهم في نهاية الموسم إلى بيع إنتاجهم بأي سعر متوافر خوفاً من كساده، في ظل المنافسة الأجنبية الشديدة. وقد شكّلت زراعة التبغ منذ زمن بعيد المورد الرئيسي لحياة الجنوبيين، وقد اعتبرت بحق الوجبة المرّة واللقمة المغمّسة بالدم والدموع، وهي ملازمة بشكل مصيري للسكّان في هذه المنطقة في غياب أي وسيلة للعيش، عدا الوظيفة والعامل الاغترابي، وهي البديل الطبيعي لأي رهان اقتصادي أو معيشي للأهالي. 

مع بداية شهر نيسان باشر مزارعو التبغ في منطقة النبطية بزراعة موسم التبغ لهذا العام، حيث بدأوا بغرس شتلات التبغ في الحقول المحروثة بواسطة الجرارات الزراعية، ولا تزال الطريقة المتبعة في زراعة التبغ في الجنوب تعتمد على الوسائل التقليدية التي عرفها المزارعون الجنوبيون قبل عشرات السنين، وتتلخص بقيام مزارع بغرز «سكة المياه» (النبوت) مثلما يسمّيه المزارعون في الأرض المثلمة جيداً على شكل صفوف، حيث تفتح في كل ثلم عشرات الثغرات الصغيرة التي تبعد كل واحدة عن الأخرى نحو عشر سنتيمترات، ويقوم بريها بخرطوم مياه يحمله بيده الأخرى يمتد من خزان قريب أو من تجمع براميل مملوءة بالمياه ينقلها إليها جرار زراعي كلّما أفرغت منها، في حين يقوم أحد العمال أو العاملات برمي شتلات التبغ على الثغرات المفتوحة شتلة شتلة، بعدها يعمد عمال أو أفراد العائلة إلى غرس كل شتلة في ثغرتها بعد توسيعها وتعميقها بواسطة عود خشبية محدبة الرأس قبل إهالة التراب على هذه الثغرات لتغطية جذوع الشتلات المغروسة، منعاً لتسرب أشعة الشمس إليها. 

ويروي المزارع حسين حايك كيفية زراعة التبغ التي تبدأ بزراعة البذور في مشاتل خاصة خلال شهر شباط، حيث تروى، وترش بالأدوية والمبيدات الزراعية حتى تصبح شتلات صالحة للزراعة في الحقول منتصف فصل الربيع. بعد ذلك يبدأ المزارعون بقطاف أوراق التبغ الناضجة رويداً رويداً، ومن ثم يعمدون إلى شكها بواسطة أسياخ حديدية يسمونها (الميابر) قبل إفراغها في خيطان كتانية تعلق على مناشر خاصة بها تحت أشعة الشمس أياماً عديدة حتى تجفّ، بعدها يقومون بتجميع الخيطان وأوراق التبغ اليابسة على شكل رزم تعلّق في سقوف بعض الغرف المخصصة لهذه الغاية في منازلهم، ومع بداية فصل الخريف يبدأون بإنزال هذه الرزم إلى أماكن رطبة لترطيب الأوراق اليابسة فيها، ومن ثم يقومون بترتيب هذه الأوراق وتصفيفها وتوضيبها في طرود مغلفة بمادة الجنفيص تمهيداً لتسليمها إلى «إدارة حصر التبغ والتنباك» (الريجي). 

ويصف المزارع حبيب ياغي معاناته مع هذه الزراعة قائلاً: «إنها حرفة ورثناها عن آبائنا واستمرينا بها بسبب عدم وجود البديل، وهذا ما يدفعنا أنا وأفراد عائلتي لاحتمال التعب الكثير الناتج عنها». ويرى أنه «يجب إدخال خطط تتبنى تطوير زراعة التبغ لجعلها مهنة إنتاجية من حيث تطوير أصنافها وإيجاد صناعات ملازمة لها في أماكن الإنتاج، لخلق الدورة الاقتصادية المناسبة لها وتدور في فلكها، وما يوفره ذلك من زيادة في إنتاجها، وتأمين فرص عمل تحد من التناقص المستمر في أعداد المزارعين أو انقراضهم في مناطق أخرى يتم إيجاد بدائل معيشية فيها». ويأمل ياغي بـ«تنفيذ مشروع الليطاني الذي من المفترض أن يؤمن المياه الكافية للري، ما سيدفع المزارعين لاعتماد زراعات مروية بديلة، ومن الآن وحتى تحقيق ذلك فإن زراعة التبغ ستبقى الزراعة الأساسية المنتشرة في مناطق الجنوب». 

ويشير المزارع حسن اسماعيل إلى أن «زراعة التبغ في الجنوب هي زراعة عائلية يشترك فيها معظم أفراد الأسرة كباراً وصغاراً، أو يعاون فيها المزارعون بعضهم البعض، في الوقت الذي يعمد فيه البعض إلى استئجار عدد من العمال والعاملات من ذوي الخبرة في الزراعة المذكورة إذا اقتضى الأمر»، معتبراً أن «زراعة التبغ من أكثر الزراعات صعوبة ومعاناة، بالرغم من أسعارها المدعومة من قبل الدولة، لكونها تتواصل على مدار السنة من دون أي انقطاع تقريباً». 

ويرى المزارع عباس عليق أن «المزارعين لا يقدمون على زراعة التبغ حباً بها، بل لأنها الزراعة الوحيدة التي يمكن تسويقها، لاسيما بعد سياسة الدعم التي اعتمدتها الدولة في شرائها للمحصول منذ سنوات». 

ويطالب المزارع أحمد زريق، المسؤولين المعنيين بالعمل بالسرعة القصوى على إدخال المزارعين في «الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي»، كي يضمنوا عائلاتهم وأولادهم على الصعيدين الصحي والاجتماعي، وبإنشاء بنك لتسليف المزارعين، ورفع سقف إنتاج الدونم الواحد من التبغ، إضافة لمساعدة المزارعين بالأسمدة والمبيدات والأدوية الزراعية.


Script executed in 0.19265794754028