أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

حيدر ويزاني: الفقر طريقاً إلى الفخار

السبت 11 أيار , 2013 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,865 زائر

حيدر ويزاني: الفقر طريقاً إلى الفخار

 

يردّد كثيرون أن «صناعة الفخّار» باتت من التراث اللبناني، ومنهم من يرى أنها تكاد تؤول الى الانقراض، لأسباب كثيرة منها تدني الاستهلاك وقلة اهتمام الدولة بها، وهجرة الشباب. لكن حيدر ويزاني قرّر إحياء هذه الصناعة، من خلال امتهانها بعدما ضاقت به سبل العيش.

ابن بلدة شقرا، في بنت جبيل، أقام معرضه الأول «عودة الفخّار» بتشجيع من مجلس بلدية شقرا ودوبيه، وهو يطمح للحصول على دعم مالي يخوّله تطوير هذه الصناعة «كونها عادت لتصبح محطّ اهتمام الأهالي والمزارعين بعدما أثبتت التجارب استمرار الحاجة اليها».

منذ صغره، أحبّ ويزاني «اللعب والتفنّن بالطين، وكنت أجيد الرسم فقرّرت تعلّمه. قصدت المعارض وتعرّفت على أنواع الرسم وأدواته، حتى بت لاحقاً رسّاماً مكلّفاً من بلدية حارة حريك». لم تؤمن له هذه المهنة دخلاً كافياً لمعيشته، رغم اتاحة الفرص له للمشاركة في معارض فنية مختلفة، فعاد الى بلدته شقرا وعمل دهاناً. ثم تعرّف الى خبير في صناعة الفخّار، من بلدة راشيا «تعلّمت منه مبادئ المهنة الجديدة، ولكنني لم أكن أملك المال، ورغم ذلك بدأت أنفّذ ما تعلّمته في منزلي المتواضع، بعدما صنعت بيدي مغزلاً هو عبارة عن ماكينة لحمة منزلية استخدمت محرّكها لادارة دولاب صغير أستخدمه لغزل الفخّار وتدويره وتحويله الى أشكال مختلفة». وعند انقطاع التيار الكهربائي يستخدم ويزاني آلة غزل تعمل يدوياً، صنعها بنفسه أيضاً. أما الفرن فهو «عبارة عن برميل صغير، مطليّ بالفخّار، وضع على موقد يؤمن حرارة تزيد على 800 درجة مئوية، لطبخ الفخّار، بعد الاستعانة بمحرّك يؤمن الهواء الى الموقد، هو عبارة عن مجفّف شعر.

وعن طريقة صنع الفخّار، يقوم ويزاني بخلط التراب الأحمر مع الأسود، ويعجنه بيديه ورجليه جيداً، ثم يتركه يتخمّر لمدة أسبوعين، قبل غزله بآلته التي صنعها بيديه أيضاً. وبعد ذلك تترك المواد المصنّعة لتجفّ في مكان معزول عن الهواء والشمس لأسبوع أو أكثر بقليل، وتوضع في الفرن على حرارة تزيد على 800 درجة مئوية. نجح ويزاني في صناعة أشكال متعددة من الفخّار، وبدأ عرضها في دكانه الصغير، وهي عبارة عن «مجسّمات مختلفة، وتماثيل وأباريق متنوعة الأشكال والأحجام، وخوابي للزيت وغيرها»، ومن ثم بات يجول في الأسوق الشعبية صباحاً لبيعها، ويستغلّ فترة بعد الظهر لصناعة المزيد منها.

يطمح ويزاني اليوم لزيادة انتاجه وتطويره، لكنه يأمل الحصول على مساعدة مالية تؤمن له شراء آلات حديثة توفر عليه الجهد وتضاعف انت جه، «انا لست بحاجة لأكثر من 5000 دولار، لكي أنعش سوق المنطقة بالفخّار، وأؤمن للأهالي حاجاتهم، كونهم بدأوا يطلبونها اليوم، بعدما اكتشفوا أن بعض أواني الفخّار أفضل بكثير من غيرها، فخوابي زيت الزيتون باتت مطلوبة، بعدما تأكد المزارعون من أن جودة الزيت تتأثر بأواني البلاستيك والزجاج، أما الفخّار فيحفظ الزيت جيداً ويمنع عنه الحرارة وأشعة الشمس». يضيف ويزاني «أسعار مصنوعات الفخّار لا تزال رخيصة، وباستطاعتها منافسة المصنوعات الأخرى، فعلى سبيل المثال، ثمن ابريق الفخّار المزخرف لا يزيد على 7000 ليرة لبنانية فقط». يذكر أن صناعة الفخار هي مهنة حرفية قديمة، تعود بداياتها في لبنان الى الألف الثامن قبل الميلاد، وذلك لتميّز التربة الموجودة في بعض مناطقه والتي تصلح في استخدامها كمواد أولية لهذه الحرفة، وقد اشتهرت بعض المناطق اللبنانية بصناعته سيما «راشيا الفخّار» التي وصل عدد أفران الفخار فيها الى الى 70 فرناً، فانصرفت كل عائلاتها للعمل في هذا الحقل، وكان الانتاج وفيراً. إلاّ أن هذه الصناعة بدأت بالانقراض شيئاً فشيئاً منذ خمسينيات القرن الماضي، حتى تدنى الرقم الى فرنين فقط، أحدهما لأديب الغريب ويعمل بنشاط، والآخر لجهاد اسبر عندما تكون الظروف مؤاتية، وهذا تراجع لافت، ان لجهة الابقاء على هذا التراث، أو لجهة المردود المادي للعائلات هناك.


 

Script executed in 0.19764995574951